info@suwar-magazine.org

العتم يخيّم على سوريا... واقتصاد النور يكلّف 12 ألف ليرةٍ شهرياً

العتم يخيّم على سوريا... واقتصاد النور يكلّف 12 ألف ليرةٍ شهرياً
Whatsapp
Facebook Share

النفايات والدواليب تنوِّر المحافظات المظلمة وتُظهر ابتكارات السوريين

أنظمةٌ سياسيّةٌ تقايض المصالح بالكهرباء... والسوريون يضرسون

 

"سوريا دخلت عصر الظلام"، هذه خلاصة الدراسة التي أجرتها نحو 130 منظمةً إنسانيةً وحقوقيةً حول واقع الكهرباء في سوريا، بعد أن وصلت نسبة العتم فيها إلى 83% منذ العام 2011.

الإحصائية، التي أذهلت العديد من المتابعين، لم تكن مفاجئةً للسوريين، فهم لا يحتاجون إلى تقارير تؤكّد لهم الواقع الذي يعيشونه على الأضواء الخافتة التي تولّدها الشموع والأمبيرات والمولدات الكهربائية في أفضل الأحوال.

وأثبت كثيرون منهم قدرةً أكبر من جميع الحكومات التي تسيطر على سوريا لجهة توليد الكهرباء، فقد استفادوا من النفايات لتوليد الطاقة، ومن الدرّاجات وغيرها، بعد يأسٍ من الوعود بتحسين واقع الكهرباء.

فحكومة وائل الحلقي تحاول بلا فائدةٍ إعادة النور، والمعارضة لا تحرّك ساكناً لدرجة أنه لا توجد حقيبةٌ لوزارة الكهرباء في الحكومة المؤقتة. ليبقى الضوء مرهوناً بالصراعات بين الأطراف المتنازعة، في امتهانٍ لكرامة المواطن السوريّ وحقّه في الضوء، في سابقةٍ لم تمرّ عليه حتى في ظلّ الاحتلال الفرنسيّ. فقد كشفت مواقع تاريخيةٌ عن منشورٍ في جريدة العلم السورية، يعود إلى العام 1952، تُعْلِم فيه مؤسّسة كهرباء دمشق المواطنين بأنها ستقطع التيار ساعتين عن بعض المناطق في المدينة.

"السرقة" أمّ الحلول:

يتحايل السوريون لتأمين الكهرباء بطرقٍ مشروعةٍ وأخرى غير مشروعة، بعد يأسهم من حكوماتٍ عجزت خلال 4 أعوامٍ عن حلّ مشكلة الكهرباء، وتركتهم ضحية الصراعات العسكرية والسياسية.

وأبرز الوسائل غير المشروعة لتأمين الكهرباء هي سرقتها. ففي كلّ شهرٍ تعلن وزارة الكهرباء في حكومة وائل الحلقي عن تنظيم مئات الضبوط للسرقات الكهربائية، ولكن دون جدوى، فأغلب هذه السرقات تنتشر في المحافظات الخارجة عن السيطرة، ما يؤدّي إلى احتراق المحوّلات والكابلات نتيجة الأحمال الزائدة، بالإضافة إلى فصل قواطع مراكز التحويل، وحدوث أعطالٍ متعدّدةٍ، وانقطاع الكهرباء لمرّاتٍ متتالية خارج فترات التقنين. ومن مظاهر السرقات التلاعب بالعدّادات الكهربائية، ومدّ أسلاكٍ من شبكات الكهرباء إلى المنزل بشكلٍ مباشرٍ، وخاصّةً في الأبنية الحديثة التي لا تزال على الهيكل.

وعلمت مجلة "صوَر" أن وزارة الكهرباء نظّمت 644 ضبطاً لسرقة الكهرباء خلال عام 2014، و251 ضبطاً منذ بداية عام 2015، وحوّلت 800 عدادٍ ميكانيكيٍّ في المحلات التجارية إلى إلكترونيٍّ منذ بداية العام.

بدائل بكلفة 12 ألف شهرياً:

وتبدو الأساليب المشروعة لتوليد الكهرباء أكثر كلفةً، بدءاً من الشموع إلى الأمبيرات فالمولدات وليس نهايةً بتوليد الكهرباء عن طريق الدرّاجات والنفايات.

وتنتشر الابتكارات التي تعيد السوريون إلى عصر البدائية في المحافظات المحتدمة أمنياً مثل حلب وإدلب. فالدراسة التي أجرتها 130 منظمةً حول العالم حول واقع الكهرباء في سوريا تشير إلى أن حلب هي المنطقة الأكثر تضرّراً من انقطاع الكهرباء تليها الرقة، فيما يأتي الانقطاع الأقلّ في دمشق والقنيطرة.

وتنتشر في حلب الليدّات العاملة على البطارية والأمبيرات في حال توافرها. ويكلف الأمبير نحو 500 ليرةٍ أسبوعياً، وهي تعمل على الفيول لأنه أرخص من المازوت الأخضر. وتكلّف التدفئة بالمازوت والحطب نحو 6 آلاف ليرة.

وفي محافظة درعا تأتي الكهرباء ساعةً لتنقطع 6 ساعات، وأحياناً تنقطع لأسابيع كاملة. وأفادنا أحد أبناء المحافظة أن سكان درعا يولّدون الضوء البديل من خلال بطاريات الموتورات والمساطر الضوئية التي تنتج أضواءً خافتة. وهذه البدائل غالية الثمن، وتصل تكلفتها إلى نحو 10 آلافٍ بشكلٍ وسطيٍّ، بحسب سعة البطارية.

ويستخدم سكان درعا الليدّات غالباً لأغراض الإنارة، كما يستعينون بالحطب للتدفئة، رغم أنه تسبّب بحالات اختناقٍ للكثير من العائلات.

ويؤكّد المحلل الاقتصاديّ سمير الطويل: "أن الحدّ الأدنى لتكلفة توليد الكهرباء لعائلةٍ متوسّطة الدخل هو 12 ألف ليرةٍ شهرياً، في حال لم تتجاوز فترة توليد الكهرباء 4 ساعاتٍ يومياً".

بلا حمّام:

في كلّ مرّةٍ تنقطع فيها الكهرباء في العاصمة دمشق، يردّد السوريون كليشية وزير الكهرباء عماد خميس، التي تقول إن الاعتداءات على خطوط الغاز المولدة لمحطات التغذية الكهربائية أدّت إلى انقطاع التيار الكهربائيّ، بعد خروج 40 عنفةً من أصل 54 من الخدمة.

وتزداد حدّة التقنين الكهربائي في المناطق التي تستوعب العدد الأكبر من المهجّرين في ريف دمشق، فالمزيد من الأنوار المطفأة يعني المزيد من المهجّرين والمزيد من تدمير البنى التحتية وقطع التيار الكهربائيّ. مثل منطقة جرمانا، حيث أفادنا أحد القاطنين فيها أن مدّة الانقطاع كانت منتظمةً ولكنها ارتفعت من 3 إلى 5 ساعات، مقابل ساعةٍ واحدةٍ للإنارة، لافتاً إلى أن فترات التقنين الطويلة تجعل من الصعوبة تشغيل الشواحن لفترات طويلة، كما يصعب تأمين المحروقات بغرض تشغيل المولدات نظراً لعدم توافرها وغلائها.

وعن آثار الانقطاع الكهربائيّ قال: الحياة شبه معدومةٍ، فالبعض لا يستطيع تعبئة المياه، وآخرون لم يتحمّموا منذ فتراتٍ طويلة.

الرهائن مقابل "النور":

في كلّ محافظةٍ سوريةٍ تختلف أسباب انقطاع التيار الكهربائيّ، ويتحوّل النور إلى كعكةٍ تتقاسمها الأطراف السياسية، وتحرم الشارع منها.

وإن كانت وزارة الكهرباء في حكومة الحلقي لديها إجابةٌ مكرورةٌ حول انقطاع التيار، فإنه لا إجراء بل ولا مبرّر لدى الحكومة المؤقتة لانقطاع التيار الكهربائيّ، لدرجة أنه لا يوجد وزيرٌ للطاقة في هذه الحكومة بعد إقالة الياس وردة، ولا يوجد مسؤولٌ واحدٌ فيها يتدارك الخلل حالياً.

ولا يبدو مسؤولٌ واحدٌ في الحكومة المؤقتة مستعداً لتقديم أجوبةٍ عن الاستفسارات حول ما أنجزته هذه الحكومة لتحسين واقع التيار الكهربائيّ.

ويبدو النور هو السلاح الأقوى بيد الجماعات المسلحة للضغط على بعضها وعلى النظام السوريّ. فمرّةً نسمع أن الهيئة الإسلامية لإدارة المناطق المحرّرة في إدلب تطالب النظام بإطلاق سراح عائلةٍ مقابل تشغيل مولّدات ضخّ الماء والكهرباء للمدينة بعد قطعها سابقاً. ومرّةً أخرى نقرأ عن بيانٍ لما يسمّى لواء عمر، يهدّد فيه بقطع الكهرباء والماء عن القرى الموالية للنظام بريف حماة، ما لم يتمّ إطلاق سراح جميع المعتقلات.

وتتسبّب جبهة النصرة بقطع المياه والكهرباء عن أكثر من 500 ألف نسمةٍ معظمهم من النازحين، وتسهم في حملة الاعتداءات على محطات التوتر العالي التي تؤدّي إلى فترات تقنينٍ طويلة.

أما في مناطق داعش، فقد ألقى خبراءٌ اللوم على التنظيم في قطع الكهرباء عن محافظة الرقة التي يسيطر عليها.

خطّ التماس الأول:

ولا تقتصر معاناة انقطاع التيار الكهربائيّ على مواطنين ينتظرون النور بفارغ الصبر، بل تبدو المشكلة أكبر لدى العاملين في قطاع الكهرباء والمكلفين بإصلاح الأعطال، ممن هم على خطّ التماس الأوّل مع الخطر، وفي كلّ انقطاعٍ هناك تهديداتٌ بوفاة واحدٍ منهم. وتشير إحصائيات وزارة الكهرباء إلى ارتفاع عدد شهداء هذا القطاع إلى 170 عاملاً أثناء قيامهم بواجبهم.

كما أضرب عمال مديرية الكهرباء في قطّاع حلب القديمة بسبب إساءة بعض عناصر الفصائل المسلحة في المنطقة إليهم أثناء تأديتهم لعملهم.

أما الخسائر المادية لهذا القطاع فهي تصل، حسب وزارة الكهرباء، إلى ما يقارب 400 مليار ليرة. وتسبّبت الاعتداءات بانخفاض كميات الطاقة الكهربائية المولّدة بشكلٍ كبيرٍ، إذ وصلت إلى حدود 2000 ميغا واط، علماً أن حاجة سورية من الطاقة تبلغ حالياً نحو 6000 ميغا واط.

أزمةٌ طويلة:

وفي تعليقه على خطورة الانقطاعات الكهربائية وتبعاتها وبعض الحلول، يقول المحلل الاقتصاديّ دريد درغام، في دراسةٍ حصلت عليها مجلة "صوَر": إن محطات توليد الكهرباء تحولت إلى بنيةٍ هشةٍ أمام عمليات "الإرهاب". مبيناً أنه مع استمرار السياسات العلاجية وغياب السياسات الوقائية، فإن الأزمة لن تنتهي قريباً. وإن بنى الكهرباء الضخمة في ظلّ الحرب تفقد معيار وفورات الحجم وتتحوّل إلى عبءٍ حقيقيّ.

وأضاف: حسب آخر التصريحات الرسمية فإنه يتمّ يومياً صرف مبلغ 2.6 مليار ليرةٍ على قطّاع الكهرباء، من دون الأضرار التي يتعرّض لها بشكلٍ مستمرٍّ. وإن احتساب الأضرار المباشرة وغير المباشرة سيؤدّي إلى رفع الفاتورة المذكورة إلى أرقامٍ مخيفةٍ، ستصل إلى 4 مليار دولارٍ إذا ما حسبناها على سعر الدولار الحاليّ.

وأشار درغام إلى انتشار المولدات الصغيرة على جميع الأرصفة والمحالّ والأسطحة، وما يرافقها من ضوضاء وأجواء منفّرةٍ وهادرةٍ للمال والوقود، إضافةً إلى الاعتماد المتزايد على الشواحن والبطاريات والعدد الكهربائية المواكبة في كلّ المنازل والمحلات، وهذا يضيف إلى الفاتورة المذكورة أرقاماً غير طبيعيةٍ. مؤكداً أن التقنين اليوميّ في معظم المناطق بحدود 16 ساعة، قبل أن يصبح المعدل اليوميّ للكهرباء 4-6 ساعاتٍ فقط.

ورأى درغام أنه بعد أربع سنواتٍ من أزمةٍ لا تبدو نهايتها قريبة، بات من المهم إجراء مقارباتٍ مغايرةٍ تمهيداً للسنوات القادمة. مقترحاً التفكير في نقل محطات التوليد المهدّدة جدّياً إلى مناطق أكثر أماناً لضمان الحدّ الأدنى من عمليات التغذية المستقرّة بالوقود، واستقرار توليد الكهرباء بما يضمن أجواء عملٍ تشجّع رجال الأعمال على العودة إلى الإنتاج.

كما شدّد على ضرورة تشظية عملية التوليد والتوزيع والعودة إلى بنى توليدٍ أقلّ حجماً، والاستفادة من شبكة التوزيع الموجودة على مستوى كلّ مدينةٍ (ضيعةٍ أو حيٍّ) بما يضمن تحقيق وفرٍ هائلٍ في الإنفاق وتعطيل قدرات "الإرهاب" على المساس بمصير شرائح سكانيةٍ كبيرة. ورأى أنه باستخدام شبكة التوزيع الحالية يمكن توزيع مولّدةٍ لكلّ مجموعة أبنيةٍ أو في الحيّ، بحيث يكون التوليد كافياً لتخديم 25 منزلاً على الأقل، وبالتالي يمكن تخديم 1.5 مليون منزلٍ بتكلفةٍ سنويةٍ تقارب 3 مليار دولار فقط، تشمل تكلفة المولدات والوقود.

في العموم، وفي ظلّ عدم التحرّك الحكوميّ، وما يساق من صعوباتٍ لدى الحديث عن أيّ حلّ؛ لن يبقى أمام السوريين سوى الاعتماد على أنفسهم والقيام بجهودٍ فرديةٍ لإعادة الضوء.

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard