مجلة (صور) تجري لقاءً مع الكاتب والروائي نبيل الملحم
كل كلام عن دولة ديمقراطية – علمانية أو خلافة أو دولة طغيان بات برسم الماضي وحال المعارضة السورية ليس تعبيراً عن المستقبل هو الشكل الأحطّ تعبيراً عن الماضي
حوار: يوسف شيخو
حال سوريا اليوم يختزل بكلمتين: "الموت أمر لا يستحق الحزن". فسوريا ليست سوى واحدة من "مستوطنات اللعبة" الأوسع والأعم، اللعبة تمتد من آسيا الوسطى حتى شرق المتوسط، وإفريقيا ليست معفاة منها. الدولة المستقبلية كلمة شديدة التفاؤل، ستكون هناك كانتونات في سوريا، ولكن لن تكون هناك دولة. لا تفاؤل في سطوره هذه، وبالرغم من محاولة العثور على نقطة بيضاء في ظل الظلام الذي يخيم على الواقع السوري، يرد الكاتب والروائي نبيل الملحم، في حواره مع مجلة "صور" بالقول: لم أر...
بعد أكثر من أربع سنوات على بدء الاحتجاجات ضد النظام، كيف تصف حال البلاد؟
حال البلاد تختزله آخر رحلة بحرية لمهاجرين غرق مركبهم وعلى متنه 700 مهاجر في قناة صقلية بين إيطاليا وليبيا في البحر المتوسط، وقد تختزله حكاية بنت تعيش رعباً من ديمومة عذريتها بعد أن أوشك ذكور البلاد على الانقراض، يختزله البشر المتكوّمين بأسمالهم في الحدائق والأرصفة، وإن شئت ستختزله الانكفاءات القاتلة باتجاه المذهب والطائفة، والارتداد نحو أردأ أشكال العنف الديني وقد حجب طبيعة صراع في جوهره هو صراع السارق مع المسروق، والفاسد مع المال العام، والصوت الحرّ بمواجهة جلاوزة الديماغوجيا والعقائد المغلقة، التي تعتبر التنفس جريمة، والقلم إرهاباً، والرأي جرعة سمّ، وإذا شئت المزيد فإن حال البلاد قد يتظهّر في استمراء القتل والموت، واعتبار الغريب قاعدة مألوفة، حال البلاد يُختزل بكلمتين: "الموت أمر لا يستحق الحزن".
قيل الكثير عن أن القرار ليس في سوريا، وأن طرفي (أو أطراف) الصراع ليسوا سوى دمى.. من يملك القرار في هذه الحرب؟
من يملك مفتاح الحرب هو تحوّلات كاملة في هذا العصر، حيث لعبة الأمم والتنافس على تحويل الدولة الوطنية إلى شركة مساهمة، شركة نحن أطرافها، والصراع اليوم هو على المركز، وسوريا ليست سوى واحدة من مستوطنات اللعبة الأوسع والأعم، فاللعبة تمتد من آسيا الوسطى حتى شرق المتوسط، وإفريقيا ليست معفاة منها، وها هي التجربة الليبية تحكي الكثير، أقلّه في ذاك التصور الذي يعتبر الصحراء الليبية منصة للقفز على مصر لتفكيك بلد النيل وتقسيمها وتفتيتها وإخراجها من التاريخ، وأظن أن مالك اللعبة ليس الولايات المتحدة بوصفها الدولة، لا، بل بوصفها المركز الأم للشركة الكبرى، تلك الشركة التي لابد وأن تسطو لتسيطر على العالم وتحتكر المعرفة والقوّة والسلاح كما المصرف والاقتصاد، وشركة كهذه، لن تكون سوى بوكلائها، والوكلاء موزعين بين تنظيمات مسلّحة، ومؤسسات مجتمع مدني، ومنابر إعلامية، وصولاً إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وجهاز الهاتف الذي تحمل والذي يسجل نبضات قلبك، بالإضافة لمساحة واسعة من أنظمة هي ماركات مسجّلة تعمل لحساب المركز. اللعبة باتت واضحة كما أظن وبوسعنا الوقوف مع الكثير من الأمثلة، أمثلة قد تمتد إلى ما قبل القرن الواحد والعشرين سواء في أمريكا اللاتينية أو في افريقيا، أو في بلدان آسيوية شتى، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى اليوم أضرمت الولايات المتحدة الأمريكية 75 حرباً وتدخلاً عسكرياً أو تنفيذاً لانقلاب عسكري أو دعماً لانقلاب، واليوم بتنا مع تطور آخر، ولكنه ليس سوى استرسالاً في هذا التاريخ وإن كان تعبيره في تطور السلاح. اليوم نحن في زمن طائرات (الدرون)، التي ملأت فضاءات العراق وافغانستان وباكستان حيث قاعدة "أحذية قليلة على الأرض"، نحن اليوم في مرحلة الحرب منعدمة التكاليف على منتجيها، ومن يتأمل ما لحق بسوريا من دمار، لابد وأن يتأمل ما بعد الدمار، حيث شركات إعادة الاعمار، بزنس الخرسانة الذي سيتلو بزنس السلاح، يدير هذه الحرب من يستثمر فيها، اليوم بالسلاح وغداً بإعادة الإعمار، وفي كل وقت بتقليص عدد السكان، كل هؤلاء شركاء في إدارتها ، ووحدهم ضحاياها خارج مقاعد المدراء.
ماذا عن الشكل الأنسب للدولة المستقبلية برأيك؟
الدولة المستقبلية كلمة شديدة التفاؤل، لا اظن بأن ثمة دولة (مستقبلية)، ستكون الكانتونات التي تعلو على القبيلة وأقل شأنا من الدولة، كانتونات (المول)، تلك الكانتونات التي سيكون لها أعلاماً ترفرف، ومدراء بمرتبة رؤساء دول أو أمراء حرب، ولكن لن تكون دولة، مجموع هذه الكانتونات ستجد صيغة ما عبر مجلس إدارتها، والسؤال هو : من مدير مجلس الإدارة هذا؟ كلنا ينفي المؤامرة كفعل تاريخي، وكلنا يندّد بنظرية المؤامرة، وكلنا يعلم أنه ضحية المؤامرة، ومادام الأمر كذلك، بوسعنا القول أن أكبر مؤامرة واجهناها هي (نفي نظرية المؤامرة)، أما إذا ما توقفت أمام سؤالك :"ما هو الشكل الأنسب للدولة المستقبلية، فلابد لي من الإجابة عنه بسؤال: هل يعتمد ذلك على رغبتي أم على وقائع التاريخ؟ إذا ما اعتمد الرغبة، فرغبتي نفي الدولة برمتها بوصفها أداة قمع، وإعادة إحياء المشاعية البدائية مع تطور في القوى المنتجة، ولكن إذا ما اعتمدنا على وقائع ما يجري، فالعالم برمته يمشي اليوم باتجاه تفكيك الدولة القومية لحساب تجمعات السوق بدءاً من الاتحاد الأوروبي وصولاً إلى النمور الصفر، لا أظن أننا سنكون نموراً ولا أظن أن قطاراً واحداً سيجمعنا كما حال الأوروبيين، نحن زواريب في الشركة الكبرى، زواريب فقط، وكل كلام عن دولة ديمقراطية – علمانية، أو دولة خلافة، أو دولة طغيان، بات برسم الماضي وقد أكله الغول.
المعارضة باتت تشكل هماً اضافياً، متهمة بالضعف والفساد والعمالة و... هل من ظالم ومظلوم في هذه المعادلة.. كيف ترى واقع المعارضة السورية؟
لا أميل الى مصطلحات من نوع (العمالة)، لا، المعارضة مصابة بكساح تاريخي، هي من منتجات دولة الاستبداد وقد أخذت شكله وهذا واقع الحال، هي كذلك بضيق تعبيراتها وفسادها ونحبها وقياداتها، وأظن أن أمراً كهذا لا يجب أن يدهشنا، فالدولة بالمعنى الدستوري والسياسي هي سلطة ومعارضة، حين تكون الدولة هزيلة سيكون طرفيها هزيلان وهذا مانحن فيه، وإذا كان تعبير ظالم ومظلوم تعبيراً وارداً وممكناً فالمظلوم هو حركة التاريخ، مصير الناس، حلم الناس، ضحايا الصيغة، فالنخب تشتغل بزنس في طرفي المعادلة وليس ثمة مرحلة أنتجت أثرياء كما يمكن للحروب الأهلية أن تنتج، حدث ذلك في كل مستوطنات هذه الحروب ومن يطلع على التجربة اللبنانية وقد امتدت 15 عاماً من لعبة السلاح، يعرف كم أنتجت هذه الحرب من غيلان المال، وهذا حال سوريا اليوم وحال العراق وحتى حال افغانستان، فزرّاع الأفيون وتجار السلاح باتوا أباطرة مال، حال المعارضة السورية ليس تعبيراً عن المستقبل، هو الشكل الأحطّ تعبيراً عن الماضي.
لنفترض أن هناك حل سياسي في الأفق.. كيف سيكون حال المجتمع، حال السوريين الذين ينامون ويصحون على ترديد مفردات الكراهية والحقد والانتقام؟
لا .. البشر يتصالحون، الكراهية والحقد ليسا من طبيعتهم، الحرب الأهلية الاسبانية استمرت زهاء 3 سنوات، وهاهم الاسبان اليوم يعرفون كيف يتعايشون، ضحايا الحرب العالمية الثانية تجاوز 46 مليون قتيلا ومع ذلك ليس ثمة مشكلة اليوم ما بين الألماني والفرنسي، البشر سيتصالحون أقله حين يعرفون أن هذه الحرب ليست حربهم، كل ما في الأمر أنها مجرد استثمار لدمهم.
في ظل هذا الظلام الذي يخيم على واقع السوريين، في داخل البلاد وخارجها.. هل من نقاط بيضاء يمكن تسليط الضوء عليها؟
لا أعرف.. لم أر.. أرغب أن أراها.