info@suwar-magazine.org

المليحة.. 130 يوماً من الرعب والموت

المليحة.. 130 يوماً من الرعب والموت
Whatsapp
Facebook Share

 

"مدنٌ سوريّةٌ بينَ أنياب الحرب"

2

 

جورجيت حنا

 

منذُ بداية الحراك الشعبيّ في سوريا، شهدت مدينة المليحة -التي تقع إلى الجنوب الشرقيّ من العاصمة دمشق، وتمتدّ عبر بساتين غوطتها الشرقية- تغيّراً كاسحاً في موقف أهليها من النظام السوريّ الحاكم. إذ ما لبثت تلك المدينة الريفية الهادئة أن تحوّلت إلى مدينةٍ غاضبةٍ تزدحم بالمظاهرات والاعتصامات السلمية، كحال مثيلاتها من مدنِ الغوطة. لكن، ومع التطوّر السريع الذي شاب المشهد السوريّ عموماً، قام بعض شبانها المناوئين للسلطةِ بمهاجمة مخفر المدينة وبعض دوائر الدولة، إضافةً إلى إدارة الدفاع الجويّ -التي ستنطلق منها لاحقاً صواريخ الموت والتدمير- وكان ذلك بتاريخ 2011 /6 /11. وقد برّر سكانها هذا الفعل مستندينَ إلى ما قامت به أجهزة الأمن والجيش من قمعٍ عنيفٍ للمظاهرات والاعتصامات السلمية، والذي أودى بالكثيرين من سكان المدينة بينَ شهيدٍ ومعتقل، وهذا ما أكّده الشاب (ح، ر) لفريق عمل مجلتنا عندما قال:

".. بتاريخ 2011 /4 /2 اعتُقلَ أخي على يد السلطات الأمنية التي داهمت منزلنا الكائن في حيّ (العمادية). وبعدَ ما لا يزيد عن العشرين يوماً فقط وصلنا نبأ استشهاده ومجموعةٍ من شبّان المدينة في ذات المعتقل، ما استدعى الأهالي إلى التجمّع ومهاجمة المراكز الأمنية المحيطة بالمدينةِ وداخلها، إضافةً إلى مخفر الشرطة ودوائر البريد وإدارة الدفاع الجويّ على الحدود مع مدينة جرمانا..".

وتنامت الأزمة بين أهالي المدينة وقوّات النظام الذي سعى جاهداً إلى إخماد ثورتهم والنيل من تمرّدهم، قبلَ أن تتطوّر الأمور أكثر لتتحوّل إلى مواجهةٍ مسلحةٍ أودت بحياة الكثيرين من الطرفين.

 

 

بدء المواجهة المسلحة:

ما لبث الحراك المدنيّ، الذي اتّسم بالاعتصامات والمظاهرات والرفض، أن تحوّل إلى مجابهةٍ مسلحةٍ استقدم فيها المعارضون ما استطاعوا من أسلحةٍ خفيفةٍ وثقيلة لدحر قوّات النظام المنتشرة بكثافةٍ جنوب وأطراف المدينة، وذلك بهدف السيطرة على طريق المطار الذي يصل المليحة بعمق العاصمة دمشق، من جهةٍ، ولفتح طريقٍ آمنٍ أمام المعارضة المسلحة في الريف الدمشقيّ للتقدّم والاستيلاء على النقاط الجغرافية الإستراتيجية في العاصمة، من جهةٍ أخرى. وبعد أيامٍ فقط من المواجهات، شعر النظام بخطورة استيلاء المعارضة المسلحة على البلدة، سيّما بعد استيلاء فصيل (جبهة النصرة) على معبر (تاميكو) الإستراتيجيّ إثر تدميره بالكامل، ليقوم النظام بتعزيز خطّ دفاعه عن طريق استقدام مئات المقاتلين من جيشٍ ودفاعٍ وطنيٍّ. ومع تقدّم قوّات المعارضة وتكبيدها لقوّات النظام خسائرَ كبيرةً في الأرواح والعتاد، صبّت السلطة جامَ غضبها على مدنيّي المدينة، باستخدامها للبراميل المتفجرة بدايةً، التي لم تفرّق بين طفلٍ وكهلٍ، ولا بين مدنيٍّ وعسكريّ. ولن يكتفي النظام بهذا فقط، فأيّ تقدمٍ للمعارضة -مهما كان بسيطاً- سيقابله موت المئات من المدنيين بأساليب وطرقٍ خبرها الشعبُ السوريّ منذ اندلاعِ الحرب، من قصفٍ جويٍّ لطائراتِ الميغ المقاتلة، إلى قصفٍ أرضيٍّ، إذ سجّل ناشطون نزول آلافِ الصواريخ الصادرة عن راجماتِ الموتِ المحتشدة أمام إدارة الدفاع الجويّ التي تفصل الطريقَ الواصلَ بين المدينتين (جرمانا - المليحة). كما صبّت الدبابات والمدرّعات حمم نيرانها الثقيلة على شمال وأطراف البلدة، متسبّبةً في نزوح ما قاربَ الـ5000 عائلةٍ ممن نجوا من موتٍ محقّق.

 

 

وعلى الطرفِ الآخر من المشهد الدمويّ، قامت قوّات المعارضة باستهداف أرتالِ النظامِ وجيشه بصواريخَ محلية الصنع وقذائف الهاون التي –أيضاً- حصدت ما حصدته من أرواح المدنيين في مدنٍ وبلداتٍ مجاورة!..

وعن رحى الحربِ الدائرة أدلى (م، ح) -الرجل الذي شهد المعركةَ كاملةً- بشهادته لفريقِ عمل مجلة "صوَر":

".. ما أن بدأ مسلحو المعارضة بمهاجمة مراكز النظام الأمنية حتى بدأت البراميل المتفجّرة بالتساقط على رؤوسنا من كلّ حدبٍ وصوب.. ومع تقدّم المعارضة المسلحة، وخاصّةً مع استيلائها على معبر تاميكو، صبّ النظام جام غضبه ونيرانه على بيوتنا وأطفالنا. ولم أكن الوحيد الذي فقد نصف عائلته في هذه الحرب المجنونة..".

وعن سؤالنا عن كيفية تعامل فصائل المعارضة مع السكان قبلَ اندلاع الحرب يجيب (م، ح):

".. لا أستطيع القول إنهم تعرّضوا لنا بسوءٍ بشكلٍ مباشر. إلا أن بعض الفصائل المتشدّدة، كـ(جبهة النصرة)، ضيّقت علينا الخناق، فقد منعوا التدخين وألبسوا النساء –عنوةً- اللباس الشرعيّ الكامل، كما قاموا بإلغاء المحاكم المدنية لصالح محاكم شرعيةٍ مؤقتةٍ تقضي بالقطع والجلد وما إلى ذلك، الأمر الذي استنكره أهالي البلدة بشدّة. أما الضرر غير المباشر الذي سبّبوه فهو استخدامنا كدروعٍ بشريةٍ حيّةٍ في وجه ترسانة القتل التي يمتلكها النظام ..".

وأيضاً عن سؤالنا عن الكتائب المعارضة التي قاتلت في البلدة يقول (م، ح):

".. أكد لي أحد المصادر العسكرية وجود أكثر من عشرين تنظيماً مقاتلاً مع الثوّار على أرض المدينة، أهمّها جيش الإسلام وجبهة النصرة، إضافةً إلى فصائل عدّةٍ تتبع مباشرةً للجيش السوريّ الحرّ المعارض..".

ووسطَ كلّ هذا الدمار والموت كانَ لا بدّ من حلٍّ ولو مؤقتٍ لوقفِ استنزافِ الدم السوريّ على الأرض السورية، فتقدّمت ما تسمّى (لجان المصالحة الوطنية) -وهي لجانٌ مركزيةٌ تتبع بشكلٍ مباشرٍ لوزارة المصالحة الوطنية في الحكومة السورية- بمشروع مصالحةٍ نجح في خلق أكثر من هدنةٍ ما يلبث أن ينقضها طيران النظام أو قذائف المعارضة، لتستعرَ نارُ الحربِ من جديد.

 

 

اليومُ الثاني والأربعون بدايةُ النهاية:

وبعدَ كرٍّ وفرٍّ تمكّنت قوّات النظام -وتحديداً في اليومِ الثاني والأربعين من المعركة- من إحرازِ تقدّمٍ ملموسٍ، فقد شهدَ هذا اليوم توغلاً كبيراً لجيش النظام في عمق الأحياء الجنوبية للمدينة، والتي كانت حتى أمس تحتَ سيطرة جيش الإسلام وجبهة النصرة. وخلال ساعات الفجر الأولى تمكّن جيش النظام من التصدّي لأكبر عملية تسللٍ شهدتها المليحة من قبل المعارضة المسلحة، عندما أقدمت مجموعةٌ من أفراد كتائب المعارضة الموجودة في بلدة جسرين، وتعدادهم 200، على التسلل نحو المدينة، ولدى محاولتهم الدخول من البوابة الشمالية قامت الطائرات الحربية بقصفهم، ما أدّى إلى مقتل وجرح عددٍ كبيرٍ منهم.

لتتوغّل قوّات النظام -بعدَ هذه العملية- في المليحة انطلاقاً من أربعة محاور، شبعا وجرمانا وطريقي دير العصافير والخيارة، الأمر الذي سبّب تسارع انهيار دفاعات مقاتلي المعارضة المسلحة، وانحسارهم إلى الأحياء الشمالية للمدينة. وخلال التوغّل دمّر جيش النظام عدّة أنفاقٍ كان مسلحو المعارضة قد حفروها في الأحياء الوسطى من المدينة. وعن هذا اليوم بالتحديد يروي (ط، أ)، وهو أحد أهالي المدينة، شهادته لفريق عمل مجلتنا، إذ قال:

".. خلال هذا اليوم تحديداً استيقظت المدينة على وابلٍ من النيران لم تشهدهُ قط أيامَ الحربِ الفائتة، إذ سجلنا وقوع ما يقارب الـ650 صاروخاً على أحيائها، كان أغلبها ينطلق من راجمات الصواريخ المتمركزة في محاذاة إدارة الدفاع الجويّ، إضافةً إلى قذائف الهاون والقصف الكثيف الذي قامت به طائرات النظام الحربية، إذ سجّلنا أيضاً أكثر من 15 غارةً متتاليةً كعملية تمشيطٍ تمهيديةٍ لدخول الجيش الذي استولى نهايةً على جميعِ الأحياءِ والطرقِ الجنوبية من المدينة..".

وكانَ لا بدّ لفريق مجلة "صوَر" أن ينقل بأمانةٍ وحيادٍ كاملين ما أدلى بهِ (ط ، أ) عن معاناة أهالي البلدة إثرَ الحصار الخانق، إذ قال:

".. لا أريد أن أقول بأن الجيش الحرّ عملَ على تجويعنا.. لكن ما أريد التصريح به هو أن جميع المعونات التي كانت تخصّص للأهالي، وخاصّةً الغذائية منها، كانت تذهب بمعظمها لمقاتلي المعارضة، مما عرّضنا كمدنيين لخطر الجوع، سيّما الأطفال.. وكلما واجهناهم (أقصد المعارضة المسلحة) بضرورة التوزيع العادل للأغذية، تذرّعوا بأولوية حاملي السلاح!!".

نهاية المعركة وليس الحرب:

وأخيراً وليسَ آخراً، استطاع جيشُ النظام ومن والاه من مقاتلينَ أجانب، بعدَ 130 يوماً دامياً من حربٍ لا ترحم، أن يبسطَ سيطرته الكاملة على كافة أحياء المدينة وضواحيها، سيّما بعدَ أن دانت لهُ أحياؤها الجنوبية التي كانت تحت سيطرة جبهة النصرة وجيش الإسلام، ما فتحَ الطريقَ أمام جنده ليبسطوا سيطرتهم على أحيائها الشمالية، ومن ثمّ على كافة ترابها ومعاقلها.

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
آخر المقالات
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard