info@suwar-magazine.org

الاستقطاب الدولي والإقليمي في الملف السوري ينذر باشتعال المنطقة من جديد

الاستقطاب الدولي والإقليمي في الملف السوري ينذر باشتعال المنطقة من جديد
Whatsapp
Facebook Share

 

أثرت الحرب الأوكرانية بشكل كبير في تحوُّل مواقع ومحاور الصراع بين الدول الكبرى ما انعكس بشكل مباشر على معادلات القوى بين الأطراف الدولية.

نركز في هذا السياق بشكل أساسي على العلاقات السعودية الإيرانية والدعم الصيني لها، والذي يشكّل محوراً جديداً في العلاقات ومصالح الدول في المنطقة، ستكون النتائج المباشرة لهذا التحول واضحة على الأوضاع في الشرق الأوسط، والأزمة السورية المستعصية.

 

إن تزايد دور الصين وحضورها في العالم يُشعِر الولايات المتحدة بالقلق من أن يهدّد ذلك الحضور قدرتها على التحكم في عمليات التسوية الدولية. هذا التحوّل يشكّل تحدٍّ لدور الولايات المتحدة كقائدة قطب واحد في صناعة السلام والأمن الدوليين، ما يجعل الولايات المتحدة أكثر حاجة إلى تعزيز وتثبيت قواعدها في الشرق الأوسط والبحث عن شركاء مخلصين لدعم مصالحها وحماية مكانتها العالمية.

 

من المتوقع أن يكون لهذه الديناميكية الإقليمية والعالمية تأثيراً كبيراً جرّاء هذه التغيّرات، وأن يؤدي ذلك إلى تحوّلات وتغيرات في توازن القوى العالمية، فالدول العربية تشعر برغبتها في تعزيز قدرتها على التأثير ولعب دورٍ مهم في المشهد الدولي، مشابهاً للدور الذي تلعبه تركيا، حيث ترى العديد من الدول العربية أنّ هناك فجوة بين المحور الغربي والروسي، وهذا يمكن أن يعطي الفرصة لها في زيادة تأثيرها وتعزيز مواقفها الدولية.

 

وتركيا بدورها تستفيد من الحاجة الروسية لها لتعزيز موقفها في الحرب الأوكرانية أمام الأوروبيين. حيث توجد اتفاقيات بين تركيا وروسيا في مجالات مثل الغاز والقمح، مما يعود بالفائدة على تركيا اقتصاديّاً. بالإضافة إلى ذلك، تحتاج تركيا أيضاً إلى تعزيز أمنها القومي، ومكافحة التحديات الأمنية، وهذا يعزّز تعاونها وعلاقاتها مع روسيا.

 

هذه التطورات تنعكس بشكل مباشر على الملف السوري. إذ يوجد تدخّل مباشر من قبل الفرقاء الإقليميين والدول الكبرى في سوريا، بما في ذلك تركيا التي تلعب دوراً مهمّاً في الصراع السوري وتسعى لحماية مصالحها الاستراتيجية، وتحقيق أهدافها في المنطقة. وروسيا التي تسعى لتعزيز تأثيرها في سوريا ودعم النظام السوري.

 

باختصار، التوترات الإقليمية والتحوّلات الجيوسياسية تؤثر بشكل كبير على الأوضاع في سوريا، وتعزز دور الدول الفاعلة في المنطقة، بما في ذلك تركيا وروسيا.

 

المشاريع والسيناريوهات المطروحة أمام المنطقة:

 

١. المشروع الأمريكي

 

هناك مشروع أمريكي لتعزيز دور أمريكا في شمال شرقي سوريا، وتكرار تجربة إقليم كردستان في العراق، يسعى هذا المشروع إلى إنشاء منطقة محصّنة في الشمال السوري تحت حماية الحلفاء الأمريكيين وقوات التحالف الدولي، ويستند إلى التعاون مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والهدف منه تحصين القواعد العسكرية، وتعزيز الحضور الأمريكي في المنطقة لتحقيق أهداف استراتيجية عدة، حيث يهدف الأمريكيون إلى تأمين المنطقة وتنظيمها وتحقيق الاستقرار الأمني، وفرض رقابة على التنظيمات الإرهابية، ومنع تهديدات إيران في المنطقة، كما يهدفون أيضاً إلى إيجاد قواعد ثابتة لهم في المواجهات القادمة.

 

تسعى الولايات المتحدة أيضاً إلى تعاون بين قسد والمعارضة المسلحة في إدلب بغاية تحقيق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة.

ويشكّل طريق البوكمال الذي يمر عبر العراق ويصل إلى إيران تحدٍّ استراتيجيّاً، ولذا فإنّ تأمين المنطقة وتحكّم الحلفاء الأمريكيين فيها يهدف إلى ضمان عدم تعزيز قدرة إيران ومنع انتشار تأثيرها في المنطقة.

 

بالطبع هناك عدة أهداف من وجود الولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا من بين هذه الأهداف:

 

مكافحة الإرهاب: توجد تنظيمات إرهابية في المنطقة مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والتي تشكل تهديداً للأمن والاستقرار. بالتعاون مع قسد والمعارضة المسلحة، تسعى الولايات المتحدة إلى تنظيم الجهود العسكرية والأمنية لمحاربة الإرهاب.

 

الحدّ من تأثير إيران: تهدف الولايات المتحدة إلى تقييد تأثير إيران في المنطقة ومنع توسع نفوذها. من خلال تحصين قواعدها العسكرية وتنسيقها مع قسد وقوات المعارضة في إدلب، تحاول الولايات المتحدة إنشاء منطقة آمنة، ومحصّنة تعمل كحاجز استراتيجي لتقليل تواجد إيران والحيلولة دون استغلال طريق البوكمال الذي يمتد من إيران إلى سوريا عبر العراق.

 

بشكل عام، تتوجه الولايات المتحدة نحو تحقيق أهدافها السياسية والاستراتيجية في شمال شرق سوريا من خلال تعزيز دورها وتعاونها مع القوى المحلية والدولية، مع التركيز على مكافحة الإرهاب وتقليص تأثير إيران. لكن عليها دعم المكون العربي بشكل أكبر: من أجل الحصول على تأييد وتعاون المكوّن العربي في المنطقة، بما في ذلك تركيا وقوات المعارضة. لتحقيق ضمان أكبر لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة والتحالفات الاستراتيجية التي تسعى لتعزيزها.

 

٢. التطبيع العربي

 

التطبيع العربي يعكس رغبة الدول العربية في تحقيق الاستقرار ومكافحة التحديات الأمنية والاجتماعية التي تواجه المنطقة، بما في ذلك تهريب المخدرات نحو الخليج العربي. من خلال تعزيز التعاون والتنسيق بين الدول العربية، لتحسين قدرات مكافحة التهريب وتعزيز الأمن الحدودي.

 

تمّ هذا التقارب الخليجي الإيراني برعاية صينية وروسية، والذي سيكون له تأثيراً على تعزيز التعاون العربي ومكافحة التهريب. وتأثيراً كبيراً على العلاقات بين الدول العربية وإيران، وبدعم من الصين وروسيا، مما ينعكس على تعزيز التنسيق الأمني وتبادل المعلومات في مجال مكافحة التهريب وتعزيز الأمن لكن هذا يزيد من حدّة الاستقطاب الدولي بين الحلف الغربي والحلف الصيني الصاعد.

 

ومع ذلك، يجب أن يتمّ التعامل مع هذه التطورات بحذر، ينبغي أن يتمّ التأكد من أن أيّ تطبيع يجب أن يتم بما يحقّق المصالح الوطنية للشعب السوري، ولا يشكل تهديداً للأمن والاستقرار في المنطقة.

 

٣. المشروع الروسي للتطبيع التركي مع دمشق قبل الانتخابات التركية، من خلال لقاءات أمنيّة في الساحل السوري، وهدف هذا المشروع هو استمالة تركيا وضمان تأثيرها الإيجابي في الحرب الأوكرانية بالتعاون مع روسيا. ربما يتم فسح المجال لتركيا باستعادة مدينة كبرى مثل حلب لتأمين عودة أكثر من مليون لاجئ.

في النهاية تشهد الأزمة السورية تداعيات واسعة ومعقّدة، حيث تتدخّل دول عديدة ومجموعات مختلفة. يمكن أن يؤدي الاستقطاب والتوتر المتصاعد بين الدول الكبرى نتيجة الحرب الأوكرانية إلى تغييرات في القوى المتداخلة في النزاع السوري. قد يؤدي التحالف الجديد بين السعودية والصين والتقارب بين إيران وروسيا إلى تحولات في الدعم والتأثير على الفصائل المتناحرة في سوريا، ممّا قد يؤثر على الحل السياسي واستقرار المنطقة مرة أخرى.

 

هذا المقال جزء من سلسلة مقالات حول الملف السوري والصراعات الإقليمية والدولية فيه

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
آخر المقالات
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard