info@suwar-magazine.org

معركة الإعلام السوري: تطلّع نحو الحرية والخروج من عباءة السلطة

معركة الإعلام السوري: تطلّع نحو الحرية والخروج من عباءة السلطة
Whatsapp
Facebook Share

 

سخّر النظام السوري، بقيادة عائلة الأسد، خلال سنوات حكمه المديدة، الإعلامَ السوري لخدمة بقائه واستمراره، إذ تم احتكار كافة وسائل الإعلام على الساحة السورية، من صحف وإذاعات وقنوات تلفزيونية، حكوميةً كانت أم خاصة، ما أدى إلى نشوء صحافة بعيدة عن القيم والمعايير المهنية والأخلاقية. كما انسحب الأمر على النقابات الصحافية في سوريا، والتي يُفترض بها أن تعمل على توسيع هوامش الحريات الإعلامية، لكنها كانت سيفاً مسلطاً على رقاب الصحفيين السوريين.

 

البيئة والتحديات


في هذه البيئة التي فرضها حكم نظام الأسد على الإعلام، ومع بدء الاحتجاجات، خرج عدد من الصحفيين لتغطية ما يحدث، رغم المخاطر الأمنية الجسيمة التي كانت تستهدف الصحفيين والإعلاميين، حيث تعرّض المئات من الصحفيين والصحفيات لانتهاكات متكررة خلال سنوات الحرب، شاركت فيها جميع أطراف النزاع. وقد بلغ عدد الانتهاكات المسجلة بحق الإعلام والعاملين في المجال الإعلامي 1992 انتهاكاً، وثُبّت منها 1670 انتهاكاً، بمعدل انتهاك واحد كل ثلاثة أيام، وذلك وفقاً لتقرير صادر عن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، شمل الفترة الممتدة من آذار/مارس 2011 حتى نهاية عام 2020.

 

ما كان يحدث بحق الصحفيين والإعلاميين والنشطاء كان كفيلاً بدفع معظم العاملين في المؤسسات الإعلامية داخل سوريا إلى تجنّب الخوض في الملفات الحساسة المرتبطة بالفساد والقتل والدمار، التي كانت تقودها الجهات الأمنية السورية وبعض قطاعات الجيش ضد المدنيين، ما حوّل الإعلام السوري، الحكومي منه بشكل خاص، إلى آلة دعائية للسلطة، أفقدته كل القيم الإعلامية.

وفي المقلب الآخر، لم يتمكن الإعلام السوري المعارض من خلق حالة إعلامية معتبرة، رغم الإمكانات والدعم المادي الذي حصل عليه من المنظمات الدولية، فبقي في إطار الإعلام الخبري، بعيداً عن قضايا المجتمع السوري، حتى إن الكثير من السوريين لا يعرفون أسماء تلك المؤسسات الإعلامية.

 

اقرأ أيضاً:

 

                        الصحافة الكردية وتحديات الصحفيين الشباب

 

 

مع سقوط النظام السوري، سقطت كل المؤسسات الإعلامية الحكومية، ولم تتمكن الحكومة الانتقالية من إعادة تشغيلها، باستثناء القناة الإخبارية ووكالة سانا، التي ما تزال تتخبط في خطابها الإعلامي، ولا تملك هوية واضحة سوى هوية السلطة، إلى جانب افتقارها للخبرات والمعايير المهنية.

كما أن الفوضى العارمة في الحالة السورية الراهنة، وفقدان الثقة التام بالصحافة والإعلام من قبل الجمهور السوري، يضعنا في موقف الحياد بسبب غياب الاستقرار. وبالتالي، فإن البناء الجديد لقطاع الإعلام سيواجه تحديات عدة، أبرزها غياب الحل السياسي السوري الموحد حتى الآن، مما يؤثر بشكل مباشر على جميع الصعد، ويضع الإعلام في خانة عدم القدرة على التحرك بحرية ومسؤولية. ناهيك عن بيئة العمل الإعلامي المتردية التي تشكل أرضية خصبة للفشل، بالإضافة إلى افتقار العديد من المؤسسات الإعلامية إلى الدعم المالي، مما يضعف ويحد من العمل المؤسساتي، إلى جانب غياب الكوادر الإعلامية ذات القدرات العالية والاحترافية اللازمة لمواجهة مجمل التحديات الحالية.

 

هل الخطابات ضامنة لبناء صحافة حرة؟

بحسب التصريحات والخطابات الصادرة عن الإدارة الانتقالية في دمشق، والتي يصفها بعض مؤيديها بالديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، فإن الواقع يدحض هذا الزعم، خاصةً أن ما حدث ويحدث من انتهاكات ومجازر في الساحل بقي دون تغطية، ولا يزال الغموض يلف هذه المجازر. وعلى ما يبدو، لا نزال في سياق وإطار بعيدين عن حرية الصحافة والعمل الإعلامي، ولم يتمكن الإعلام بعد من خلق مساحات حرة يتمكن من خلالها نقل الواقع السوري بحيادية، بعيداً عن توجهات السلطة الانتقالية المتهمة بتورطها في هذه الانتهاكات.

 

توافد مئات الصحفيات والصحفيين إلى دمشق لنقل التطورات المتسارعة في سوريا، والتي راهن عليها السوريون والسوريات على مدار عقود، بات السؤال المطروح حالياً: بعد الخطر والاضطراب الذي عاشته الصحفيات والصحفيون في ممارسة عملهم، هل سيعود بهم الزمن إلى واقع أكثر خطورة وطريق أشد وعورة من قبل، كما كان يفعل النظام السابق؟ هل نحن فعلاً في خضم حقبة من التصحر والمحظور الإعلامي؟

 

يطمح الإعلام السوري، بعد سقوط بشار الأسد، إلى ضمان الأمن والحماية التامة، وتقديم التسهيلات اللازمة لممارسة المهنة بشكل مهني بحت، رغم بيئة العمل غير المنضبطة التي تحمل انعكاسات سلبية من زمن النظام السابق وسيطرته على الإعلام، مما أفقده شرعيته وثقة الجمهور به.

 

الدور المنتظر للإعلام


في ظل السياقات المختلفة التي نمر بها الآن، لا بد من بناء إعلام مهني يستند إلى المعايير المهنية والأخلاقية، وذلك من خلال ما يلي:

  • تشكيل هيئة خاصة بالإعلام لتنظيم العمل الإعلامي في سوريا، تكون مستقلة عن الحكومة، وتعمل على قوننة الإعلام.
  • إعادة هيكلة المؤسسات الإعلامية التابعة للدولة وتخليصها من هيمنة الحكومات، لتصبح معبرة عن مصالح المجتمع السوري بكل مكوناته.
  • تأهيل وتدريب كادر إعلامي بمعايير مهنية وأخلاقية، بعيداً عن خطاب الكراهية، على كافة المستويات ضمن المؤسسات الإعلامية السورية كافة.
  • سن قوانين تُحاسب وتُعاقب الخطاب الإعلامي الذي يبث التضليل والتزييف الصادر من أي مؤسسة إعلامية.
  • تقديم تسهيلات للعمل الإعلامي بالتوازي مع الحفاظ على القيم والمعايير المطلوبة، عبر تقديم الدعم اللازم للإعلام المستقل والصحفيين والصحفيات المستقلين، الذين لا يزالون خارج إطار العمل المؤسساتي، وغالباً ما يتم إقصاؤهم.

 

 

دائماً ما يُنظر إلى الإعلام على أنه الأداة الأساسية لتطور المجتمعات عبر رسائله وخطابه الرقابي، استناداً إلى الوعي وتبادل الأفكار التي تخلق بدورها مجتمعات صحية. الأمر الذي يحتم على المسار الإعلامي أن يعبر بسوريا الجديدة نحو عالم حقيقي يتمتع بالحرية والديمقراطية والحل السياسي الشامل، بعيداً عن كافة أشكال الانتهاك، بما فيها التطرف العنيف. ولكن هذا لا يمكن تحقيقه وإنجازه إلا بوجود قانون إعلام يضمن الحرية والاستقلالية للعمل الإعلامي، ويكون منطلقاً لطرحه المواضيع التي تهم الفرد والمجتمع والحكومة في ذات الوقت، وناظماً لها.

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard