عجز موازنة الإدارة الذاتية خارج المقاييس المتعارف عليها يتطلب حلولاً استثنائية
أصدرت الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا حجم الإيرادات العامة والنفقات، وكذلك حجم العجز في الموازنة العامة للسنة المالية 2024 بتاريخ 8 حزيران/يونيو الجاري بما يتواءم مع تأمين الاحتياجات والخدمات الأساسية للفرد والمجتمع على حدٍّ سواء ولتوفير نوع من الاستقرار الاقتصادي بالمنطقة.
وقد قُدّرت الإيرادات العامة عن الفترة الوقعة بين 1 كانون الثاني 2024 وحتى 31 كانون الأول2024 بمبلغ 670 مليون دولار أمريكي، كما أن النفقات العامة للـ 12 شهراً للعام الحالي تقدّر بـ مليار و59 مليون دولار أمريكي، وكما بلغ العجز المتوقع في الموازنة العامة للسنة المالية 2024، "استناداً إلى النفقات المخططة والإيرادات المتوقعة، 389 مليون دولار أميركي".
ولكن هنا نسأل أنفسنا والإدارة الذاتية ( المظلة السياسية ل قوات سوريا الديمقراطية) سؤالاً على اعتبار أنّ المحور الأساسي في أيّ موازنة طبيعية والمتعارف عليه قانونياً واقتصادياً هو مدى الإنفاق على تلك الخدمات والاحتياجات المقدّمة وكذلك العجز الذي من المفترض أن يغطّى بالقروض، ما هي الحلول الممكنة لسدّ العجز الذي توقعته الإدارة الذاتية وخاصّة أنّها غير قادرة على الحصول على القروض، ولماذا هذا الفرق الهائل بين الإيرادات والنفقات؟
عجز في الميزانية رغم السياسات الموضوعة مسبقاً
أعتقد أنّ الأمر مرتبط نوعاً ما بالسياسات والاستراتيجيات المالية في شمال شرق سوريا وكيفية فهمها وتوظيفها بما يتناسب إن كانت تلائم الوضع الاقتصادي أم لا وفي هذا الصدد يقول الاقتصادي رامان سيدو: "قامت الإدارة الذاتية بمجموعة من السياسات المالية لمعالجة العجز في الميزانية في العام الماضي وقد صرّحت بها في إحدى الوكالات الإعلامية وهي سياسات صحيحة رغم تعارضها مع المصلحة العامة تتضمن رفع الدعم عن المشاريع الزراعية والإنتاجية، رفع الرسوم الجمركية والضرائب، رفع سعر المحروقات، وقف تمويل المشاريع الاستهلاكية ( التي ليس لها عائد مالي ) وهذه السياسات كلّها تودي إلى زيادة الإيرادات كحالة طبيعية وتخفيض النفقات في الوقت ذاته".
اقرأ أيضاً:
لماذا لم تنجح الإدارة الذاتية في معالجة العجز
فلنعيد النظر في هذه السياسات والاستراتيجيات ولماذا لم تنجح الإدارة الذاتية في معالجة العجز من خلالها، فأعتقد أنّ ذلك يعود إلى عدّة نقاط مفصلية ومحورية يذكرها لنا سيدو من خلال "تركيز الإدارة على زيادة الإيرادات وتناست بأنّ هناك نزيف حاد في النفقات في المشاريع الوهمية وغير المجدية، رفع الدعم عن القطاع الإنتاجي والزراعي أثّر في الصادرات وبالتالي انخفاض نسبة الضرائب التي تُؤخذ من البضائع الصادرة زراعية كانت أم تجارية، ولم تعالج الفساد الإداري بل ساهمت في تفشيه بشكل أكبر واعتمدت على مكافحة الفساد بالأساليب التقليدية"، منوّهاً أنّه على الإدارة الذاتية تغيير سياساتها من خلال دعم الإنتاج المحلي، حماية السلع المحلية من السلع المستوردة، منح المعامل والشركات التابعة لها على شكل استثمار للقطاع الخاص والوضوح التام في عمليات الصرف والدفع، وإلّا سوف تواجه كارثة مالية حقيقية.
مضيفاً: "سيكون لهذا العجز أثر على حياة الناس الاقتصادية، فمعالجة عجز الميزانية ستكون على حساب تقديم خدمات ورفع الضرائب وذلك سيودي إلى ارتفاع الأسعار في ظلّ انهيار القوة الشرائية وفقدان المزيد من الخدمات رغم انعدام البنية التحتية، ولا يمكن اتخاذ حلول لمعالجة العجز في ظلّ الجو الاقتصادي المريض لأنّها ستودي إلى كوارث أخرى قبل ظهور نتائج تلك الإجراءات إلّتا من خلال دعم الانتاج المحلي ودعم القطاع الخاص مع التوقف في الاستثمار في القطاع العام".
ضعف في التقديرات العامة بالموازنة نتيجة تحدّيات وصعوبات
يقول الباحث الاقتصادي في المعهد الألماني للتنمية والاستدامة مسلم طالاس: "يتوجّب في البداية معرفة أنّ العجز الوارد هل هو عجز متقصد أم عجز آتٍ من غاية أو هو نوع من التحدي خارج عن السيطرة، ولفهم هذا الموضوع يجب معرفة أن الموازنة ممكن أن تكون لغايتين إحداها غاية تمويلية تؤمّن نفقات الحكومة أو النفقات الإدارية الجارية لتيسير الحكومة أو غايات اقتصادية تنموية تتوجه باتجاه مشاريع استثمارية".
موضحاً: "أنّه بشكل عام عندما تكون النفقات موجّهة أو الحكومة مهتمّة فقط بتأمين إدارة الشأن الحكومي العام والإدارات الخدمية فالعجز بهذا الحجم يكون لافتاً للنظر وغير طبيعي، لكن إذا كانت الحكومة لديها توجهات استثمارية معينة كتمويل قطاعات تعتبرها أنّها استراتيجية فربما يكون هذا العجز مقبول".
"يمكننا القول بمنظور معيّن أنّ هذا العجز ضخم جداً، يعني نسبة 40% عجز من الموازنة يُعتبر خارج المقاييس المتعارف عليها لأنّ النسبة المقبولة عادة هي 5% أو6% أو10% أو حتى 15% لكن هذا الحجم ضخم جداً، وبالتالي المعنى المالي لافت للنظر وغير مقبول وربما يكون مقصود، ولو افترضنا أنّ الإدارة الذاتية لا تتقصد العجز لغاية استثمارية ما أو لغاية أخرى وإنّما هو عجز خارج عن سيطرتها بهذه الحالة يكون التحدي هو أنّ الإدارة الذاتية تواجه مشكلات بتأمين إيرادات لتموّل الموازنة العامة وبهذه الحالة يتوجّب معرفة ما هي إيرادات الإدارة الذاتية وأين تكمن المشكلة لتأمين الإيرادات لغاية تغطية النفقات".
ومعظم إيرادات الإدارة الذاتية والغالبية الساحقة هي من إيرادات النفط وربما تواجه الإدارة مشكلات في تصريف النفط داخلياً وخارجياً إلّا أنّه لم يكن هناك تحوّل لافت في مسألة أسعار النفط أو تسويقه بالفترة الماضية ربما تكون بعض منشآت الاستخراج تضررت نتيجة القصف التركي ، والمصدر الثاني للإيرادات هي الضرائب والرسوم عن طريق نقاط التفتيش والعبور وما شابه والقدرة على التحصيل قد ضعفت لكن لا أتوقع هذا وإنّما أتوقّع أنّ المشكلة الأساسية متعلقة بمسألة النفط ومن جانب آخر ربما يكون هناك تضخّم ما في الإيرادات في جهة معينة أو ربما تكون هناك نفقات من سنوات سابقة لم يتم تغطيتها والآن تحاول الإدارة الذاتية تغطيتها، وبشكل عام ومبدئي احتمال أنّه توجد لدى الإدارة الذاتية مشاريع معينة ضخمة تحاول تمويلها حسب ما صرح به طالاس.
ويؤكد طالاس بأنه هناك فرق شاسع جداً بين الإيرادات والنفقات والمشكلة تكمن في أنّ الإدارة الذاتية عندها موازنة بمعنى أنّه توجد لديها أدوات سياسة مالية وأدوات سياسة نقدية والدول التي يكون لديها هكذا عجوزات ضخمة عادّةً تغطيها عن طريق إصدار نقدي ولكن في حالة الإدارة الذاتية ليس لديهم حلّ غير الاقتراض وهذا غير ممكن لها، أو زيادة إيراداتهم من النفط وما شابه ويرجّح هذا العجز المتوقّع بالطبع إلى أنّ الإدارة الذاتية على أمل أن يحدث تغيير ما في مسألة تصدير النفط أو ما شابه.
هل من حلول ناجعة؟
ويطرح الباحث طالاس بعض الحلول الممكنة لتتمكّن الإدارة الذاتية من تجاوز أو مواجهة العجز قائلاً "حقيقةً الوضع الاقتصادي الحالي في مناطق الإدارة الذاتية وفي سوريا بشكلٍ عام لا يحتمل مقترحات لزيادة الضريبة على الناس بل ربما كان من الممكن الحديث عن زيادة كفاءة التحصيل الضريبي و أعتقد أنّ هذا الموضوع يحتاج إلى تحسين الإدارة الضريبية وتدريب الكادر الضريبي، بالإضافة إلى مجموعة من الإجراءات التي من الممكن إنجازها خلال سنة واحدة، ومن الممكن أن يكون تحسين التحصيل الضريبي حلّاً وليس بالحلّ الناجع والحاسم خلال فترة قصيرة وتبقى مسألة إعادة النظر بطلب أسعار بيع النفط والكميّات المستخرجة لتصديره وما شابه من المسائل الضرورية وأيضاً يُمكن معالجة الموضوع من خلال قيام الإدارة الذاتية بمحاولة التخفيف من الفساد الإداري والموجود بدرجة كبيرة في عمليات الإنفاق في مديريات الإدارة الذاتية ومشاريعها بالإضافة إلى تحسين كفاءات الإدارة، وربما التخفيف من المشاريع والأنشطة غير المجدية التي تقوم بها الإدارة يساعد في مواجهة العجز والتخفيف منه وهكذا عجز يحتاج إلى معالجة غير طبيعية وإجراء غير متعارف عليه لأنّه ذا حجم كبير وضخم".
فلنفترض أنّ الأرقام التي طرحتها الإدارة الذاتية صحيحة رغم الشكوك الواردة حولها وخاصّة فيما يتعلق بالإيرادات ، إلا أنّه ومع ذلك لا تزال تعاني من العجز في ميزانيتها، إذاً من المفترض أن تعيد الإدارة الذاتية النظر في حساباتها وتضع الحلول الموائمة لإدارة النفقات والإيرادات، ولتحقيق نوع من التوازن والشفافية والمصداقية وفق خارطة الاحتياجات يتوجّب التحقق من صحّة الأرقام الموضوعة تلك وإعادة متابعة الموضوع من قبل فريق مختص.