info@suwar-magazine.org

أزمة الضمير في الأدب الإسرائيليّ

أزمة الضمير في الأدب الإسرائيليّ
Whatsapp
Facebook Share

 

قراءةٌ في رواية "حنّة وميخائيل" للكاتب الإسرائيليّ آموس عوز

 

 أنجيل الشاعر

 

آموس عوز صحافيٌّ وكاتبٌ وروائيٌّ إسرائيليٌّ، وأستاذٌ في جامعة بئر السبع. ولد في القدس في 4 أيار/مايو 1939، باسم عاموس كلاوزنر. هجر أباه، وهو في الخامسة عشرة من عمره، بعد انتحار أمه بجرعةٍ زائدةٍ من الحبوب المضادّة للاكتئاب. وبدّل اسم عائلته من كلاوزنر الأوربيّ إلى عوز اليهوديّ. وتحوّل من قوميٍّ متشدّدٍ، كأبيه البيولوجيّ، إلى داعية سلام. (جريدة الحياة: النسخة الورقية –دولي- 1 تشرين الأول 2014). وقد اشتهر، منذ عام 1968، بدفاعه عن حقّ الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وحلّ النزاع بين الدولتين، فلسطين وإسرائيل، سِلماً. حاز على جائزة (جوته) للآداب، وهي الجائزة الثانية بعد جائزة نوبل.

 

أنا امرأةٌ متزوّجة، عمري ثلاثون ربيعاً، زوجي هو الدكتور ميخائيل غونتن... هكذا تبدأ روايته "حنة وميخائيل"، أو "ميخائلي"، سريعةً لاهثةً، تشبه إيقاع زمنها الحافل بأحداث الصراع بين الوجود واللاوجود، وجود إسرائيليّ يشكل اللاوجود الفلسطينيّ في أعماقه أزمةً تقلق الضمير، وتحشر الحياة بين الواقع والكوابيس. تدور أحداث الرواية بين عامي 1948 و1959، في القدس "الباردة والجافة" برودة الروح وجفافها، روح حنّة بطلة الرواية وراويتها. حنّة "المقدسيّة" من عائلةٍ يهوديةٍ شرقيةٍ، من يهود أوروبا الشرقية، (السفرديم)، تعرّفت الى ميخائيل غونتن مصادفةً حين التوت قدمها، وتزحلقت على درج الجامعة، فتلقّاها ميخائيل وساعدها على النهوض. دارت بينهما أحاديث التعارف، ثم تكرّرت لقاءاتهما وانتهت بالزواج. تعيش حنّة حياةً مركّبةً يلتبس فيها الواقع والحلم والذاكرة. هي تكره القدس كرهاً واضحاً وصريحاً، نتيجة تعامل يهود القدس الأصليين السيّئ مع يهود المستوطنات، وبالتحديد مع اليهود الشرقيين ذوي الميول الاشتراكية.

 

على غير عادة الكاتب في رواياته السابقة، غيّبَ العربَ في روايته هذه عن الحياة الواقعية، وجعل منهم أناساً يعيشون في عالمٍ موازٍ للعالم الحقيقيّ، هو عالم الأحلام والكوابيس التي تعيشها حنة، ممثلين بالتوأمين خليل وعزيز اللذين كانا جارين لحنة في طفولتها، وكانت تمارس عليهما كل أشكال العنف والتسلط أثناء اللعب، لكي تحثهما على التمرّد، وبعد ذلك تخضعهما بيدٍ من حديد (ص31). وإذ تميل الرواية إلى تصوير الحياة اليومية الرتيبة ليهودٍ شرقيين من الفئة الوسطى، فإن الفلسطينيين يقتحمون تفاصيل هذه الحياة، التي تمثلها قصة حنّة، كما روتها للكاتب.

 

ميخائيل شابٌّ خجولٌ. وحيدٌ لأبويه وعمّاته الأربع. أبوه موظفٌ بسيطٌ في بلدية ماكور باروخ. وأمه متوفاة. شابٌّ مثابرٌ على النجاح. أحب حنة بصدق تربيته، لكنها كانت دوماً تصفه بالضعيف وعديم الذكاء. هو عكس فتى أحلامها القويّ والقادر على حمايتها.

 

منذ توفي أبوها، وهي لا تزال طفلةً، كانت حنة تحلم برجلٍ قويٍّ يحميها ويمدّها بالقوة (الأقوياء أحرار ص30)، فراحت تعوّض عن ضعفها في الحياة الواقعية بأحلامٍ جامحةٍ وملحميةٍ تشعرها بالسيادة وبمتعة "الحرية". كثيراً ما تذهب بها الأحلام إلى موطنها الأصليّ (روسيا)، لأن حنة لم تحبّ القدس يوماً، كانت تكرهها وتراها باردةً إلى حدّ الموت، (ص27)، كما ورد في حوارها مع ميخائيل عند تعارفهما أوّل مرةٍ: في قدسك الطقس بارد؟..

 

قدسي؟ من أين لك أني مقدسية؟

 

القدس أوهامٌ وليست مدينة (ص56).

 

حنينها إلى موطنها الأصليّ، روسيا، جعل القدس مدينةً سرابيةً في نظرها، بل مدينة أمواتٍ وأشباح؛ "نباتات الزينة لا تعمّر في القدس" (ص58). تلك هي النزعة العميقة للهوية الوطنية، والفردانية المستقلة. رافق التوأمان حنة في أغلب أحلامها وأغلب أيام عمرها؛ يظهران بصورة ذئبين شرسين تارةً، وصورة مقاتلين يشهران البنادق والسكاكين في وجهها تارةً أخرى. هذا يدلّ على أن العرب يعيشون داخل الضمير اليهوديّ وفي عقله الباطن دوماً، وبصورة وحوشٍ ضاريةٍ قد تنهش لحمه.

بحث الكاتب بموضوعيةٍ مسألة التنوير اليهوديّ وانعكاسها على الكتّاب الإسرائيليين بوجهٍ عامٍّ، والأدب العبريّ بوجهٍ خاصٍّ. فرأى في معارضي التنوير ومؤيديه صورةً للصراع بين النور والظلام وانتصار الأوّل على الثاني، والصراع بين القوّة والضعف، وانتصار الأولى على الثاني. وأشار إلى اهتمام اليهود المباشر بالشهرة والعلم وإثبات الذات.

 

ظهرت المرأة في الرواية بوجهين متناقضين، من خلال حياة حنة المزدوجة: المرأة الضعيفة المستسلمة لمجريات الحياة التي ليس لها يدٌ فيها أو قدرةٌ على تغيير مساراتها، والمرأة المتمرّدة في دواخلها، فهي غير راضيةٍ عن ضعفها لدرجة أنها كانت مستصبيةً في طفولتها، وكانت تخطو نحو الاسترجال في شبابها. إلا أن ظروف الحياة الرديئة في المستوطنات جعلتها تشعر بالوحدة الدائمة، مثل تلك الشجرة الوحيدة وسط مساحةٍ واسعةٍ من أرضٍ جرداء، تلك الشجرة التي لم تكن تثير انتباه أحدٍ سوى حنة. لكن ثمة صورٌ أخرى للمرأة، إحداها صورة المرأة العاملة القوية والمكافحة، كالعمة الطبيبة (غيته) المتقيّدة بالعادات والتقاليد وبتعاليم الدين اليهوديّ. والتي تعلّق آمالاً كبيرة على مستقبل ميخائيل، مما دعاها إلى التدخل في حياته الزوجية.

 

تلفت النظر إشارةُ الكاتب الرشيقة إلى أثر الدين في حياة أفرادٍ لا يأبهون بالتعاليم الدينية ولا يمارسون طقوسها: (أرجو أن تكوّنا أنت وميخائيل بيتاً يهودياً مثالياّ؛ هكذا هنّأها أستاذ الأدب العبريّ في الجامعة) علماً بأن الزوجين، حنة وميخائيل، لا يأبهان بالتعاليم الدينية كغيرهما من اليهود. 

 

تجلى في الرواية بوضوحٍ اهتمام اليهود بالشهرة والعلم والثقافة، إذ لا يمرّ مقطعٌ من الرواية إلاّ ويستشهد فيه الكاتب بأحد المشاهير، كاتباً كان أم عالماً. كما عبّر الكاتب عن قوّة اليهود وبطشهم وحلمهم بالاستيلاء على القدس من خلال تمثال الأسد المنتصب في ساحة القدس الرئيسية، وغزل الشعب اليهوديّ به، وشعورهم بالاعتزاز حين يقفون أمامه، ويلقون عليه التحية. كما أشار الكاتب إلى رغبة اليهود العارمة في استنساخ الأبناء على هيئة الآباء والأجداد، فقد أراد والد ميخائيل أن يكون ابنه شخصيةً شبيهةً بشخصية جدّه. وعندما أخفق مع ولده اتجّه نحو حفيده (ابن ميخائيل) الذكيّ الذي تعلّم من جده خلال يومين النزعة العسكرية اليهودية المتمثلة في الدفاع عن إسرائيل ضد العرب. وهذا يدلّ على تشبّث اليهود بتاريخهم الدينيّ، وسيطرة السلطة الصغيرة، أي السلطة الأبوية التي تمهّد لسيطرة سلطةٍ أقوى ترسّخ في أذهان الأبناء واجب الدفاع عن وجود إسرائيل وحدودها التي لا تنتهي، وتحفّزهم على الانخراط في صفوف الجيش الإسرائيليّ (الدولة كلها جيش والشعب كله جبهة ص262)، (صحراء سيناء هي المهد التاريخيّ للأمة الاسرائيلية)، (... في هذه الأيام من الصعب جداً الابتعاد عن الأفكار التوراتية ص269). اقتلاع فلسطينيين من الأرض زرع الفلسطينيين في الضمير، فلن يهدأ للإسرائيليين بال. هذا ما يقوله ضمير حنّة المتأرجح بين روسيا وإسرائيل. حنة لا تنسى.

 

منشورات الجمل _ بيروت

ترجمة رفعت فوده _ 2013

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard