بيلا بارتوك النزعة الوطنية والتحررية في الموسيقا
يعتبر بيلا بارتوك Bela Viktor Janos Bartók من أهم المؤلفين الموسيقيين في القرن العشرين، ورغم إبداعه الموسيقي كمؤلف، فإن ما ميزه كان شغفه وعشقه للموسيقا الشعبية المجرية وموسيقا الشعوب على نحو عام، إضافةً لرفضه الظلم والاضطهاد والفاشية.
بداياته
ولد بارتوك عام ۱۸۸۱ في بلدة صغيرة في مملكة المجر من عائلة بسيطة. ومنذ الرابعة كان قادراً على أداء ٤٠ قطعة على البيانو عن طريق والدته باولا الألمانية الأصل.
وبعد وفاة والده المفاجئة، قررت والدته تلقينه البيانو بشكل احترافي منذ أن كان في الثامنة من العمر. استمر بارتوك في تعلمه آلة البيانو، إلى أن التحق بكونسير فاتوار بودابست أواخر القرن التاسع عشر، فكانت المرحلة الحاسمة في حياته، بتعرفه على : زلاتان كوداي، حيث أعجب بأبحاثه وكتاباته عن الموسيقى الشعبية في المجر، ليبدأ معاً و في بحث دؤوب عن الروح الثقافية المجرية الـ تلك المتجسدة في الأغاني الريفية الفلاحي المجر ورقصاتهم، فكانت لأبحاثهما معا الدور الأهم لرفع النقاب عن الهوية الثقافية المجرية، وأيضاً إحياء للنزعة التحررية التي بدأت تسود المجر ذلك الوقت.
أما بالنسبة لبارتوك، فكان ذلك بمثابة الشغف التأليفي الذي كان يفتقده قبلا، فأضحى كمن وجد طريقه ومنهجه لحياته الموسيقية القادمة إلى أن عين كأستاذ للبيانو في بودابست عام ١٩٠٧
اقرأ أيضاً:
أعماله المنبثقة عن الروح الثقافية المجرية
رغم براعته في العزف والتأليف للبيانو كتب الكثير من السوناتا والكونشيرتو إلا أن بصمته الحقيقية في الموسيقا تمثلت بسعيه المتواصل لتقديم الموسيقا الشعبية في المجر، فكانت أغانيه المجرية عام ١٩٠٨، وأغانيه الريفية عام ١٩١٧، إضافة للرقصات التي قدمها للأوركسترا عام ١٩٢٣.
بعدها، قدم أحد أهم أعماله، مسرحية قصر الدوق ذي اللحية الزرقاء عام ۱۹۱۱، حيث يجمع الكثيرون بأن جولييت كانت بمثابة التراجيديا التي كانت تعايشها المجر ذلك الوقت. أما عمله القومي الأهم فهو Cantana Profana المقتبس عن أسطورة مجرية. هذا عدا أبحاثه الموسيقية عن الموسيقا الشعبية في المجر، والمدفوعة بعشقه لهويته المجرية ولغته الأم.
إضافة لذلك، فقد زار كثيرا من البلدان في أوروبا الشرقية، كما زار تركيا والجزائر أيضاً وكتب العديد من الأبحاث عن الموسيقا الشعبية حتى في تلك البلدان.
رفضه الظلم والفاشية ورحيله عن وطنه
مع انبثاق الروح الوطنية في المجر، وزيادة الأصوات المنادية بالتحرر من الهيمنة النمساوية، وجد بارتوك نفسه مدافعاً عن القيم التحررية والوطنية وعن اللغة المجرية وثقافتها الموسيقية. إلا أنه وبعد دخول المجر تحت الحكم النازي عام ١٩٣٣ فقد انضم للأصوات المعارضة للفاشية رافضاً تقديم موسيقاه في ألمانيا والنمسا وإيطاليا.
وبعد فترة من الاعتكاف في منزله، ومع وفاة والدته عام ١٩٣٩، اضطر و الرحيل المنفاه في أمريكا مكرهاً تاركاً وطنه الذي طالما أحبه وعمل لأجله، ليستقر في نيويورك.
وخلال إقامته في أمريكا، أكمل دراسته عن الموسيقا الشعبية، وحاز على الدكتوراه الفخرية من جامعة كولومبيا، حيث أكمل مزيدا من المؤلفات على البيانو مع عدد من الكونشيرو وأوركيستراتين لم تكتملا حيث وافته المنية عام ١٩٤٥ في السادس والعشرين من أيلول، ليكمل عمليه الأخيرين من مخطوطاته عن طريق تلميذه سيرلي. دفن بارتوك في نيويورك إلى أن نقل جثمانه إلى بودابست عام ۱۹۸۸ .