القنابل العنقودية واقع مؤلم ومستقبل مخيف
- القوات النظامية استخدمت الأسلحة العنقودية في تسع محافظات سورية
-60% من الضحايا هم من النساء والأطفال
-سوريا هي الدولة الأولى في انتشار القنابل العنقودية لعام 2012
إحسان أحمد
على الرغم من إدانة أكثر من 112 دولة من دول العالم لاستخدام الحكومة السورية القنابل العنقودية ضد شعبها، وذلك عبر قرار صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن الحكومة السورية واصلت استخفافها المستمر بالمجتمع الدولي وقصفت عشرات المواقع بالقنابل العنقودية التي يزيد معدل إصابتها للمدنيين عن الـ70%، كما تثبت معظم الدراسات الفنية التي أجريت عن هذه الأسلحة، وهذا ما أثبتته المنظمة السورية لحقوق الإنسان، ففي سوريا 97% من الإصابات الناتجة عن القنابل العنقودية وقعت بين المدنيين العزّل.
اتهامات لمصر بتزويد النظام السوري بقنابل عنقودية
أطلقت هيومان رايتس ووتش بتاريخ 14يناير 2012 تقريراً مفصلاً تؤكّد من خلاله استخدام قوات النظام نوعاً جديداً من القنابل العنقودية يعرف بعشوائيته، قائلة أن هذه القنابل مصرية الصنع، في حين قال خبير عسكري مصري لجريدة الشرق الأوسط إن مصر لا تصنع القنابل العنقودية، لكن مسؤولاً بالمنظمة الدولية أكد أن لدى المنظمة معلومات وأدلة مؤكدة تثبت ما جاء بالتقرير.
وقال ضابط في لمعارضة المسلحة لجريدة «الشرق الأوسط» إن سوريا حصلت على هذه القنابل من إيران وروسيا خلال فترة التسعينات، بينما ثبت استخدام النظام لصواريخ أرض-أرض كتب عليها «الهيئة المصرية للتصنيع الحربي»، مضيفاً: «المعطيات التي لدينا تؤكد أن النظام عمد إلى استخدام القنابل العنقودية للمرة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وتحديداً في منطقة الرستن وجبل الزاوية في ريف إدلب، وفي الفترة الأخيرة صار استخدامها على نطاق أوسع».
وأوضح الضابط أن النظام كان في بداية الأمر يعمد إلى استخدام هذه القنابل في المناطق التي يصعب الوصول إليها بالمدفعية، أما اليوم فلم يعد لديه أي عائق أو رادع في استخدامها، على الرغم من أنها تحتاج إلى طلعات جوية لرميها بطائرات (سوخوي) أو طائرات (ميغ 21)، والأولى يمكن أن ترمى بين 7 و8 قنابل، أما الثانية فيمكنها رمي قنبلتين، فيما تحتوي كل قنبلة على نحو 900 قنبلة صغيرة، كل منها قادرة على قتل شخصين.
ويضيف الضابط المنشق أن النظام يملك ترسانة كبيرة من القنابل منذ عشرات السنين، وبعض منها منتهية الصلاحية، مشيراً إلى أن الكمية التي لدى النظام تكفي لإبادة سوريا، ولا يحتاج إلى الحصول على المزيد منها.
ما هي القنبلة العنقودية
تتألف القنبلة العنقودية من جسم حاضن «حاوية» تحتوي في داخلها على قنابل صغيرة «قنيبلات» لها أشكال وأحجام مختلفة, تلقى بواسطة المدفعية أو الطيران من ارتفاعات متوسطة أو عالية. عندما تلقى الحاوية، وبفعل آلية معينة، تنفتح الحاضنة وترمى القنابل الصغيرة والتي يبلغ طول الواحدة منها كحد أدنى 20سم وقطرها حوالي 6سم.
تعتبر القذائف العنقودية من الأسلحة غير الدقيقة الهدف، تنتشر على نطاق واسع قد يصل إلى مساحات تعادل أضعاف مساحة ملعب كرة القدم, والهدف منها ترويع المدنيين، وتحقيق أكبر قدر من الإصابات مباشرة وغير المباشرة في المنطقة التي تلقى بها، نسبة إصابتها للهدف حوالي الـ50%، ويؤكد هذا الرقم أنها عبارة عن سلاح عشوائي هدفه التدمير والترويع فقط.
وعندما تلقى القنابل العنقودية على منطقة ما لا تميز بين عسكريين ومدنيين، والكثير منها لا ينفجر، مثل ما هو متوقع، بعد سقوطه، حيث تبقى كميات كبيرة من القنيبلات على الأرض جاهزة للانفجار، وتتحول إلى ألغام أرضية تشكل تهديداً مميتاً لأي شخص في المكان ولفترة طويلة بعد انتهاء النزاع. إن «القنيبلة» غير المنفجرة تقتل وتجرح الناس الذين يحاولون إعادة بناء حياتهم بعد انتهاء الحرب، وهي تمنع الناس من استخدام أراضيهم أو من الوصول إلى المدارس والمستشفيات، حيث يمكن أن تبقى تهديداً خطيراً لعقود من الزمن.
يقول ستيف غوس مدير قسم الأسلحة في منظمة هيومان رايتس ووتش: «إن استخدام قوات النظام السوري لأسلحة محرمة دولية ضد شعبه يعتبر أمراً مروعاً، إذ أن تلك القنابل العنقودية تتسبب بمقتل العديد من المدنيين وتهدد حياة الأجيال المقبلة».
وذكرت المنظمة أنها حصلت من معارضين في بلدة كفر زيتا على صور تثبت استخدام قوات النظام السوري لقنابل عنقودية في قصف البلدة، فيما أوضح معارضون في البلدة لمسؤولي المنظمة أنهم عثروا على 20 قنبلة عنقودية لم تنفجر.
المنظمات الحقوقية وصعوبة التوثيق
تواجه المنظمات الحقوقية صعوبات كبيرة في التوثيق نتيجة منع الحكومة السورية لدخول لجان التحقيق المختصة، إضافة إلى العنف الشديد الموجه ضد المدنيين، والذي دفعهم إلى مغادرة أماكن إقامتهم والانتشار في الدول المجاورة لسوريا.
تقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن الحكومة السورية قد استخدمت الأسلحة العنقودية في 9 محافظات سورية, شملت عشر مناطق كان آخرها منطقة كفر زيتا بريف حماه, أودت هذه الهجمات بحياة مالا يقل عن 120 مدنياً، 58 منهم من الأطفال، بنسبة بلغت 48%، و14 امرأة بنسبة 12%، أي أن نسبة الضحايا من الأطفال والنساء تبلغ 60%، إضافة إلى 48 رجلاً، ثلاثة منهم فقط من المقاتلين أي ما نسبته 2,5%.
وعلى الرغم من الصعوبات الكبيرة التي تواجه الحصول على معلومات وأرقام ولو بشكل تقريبي، فإن تقديرات الشبكة السورية لحقوق الإنسان تشير إلى أكثر من 1470 مصاباً، وهذا الحد الأدنى لأن القنابل العنقودية تنتشر على مساحات تصل لـ30 ألف متر مربع, فلا يمكن بالتالي معرفة العدد الدقيق للضحايا التي تخلفها تلك الهجمات.
هذا وتواصلت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مع السيد حسن، وهو شاهد عيان من مدينة كفر زيتا في ريف حماه، وأعطاها الإفادة التالية: «بعد ظهر يوم الأربعاء وحوالي الساعة الثانية إلا ربعاً، وبعد سماعنا لتحذيرات المرصد ونزولنا إلى الملاجئ، سمعنا صوت انفجارات تشبه القصف من راجمات الصواريخ، الانفجارات هزت مركز المدينة، والقصف كان من محطة إطلاق الصواريخ في مطار حماه العسكري، حيث تم إطلاق صاروخين محملين بأكثر من 80 قنبلة عنقودية، وفي اليوم التالي تعرضت المدينة لنوع القصف نفسه، حيث تم إطلاق صاروخ من المطار نفسه استهدف شمال المنطقة التي تم استهدافها أول مرة, وجميع الصواريخ أصابت مناطق سكنية، وجميع من يقطنها هم من السكان المدنيين».
