عن انحراف الانحراف
على الرغم من إبداعاته منذ زمن بعيد، أي منذ زمن الإغريق واليونان، ما زال العقل الغربي مُصاباً بالاضطراب. وقد زاد هذا الاضطراب وتفاقم في العصر الحديث مع اكتشاف الآلة والتطور التكنولوجي.
وقد كان هذا العقل، في الأساس، معتدًا بنفسه، وهذه هي أسوأ نقاط ضعفه. لذلك كان، وما زال، يعبر عن نفسه، حين يضع يده على بعضٍ من الحقيقة، باضطرابٍ وتشوشٍ بدلاً من اعتماد البساطة والتواضع، كما كان الحال عند المشرقيين، سواء من حكماء أو صوفيين أو بوذيين على سبيل الذكر وليس الحصر.
ونرى ذلك الاضطراب والتشوش بشيءٍ من الوضوح في أدبيات التحليل النفسي التي تتحدث عن الرغبة الجنسية والانحرافات والعلاقات الأولية، وكأنَّ هناك جنسًا سويًا ورغبة جنسية سوية في مقابل جنس ورغبة جنسية غير سوية، أي انحراف.
سابقاً، قبل عقودٍ قليلة، كان يُنظر إلى العلاقات المثلية أو السحاقية على انها انحراف،
الآن يتم تشجيعها ودعمها، وربَّما لاحقاً سيصبح الجنس بين المرأة والرجل هو الانحراف المنبوذ..
وكان يُنظر، على سبيل المثال، إلى غير المتزوجين، من قبل المحللين الأوائل على أنهم مرضى وأنَّ هنالك أسباباً لاواعيةً تدفعهم لاتخاذ هذا القرار "المنحرف".
اقرأ أيضاً:
على الرغم من الفتوحات الآسرة التي جاء بها التحليل النفسي، في سياقه الغربي، وعلى الرغم من أهميتها إلا أنها نفسها لم تخلُ من الاضطراب والتشوش مع أنها فتحتْ أخيراً باباً للروح لتتحدث من خلاله بعد قمع طويل جدا طالها في هذا الغرب الذي ينظر إلى نفسه على أنه المركز، لكنها لم تستطع الوصول بعد إلى البساطة والبراءة الضروريين لتحرير الفرد من القيد والقسر.
فإذا نظرنا إلى الجنس، من خلال عدسة هدف الإنسان الأسمى، هذا الهدف الذي يتشاركه مع كل الكائنات، يمكننا القول إنَّ الجنس بحد ذاته، بغض النظر عن الشريك، هو انحراف وهدر للطاقة لا يخدم هدفه،
فهل مشكلة الإنسان هي حاجاته ومنها الجنسية أمْ انحرافه عن هدفه الأسمى؟