الإعادة القسرية للاجئين السوريين ... حكم إعدام جماعي برعاية دولية
يتعرض اللاجئون السوريون في بعض البلدان المجاورة، وخصوصاً تركيا ولبنان، التي استقبلت أعدادا كبيرة منهم بعد اندلاع الثورة السورية، والعنف الأعمى المنفلت من عقاله الذي اتبعه النظام لإخماد الثورة، يتعرضون لحملات عنيفة ومنظمة بغاية ترحيلهم قسراً إلى سوريا التي لم يتغير شيء في تعامل النظام فيها مع المعارضين او المختلفين في الرأي، مع ما يعنيه ذلك من أخطار جسيمة وجدية على حياتهم وحياة أسرهم، ويجعلهم ينتقلون من "تحت الدلف إلى تحت المزراب" كما يقول المثل الشعبي السوري.
طبعا تتردد في الإعلام التركي أو اللبناني وحتى في إعلام النظام السوري عبارة "العودة الاختيارية" وهي مجرد عبارة لذر الرماد في العيون، فمن يريد العودة الطوعية ليس بحاجة إلى دعوة أو ضغط كي يعود.
لم تكن أحوال اللاجئين يوما جيدة في هاتين الدولتين، إذ عاش اللاجئون في لبنان تحديدا في ظروف لا إنسانية وخيم بائسة، وتحملوا كل المشاق وعنصرية بعض الفئات والقوى السياسية لينجوا بأنفسهم وعائلاتهم من المجزرة المستمرة بأشكال شتى، كما عانى اللاجئون السوريون في تركيا أيضا وإن بدرجة أقل من موجات عنصرية وتضييق على أعمالهم ومصادر رزقهم، كما تم استثمار الشباب في النزاعات العسكرية التي يؤججها نظام أردوغان الإخواني في ليبيا ونيجيريا وأذربيجان وغيرها، وإرسالهم كمرتزقة لا حقوق لهم ولا اعتراف بهم إن سقطوا قتلى في معارك السلطان أردوغان.
كما رصدت في الأردن حالات كثيرة من استغلال اللاجئين السوريين والمتاجرة بهم وابتزاز المنظمات الدولية الراعية لوجودهم والمتاجرة بالنساء والأطفال منهم.
فيما ظهرت الفروق الحضارية والمجتمعية والسياسية في استقبال الدول الأوربية، والغربية عموما، لموجات كبيرة من اللاجئين السوريين (ألمانيا خصوصاً)، إذ تم تامين عيش كريم لهم ومحاولات هادئة ومدروسة لتحقيق اندماجهم في مجتمعاتهم الجديدة بعد أن بدا الحل السياسي في سورية بعيد المنال بعد محاولات قوى إقليمية ودولية تعويم النظام وإعادة الشرعية له.
يتوزع اللاجئون السوريون الذين يقدر عددهم الإجمالي بحدود 6.5 مليون لاجئ على أكثر من ثلاثين دولة في العالم، لكن الكتلة الأكبر منهم توجد في تركيا حيث قدر عددهم بـ3.6 مليون لاجئ حسب المفوضية العامة للاجئين التابعة للأمم المتحدة، وفي لبنان تدعي السلطات اللبنانية وجود مليونين وثمانمائة ألف لاجئ سوري لديها وهو ما يعادل تقريبا عدد سكان لبنان فيما تقول المفوضية أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين لديها في لبنان يبلغ 840 ألف لاجئ.
ويعود سبب التفاوت الكبير بين الرقمين لسببين:
الأول رغبة السلطة اللبنانية في تضخيم حجم الملف لابتزاز المجتمع الدولي والمنظمات المانحة أولاً، ولتعبئة الرأي العام المحلي والدولي من أجل طردهم من لبنان بأسرع وقت ثانياً. أما السبب الثاني فهو وجود أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين الذين دخلوا لبنان بطرق غير شرعية نتيجة ظروف الحرب والخوف من ملاحقة السلطات السورية لهم أو توقيفهم فيما لو عبروا بشكل نظامي.
أما في الأردن فهناك حوالي 800 ألف لاجئ، والعراق حوالي 400 ألف موزعين بين إقليم كردستان حيث يقطن الجزء الأكبر ومنهم وباقي مناطق العراق.
وفي مصر قرابة 200 ألف لاجئ سوري.
ويتوزع الباقي بين دول أوربا الغربية حيث تحتل ألمانيا المرتبة الأولى بحوالي 700 ألف لاجئ، ثم السويد وبقية الدول الأوربية.
أما النازحين داخل البلد فتتقاطع الإحصاءات جميعها على وجود ما يقرب من سبعة ملايين نازح داخلي.
اقرأ أيضاً:
موجز تاريخ اللجوء
تعرِّف معاهدة اللاجئين المبرمة عام 1951 والمعتمد من المنظمات الدولية اللاجئ بأنه: "من خرج بسبب مخاوف حقيقية من اضطهاد بسبب عرقه ودينه وجنسيته وانتمائه إلى طائفة اجتماعية معينة أو ذات رأي سياسي، وتواجد خارج البلد الذي يحمل جنسيته، ويكون غير قادر أو بسبب هذه المخاوف غير راغب في الاعتماد على حماية دولته أو العودة لبلده بسبب المخاوف السابقة"، وهذا التعريف كمضمون على الأقل هو الذي تعتمده المنظمات الدولية والإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان.
اللجوء ليس ظاهرة جديدة في تاريخ البشرية، إذ يحفل هذا التاريخ بظواهر لجوء وهجرات كبرى لجأت إليها مجموعات بشرية نتيجة تمييز ديني أو عرقي، أو حروب واضطرابات سياسية، أو كوارث وغيرها، لذلك بدأت المجتمعات والدول والمنظمات المعنية بمحاولة وضع قوانين تنظم هذه الظاهرة ليصبح خارج الميول والأهواء والمزاجية منذ بدايات التاريخ.
يشير مصطلح (Asylos) في الحضارة اليونانية إلى مكان اللجوء الذي لا يخضع لسيطرة الدولة، بل يخضع لحكم الآلهة، ويأوي المجموعات البشرية التي تهرب من الظلم والمخاطر وتلوذ بالآلهة. وهو ما يقابل ظاهرة اللجوء في العصر الحديث.
وفي العهد الإسلامي والعهود التي سبقته كانت هناك قيم وعادات مثل عادة (الجوار) وهو أن تقوم القبيلة التي كانت تقوم مقام الدولة بحماية أي شخص هارب من قبيلته لسبب ما، ولا تقبل بتسليمه إليها حتى لو أدى الأمر أحيانا إلى إشعال حروب.
وفي العصور الحديثة زاد الاهتمام بموضوع اللاجئين وأنشئت منظمات وهيئات دولية ومحلية لحمايتهم وتنظيم حياتهم بعد موجات لجوء كبرى أعقبت الحربين العالميتين وعشرات الحروب الأهلية والمحلية والكوارث.
وهكذا أصبح استقبال اللاجئ من قبل "الدول المضيفة" واجبا تحتمه الاتفاقات الدولية وشرائع حقوق الإنسان التي وافقت عليها معظم الدول وأدخلته في دساتيرها، وليس فضلاً أو مقايضة بمواقف أو انتماءات معينة.
فعلي سبيل المثال تنص المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان على أن: لكل شخص الحق في طلب اللجوء والتمتع به في بلد/بلدان أخرى حتى لا يتعرض للاضطهاد في وطنه الأم.
إن هذه الحقوق والقوانين والمنظمات لم تأت من فراغ، بل جاءت بعد كفاح مرير وضحايا ومآسٍ وويلات دفعتها البشرية حتى وصلت إلى الشكل الذي هي عليه، وقد بذلت المنظمات الدولية والأمم المتحدة جهودا ومساعي نبيلة وخيرة حتى استطاعت جمع معظم دول العالم الأعضاء في المنظمة الدولية وتوقيعها على التشريعات الخاصة في هذا المجال، فأنشئت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR في عام 1950، بعيد الحرب العالمية الثانية، وقد أنشئت بشكل أساسي لمساعدة الملايين من شعوب أوروبا الذين اضطروا لترك أماكن سكناهم والنزوح إلى مناطق أخرى أو دول مجاورة.. وهي من كبرى المنظمات الإنسانية في العالم، وقد انحصر كل اهتمامها وجهودها في تأمين وتنظيم المساعدات الدولية للاجئين، وتأمين حق الحماية لهم، وتصدير خطابات الحماية لمنع الترحيل، ودمجهم في المجتمعات المضيفة، أو دعم عودتهم الاختيارية إلى أوطانهم.
ثم جاءت لاحقاً وبجهود من المفوضية والمجتمع الدولي اتفاقية جنيف لعام 1951 كأول اتفاقية دولية شاملة تناولت النواحي الجوهرية المتعلقة بحياة اللاجئ، وتعريفاته وحقوقه، مثل حق الإقامة والتعليم والرعاية الصحيّة. لكن تلك الاتفاقية لم تحمل طابعاً عالمياً حينذاك إذ انحصرت بتأمين اللاجئين نتيجة الحروب والأزمات التي عصفت بأوروبا حينذاك.
وقد وقعت على الاتفاقية 149 دولة من أعضاء الأمم المتحدة من أصل 192، فيما امتنعت 44 دولة عن التوقيع، وكانت معظمها من دول الشرق الأوسط وآسيا كالعراق ولبنان والأردن وسوريا ودول الخليج، رغم أن سوريا كانت من الدول التي شاركت في اللقاءات التشاورية لكن دستورها لا ينص على منع تسليم اللاجئين إلى البلاد التي نزحوا منها.
وما زالت المفوضية بعد سبعين عاما من تأسيسها مستمرة في تقديم كل أشكال المساعدات الممكنة للاجئين وحمايتهم بغض النظر عن انتمائهم وجنسياتهم.
وأقرت مبدأ عدم الإعادة القسرية للاجئ إلى بلده الأصلي كجزء من الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين.
صلة قربى بين الفاشية والدكتاتوريات العربية
لنتأمل في الموقف السلبي لمعظم الدول العربية تجاه الاتفاقات والتشريعات الخاصة باللاجئين وتجاه المنظمات والهيئات التي تنشط من أجلهم ونقارنها بمواقف كل من ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية اللتين عارضتا كل الجهود التي بذلك في هذا الإطار حتى سقوطهما وتحرير أوروبا من خطرهما.
أن التشابه الكبير بين موقف النظام العربي الواحد في غالبيته ومواقف النظامين النازي والفاشي يعود إلى استيلاء أنظمة فاشية عسكرية على الحكم بعيد الاستقلال في أكثر من بلد عربي ومتاجرتها بالشعارات الاشتراكية والقومية التي تحمل في داخلها النزوع ذاته، فيما قبعت دول عربية أخرى تحت نير حكم ملكي أو أميري فردي لا يعترف بدستور أو قوانين أو مؤسسات سوى ما يراه الملك الحاكم بأمره، وبالتالي فإن أي حديث عن حقوق الإنسان أو احترام إنسانية اللاجئ بعيدا عن الاستثمار السياسي تعتبره هذه الأنظمة بأشكالها كافة تهديداً لوجودها وتعامله بمنتهى القسوة والعنف، وترفض التوقيع على الاتفاقات الخاصة بذلك وتحظر التنظيمات والقوى التي تسعى لتثبيت هذه الحقوق والقوانين في دساتير غير موجودة في أكثرها وإن وجدت تبقى شكلية ويتم تضمينها مواد تؤكد على الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي أو وحيد أحيانا مما يغطي أيضا رفضها لكثير من قوانين حقوق الإنسان بحجة تناقضها مع الشريعة.
عن إعادة اللاجئين والموقف الأخلاقي
السؤال الذي يطرح نفسه على الدول التي تحاول إجبار اللاجئين على العودة: إلى أين سيعود هؤلاء الضحايا؟!
- بلد مدمر، معظم قراهم ومدنهم ما تزال خرائب لم يتم أي إعادة إعمار منظمة لها سوى في حالات جزئية ومحدودة.
- الخدمات في أسوأ حالاتها، لا كهرباء، لا محروقات، والاوضاع المعيشية تدهورت حتى وصلت إلى مرحلة المجاعة فعليا لا مجازا، فدخل الموظف الحكومي وسطيا لا يتجاوز 350000 ليرة سورية أي ما يعادل 22 دولارا فقط، فيما تكاليف معيشة أصغر أسرة يتجاوز عشرة ملايين ليرة (حوالي 700 دولار).
- ما زال نظام الخوف وكم الأفواه والتنكيل بالمختلفين والمعارضين مستمرا ويزداد صلفا وتجبرا بعد انفتاح بعض الدول العربية والإقليمية عليه، وما زال النظام يتهرب من استحقاقات الحل السياسي على أساس القرار 2254 وإقامة هيئة حكم انتقالي يمهد لانتخابات حرة وبناء مؤسسات ديمقراطية عادلة وتوحيد البلد وطرد القوى المحتلة منه.
وهذا وحده سبب كاف لأن نعتبر محاولة الإعادة القسرية لهؤلاء دفع لهم إلى التهلكة، لأنها ستكون بابا لمذابح جديدة وضحايا جدد في ظلمات الأقبية، وزيادة شبح المجاعة المحدقة بالناس في الداخل خصوصا بعد قرار رفع الدعم الشحيح أساساً، وبالتالي انفلات هائل في الأسعار، وانهيار اقتصادي محتم.
إن الترحيل القسري للاجئين في ظل كل هذه المعطيات المرعبة، هي جريمة كاملة الأركان ترتكبها تركيا برعاية روسية وإيرانية، والنظام اللبناني المرتهن لحزب الله، ولا تعني سوى حربا جديدة على المواطنين السوريين الذين عانوا الأمرّين وتشتت عائلاتهم في المنافي والمهاجر.
ما العمل إذاً مع تفاقم هذا الملف واحتمال تحوله إلى كارثة أكبر من كارثة الدكتاتورية والحرب التي مضى على اندلاعها أكثر من 13 عاماً؟!
إن الحل الوحيد المقبول والإنساني والمتناسب مع شرعة حقوق الإنسان والقانون الدولي هو البدء فوراً بمفاوضات مباشرة برعاية دولية (وليست رعاية إيرانية تركية روسية) يكون أساسها القرار 2254 الذي يمكن عبر تطبيقه الحقيقي والفاعل إنهاء المأساة السورية في الداخل والخارج وإعادة بناء وطن حر معافى وإن طال الزمن.
* تُنشر هذه المادة بالتعاون بين شبكة الصحفيين الكُرد السوريين (SKJN) ومجلة صور في برنامج تعاون ضمن مشروع "المرآة"، حول "حقوق الإنسان والحريات العامة".