فيلم المحارب السلمي : حين تعلمنا السينما
لطالما تأثرت التجمعات الإنسانية سلباً أو إيجاباً بما يحدث من حولها من أحداث سياسية أو اقتصادية، أو بحركة الفكر والأدب والفن. لذا تُعتبر السينما إحدى الأدوات التي تؤثر في هذه المجتمعات؛ إذ إنها تطرح مختلف القضايا التي تهم الإنسان، وتحاول أن تقارب حقيقة الواقع المعيش. وهي وسيلة فعّالة في عملية التفاعل والتغيير، لأنها تُصوّر الفعل الإنساني في صيرورة التاريخ وحقيقة الإنسان نفسه، وتخلق وعياً وثقافة معينة لديه.
فيلم المحارب السلمي (The Peaceful Warrior) المأخوذ عن كتاب درب المحارب السلمي، هو قصة حقيقية لشخص أمريكي يُدعى دان ميليمان، الذي كان لاعب جمباز في الفريق الوطني الأميركي. الفيلم يؤكد أن أي عملية تغيير في المجتمع يجب أن تبدأ بالفرد نفسه، ويتناول مفهوم التغيير من منظور لاعنفي، بعيداً عن الطرق التقليدية التي تتناول هذا الموضوع.
يتعرض بطل الفيلم لحادث يحول دون تحقيقه للألقاب الرياضية، ليقع تحت تأثير صدمة كبيرة نتيجة الإعاقة. يظهر في حياته رجل عجوز يدله على طرق أخرى للحياة تختلف عن تلك التي اعتادها.
يطرح الفيلم سؤالاً محورياً: "كيف تكون محارباً سلمياً ولا عنفياً في الحياة؟". اللاعنف ليس مجرد معرفة نظرية يمتلكها الإنسان، بل هو أسلوب حياة وممارسة وفعل. وهنا يكمن الفرق بين المعرفة والحكمة؛ فالحكمة ليست معرفة الأشياء فقط، بل القيام بها. ويعني اللاعنف إدراك الإنسان لأناه الشخصية؛ فالأنا هي مصدر كل الصراعات غير المنتهية لديه، وهي التي تحجب ذات الإنسان الحقيقية عن الواقع. إذ تبقى الأنا إما أسيرة الذكريات أو تعيش في أحلام المستقبل غير الموجودة أصلاً. لذلك، يجب على الإنسان التخلص من "الزوائد" الموجودة في عقله، أي الأفكار العشوائية، والتخلص من كل ما هو غير مرتبط بالحاضر، حتى يبدأ بإدراك حقيقة أنه لا يعرف شيئاً.
اقرأ أيضاً:
يعاني الإنسان إذا لم يحصل على ما يريد، لكنه سيعاني أيضاً حتى إذا حصل على ما يريده؛ لأنه لن يستطيع أن يمتلكه إلى الأبد. لذلك، عليه أن يتنازل عن الشيء الوحيد الذي لن يملكه أبداً، وهو التحكم، وأن يتقبل أنه لا يستطيع التحكم بمسار حياته، وبالتالي يقبل بما سيحدث له.
ولكي تكون محارباً حقيقياً، عليك أن تتوقف عن جمع المعلومات من خارج نفسك وتبدأ بالبحث عنها في داخلك، لأنه المكان الوحيد الذي ستجد فيه أجوبتك الخاصة. البشر عادةً يخافون مما في داخلهم لأنهم، ولسبب ما، يعلمون أن ما في داخلهم قد يكون شيئاً فارغاً، فيحاولون ملأه بكل شيء كي يشعروا بقيمتهم. عند متابعتك لفيلم المحارب السلمي، تكتشف أن بالإمكان التخلص من الزوائد وأن تكون في الهنا والآن، وستندهش مما يمكنك إنجازه.
عليك أن تتأمل كل حركة تقوم بها، وأن تتخلص من غرورك، ومن عدم سيطرتك على انفعالاتك، ومن اعتقادك بمعرفة كل شيء، وكذلك من إدمانك على أمور مثل الحديث المتواصل وعدم الإصغاء، ومن جميع العادات اليومية السيئة. المشكلة تكمن في الاعتياد على القيام بأشياء معينة دون وعي. كل شيء له جانب سلبي وإيجابي، والمحارب الحقيقي هو الذي يدرك ذلك ويكون مسؤولاً عن تصرفاته وقراراته وخياراته.
لا توجد لدى المحارب السلمي لحظة تُسمى لحظة عادية؛ فهو يؤمن بأن لا شيء يبقى على حاله، ولا يتخلى عما يحب، بل يجد الحب في ما يفعله. كما أنه دائماً يفعل ولا ينفعل؛ فلا توجد لديه بداية أو نهاية للفعل، بل العمل فقط. ويؤمن المحارب السلمي بأن الناس الذين يصعب علينا محبتهم هم غالباً الأشخاص الذين يحتاجون إلى الحب أكثر من غيرهم.
تحكم حياة المحارب السلمي ثلاثة قوانين فقط، وهي: التناقض، والمرح، والتغيير. فالتناقض يعني أن الحياة غامضة وعصية على الفهم، فلا تهدر وقتك في محاولة معرفتها، بل عشها كما هي. أما المرح فيعني الاحتفاظ بحس الدعابة لديك، لأنها وسيلة فعالة دائماً. أما التغيير، فيعني إدراك أن لا شيء يبقى على حاله، وأن هناك دائماً شيئاً جديداً.
وأخيراً، يؤمن المحارب السلمي بأن السعادة تكمن في رحلة الحياة، وليس في الوجهة التي نقصدها.