قضايا شائكة واستعصاء الحل .. القضية السورية على مائدة مؤتمر بروكسل
الوعود لم تستسلم والمفاوضات جرت لدعم اللاجئين السوريين بل وحتّى النازحين داخلياً على هامش مؤتمر المانحين الوزاري بشأن سوريا في بروكسل شهر أيار المنصرم بتاريخ 27/5/2024 بالتزامن مع اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، فهل هذا الاجتماع التئام لجروحنا أم ماذا؟، وفي ذات الإطار كان هناك تخلٍّ واضح من قبل المجتمع الدولي مع تضاؤل في تقديم المساعدات المالية، في حين أنّ الاتحاد الأوروبي أكّد على ضرورة عدم عودة اللاجئين في ظلّ الظروف غير المهيّأة لأنّها غير آمنة وبالتالي لا يمكن إجبارهم على فعل شيء دون طواعية منهم أو بالإكراه.
تقاسم الأعباء والمسؤوليات بين الدول المستضيفة والمانحة
على مرأى ومسمع العالم، تزداد الأزمة السورية خطورة وبحاجة إلى مزيد من المساعدات الإنسانية، وفي ظلّ الظروف الراهنة التي تمرّ بها الكثير من البلدان وخاصّة حرب غزة وأوكرانيا باتت سوريا في مغبّ النسيان والذي سيعقد الأزمة السورية أكثر مما هي عليها.
بالإضافة إلى أنّ البلدان المستضيفة للاجئين السوريين مثل تركيا والعراق ولبنان والأردن ومصر باتت في مخافة من أمرها، لا سيما وأنّ الوضع السياسي في أسوأ حالاته ويفتقر إلى التطوّر والتقدم رغم الحوارات والمفاوضات الجارية إلى الآن من قبل كلّ الأطراف الداخلية السورية وكذلك الخارجية المساهمة في إيجاد الحل السياسي السوري، ولكن كلّ طرف على حداً، الأمر الذي يعرقل سير عملية الوصول لحل سياسي شامل واحد يُرضي جميع الأطراف السورية عبر حوار سوري- سوري ويدعم تطلّعات السوريات والسوريين في سبيل مستقبل صحي سلمي وديمقراطي.
خلال الاجتماع الوزاري أكّدت دول عدة مستضيفة للاجئين السوريين أنّها باتت عاجزة في الوقت الراهن عن تلبية احتياجات كافّة اللاجئين وخاصّة أنّ عددهم في ازدياد يوماً بعد يوم، بل وأصبحت مقيّدة وغير قادرة لتقديم أيّة مساعدات أو خدمات لهم، بالإضافة إلى مطالبتهم الدول المانحة بالمساعدة في عودة اللاجئين إلى بلدهم سوريا، الأمر الذي يدعو إلى حالة من الخوف حول وضع السوريين في الخارج والذي ليس بأسوأ حالٍ مِن وضع مَن بقي في الداخل.
وهنا سؤال يطرح نفسه هل هذه الدول وصلت إلى نقطة أو محور اللاعودة بالنسبة لملف اللاجئين بل وترحيل السوريين إلى بلادهم والتي تُعتَبَر خطوة غير منطقية وغير آمنة، أو البحث عن البديل كأن يتمّ ترحيلهم إلى بلد ثالث وذلك وفقاً لما تمّ الاتفاق عليه مسبقاً بين الدول المانحة والدول المستضيفة بهدف تقاسم وتوزيع المسؤوليات والأعباء قدر المستطاع؟.
اقرأ أيضاً:
منذ بدء الأزمة السورية عام 2011م والتعهدات السنوية من الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي تتوالى لدعم الاستقرار في سوريا والمنطقة كنوع من الاستجابة السريعة للأزمة السورية، وخاصّةً منذ انعقاد مؤتمر بروكسل1 عام2017 وحتى مؤتمر بروكسل الثامن عام 2024 والتي تقدّر بأكثر من 33 مليار يورو في ظلّ عدم الوصول لتوافق وحل سياسي والذي يُعتَبَر الضرورة القصوى لحلّ الأزمة السورية كي يعيش الشعب السوري حياة سلام وأمان كما بقية الشعوب، إلّا أنّه يبدو بعيد المنال وباتت الأزمة السورية تأخذ منحىً آخر بالسير نحو الإهمال وعدم النهوض من المحنة رغم تجديد الدعوة والدعم من قبل جميع الأطراف للحل السياسي إلّا أنّه يظلّ حبراً على ورق.
تجديد الدعم للحلّ السياسي ...رغم سيره نحو التعقيد
كسوريين وسوريات تمّ خلط جميع أوراقنا السياسية من جميع الأطراف الداخلية والخارجية وبتنا في حيرة من أمرنا هل لا زلنا جزءاً من الحل أم جزءاً من المشكلة؟، بالإضافة إلى أنّه ولم يعد بإمكاننا من تعداد المفاوضات والحوارات الداخلية وكذلك الخارجية وتكرارها أن نثق بأيّ تدخل أو مساعدة بغياب أيّ توافق سياسي وعلى كامل الجغرافيا السورية رغم التأكيد على إيجاد الحل السياسي من قبل المشاركين في الاجتماع الوزاري تبعاً للقرار الأممي 2254 ، حيث الشكوك تكثر حول شرعية تقديم الدعم المالي ومحاولات المجتمع الدولي في إيصال المساعدة لحلّ الأزمة السورية، وخاصّة أن العقوبات الأمريكية والأوروبية لا تزال قيد التنفيذ والتي تؤثر سلباً على الشعب السوري.
في الآونة الأخيرة عقدت جهات سياسية سورية لقاءات عدّة بغرض الوصول لنقاط توافقية تمكنهم من الوصول لحل سياسي توافقي بين كافّة الأطراف السورية اعتماداً على تجارب دول عدّة بذات الظروف والتي من الممكن الاستفادة منها وإسقاطها على الوضع السوري لتجنّب المزيد من المعاناة والخروج من الأزمة بما يكفل حقوق الإنسان السوري على كافّة الأصعدة، ولكن انتهت دون الوصول لأيّة مفارقات عن سابقاتها كما العادة والوضع مستمر على ما هو عليه رغم الحاجة الملحة والمطلوبة بعد 13عاماً من المعاناة.
باتت العملية السياسية السورية أكثر تعقيداً بمختلف مراحلها و تشعباتها ومساراتها بدءاً من خطة النقاط الست التي تولّاها المبعوث الخاص المشترك لرسم خارطة الطريق لإنهاء الصراع في سوريا كوفي عنان عام2012م انتهاءً بسلّة الإصلاح الدستوري التي طرحها المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون عام 2018م، ولا سيما بعد الركود الذي أصاب العملية السياسية في المنطقة في ظلّ تعنّت الحكومة السورية وحليفها الروسي ورفضهما التام للمفاوضات بخصوص هيئة الحكم الانتقالي في سوريا والتي لا تزال في خضمّ الصراعات والنزاعات دون أن تُفضي إلى أيّ حلّ يخدم سوريا.
اللجنة الدستورية والمسار السياسي
بعد تراجع الاهتمام بملف القضية السورية وأيضاً ازدياد هيمنة النفوذ الأجنبي والإقليمي على الجغرافيات السورية كلّها، وعدم ضمان توافقات سياسية أو تنازلات (بما معناه) أدّى إلى استحداث حالة مبهمة من الاستعصاء السياسي وبالتالي توقّف شبه تام لمسار جنيف التفاوضي الأمر الذي دفع بالمبعوث الأممي غير بيدرسون الذي عُيِّن بديلاً عن دي ميستورا عام2018م إلى تفعيل سلّة الإصلاح الدستوري التي أُعطيَت لها صلاحيات من قبل مجلس الأمن لوضع منهجية ومدة زمنية محددة للمفاوضات وكذلك وضع نظام داخلي خاص بها، إلّا أن الهيئة المصغّرة من تلك اللجنة والمكونة من 45 عضواً ممثّلة بالنظام السوري والمعارضة والمجتمع المدني السوري فشلت فشلاً ذريعاً في الوصول إلى أي اتفاق بخصوص المدّة الزمنية لعمل اللجنة، وكذلك الصياغات والمبادئ الدستورية للدستور السوري الجديد بعد ثمان جولات تفاوضية في جنيف كان آخرها عام 2022 ، ومنذ ذلك الوقت وإلى الآن لم تقدّم أيّ مجهود يُذكر ويرجع لأسباب عدّة منها غياب حسن النية من قبل جميع الأطراف في التوصّل إلى حلّ سياسي بالإضافة إلى استبعاد فئات عدّة من التمثيل ضمنها بسبب غياب العملية الانتخابية المنظمة، الأمر الذي يدعونا في التفكير بشرعية هذه اللجنة من عدم شرعيتها، إلّا إنّه ورغم كلّ تلك الأسباب لا نزال على حافة الأمل لكي تتطور الأمور للأفضل وعلى رأسها مصير المفقودين والمعتقلين والذي يعتبر شرطاً أساسياً للمصالحة وبمشاركة كافة الأطراف السورية.