وأكدت الشبكة السورية من عدة مصادر متطابقة أن الهجوم الصاروخي قد تم من مطار حماه العسكري الواقع غربي مدينة حماه، وكما هو معلوم فإنه يمكن إطلاق الذخائر العنقودية بواسطة الصواريخ أو مدافع الهاون أو إلقاؤها من الطائرات، ولا تمتلك المعارضة المسلحة منصات لإطلاق مثل هذه الأنواع من الذخائر.
توصيات الشبكة السورية لحقوق الإنسان
أكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن استخدام القوات الحكومية للقنابل العنقودية يعتبر انتهاكاً لكل من مبدأ التمييز ومبدأ التناسب في القانون الدولي الإنساني، ويعتبر بمثابة جريمة حرب.
وأضافت بأنه يتوجب على الحكومة الروسية وغيرها من الحكومات التوقف عن تزويد الحكومة السورية بالأسلحة، لأنه ثبت استخدام القوات الحكومية لتلك الأسلحة في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تجاه مواطنين مدنيين، ويتوجب على أصدقاء الشعب السوري ممارسة مختلف أنواع الضغوط الاقتصادية والسياسية على الحكومة الروسية من أجل ذلك.
كما يتوجب على الاتحاد الأوربي، بحسب الشبكة، ممارسة الضغوط الحقيقية من أجل تحويل الأدلة على استخدام هذه الأسلحة إلى محكمة الجنايات الدولية، كما يتوجب على الأمم المتحدة منذ الآن إعداد دراسات واسعة حول المواقع التي استخدمت فيها القوات الحكومية القنابل العنقودية من أجل تحذير أهالي تلك المناطق والإسراع في عمليات إزالة المتفجرات التي لم تنفجر.
يقول فضل عبد الغني مؤسس ورئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان: «التهديد الحقيقي للقنابل العنقودية يستمر بعد انتهاء الهجمات، لأن مئات الذخائر غير المنفجرة التي خلفتها تلك القنابل سوف تنفجر لدى اقتراب أشخاص منها لا يعلمون بوجودها، وتسبب إصابتهم أو مقتلهم».
يشار إلى أن 113 دولة وقعت على اتفاقية تحظر إنتاج واستخدام القنابل العنقودية عام 2008، فيما بقيت القنابل العنقودية تستخدم فقط في ليبيا وسورية وتايلاند بعد أن أصبحت الاتفاقية جزءاً ملزماً من القانون الدولي عام 2010.
وهكذا نستطيع أن نفهم خطورة الكارثة التي ستخلفها الحرب السورية على مستقبل الأجيال القادمة، حيث سيكون آلاف الأطفال في مناطق النزاع عرضة للإصابة بأضرار بالغة ومميتة نتيجة انتشار القذائف غير المتفجرة في أماكن إقامتهم، دعك عن الأضرار الاقتصادية بعد أن أصبحت العديد من الأراضي المتعرضة للقصف العنقودي غير صالحة للزراعة والإنتاج والاستثمار والسكن.
إن مواجهة هذه الكارثة قد تستلزم عقوداً طويلة من الجهود المنظمة لتأمين المناطق التي أصابها القصف العنقودي ونزع كل القنابل والألغام الموجودة فيها، وهذه الجهود يجب أن تبدأ الآن ودون أي تأخير، ويجب أن تتضافر جهود كل الأطراف للقيام بهذه المهمة الصعبة، وذلك يستلزم أولاً وقبل كل اعتبار إيقاف الحرب الدائرة في البلاد، والتي لم تعد تهدد الحاضر وحده، بل تمتد بكوارثها وشرورها إلى المستقبل القريب، وحتى البعيد، لهذا البلد المنكوب.
القذائف العنقودية غير المنفجرة وكيفية التعامل معها
أرقام مخيفة
تنتشر ملايين القذائف العنقودية غير المنفجرة في 80 بلداً، وتكلّف عملية إزالتها 33 مليار دولار، ويقدّر عدد الألغام المنتشرة في العالم بـ120 مليون قذيفة غير منفجرة، وأصبحت سوريا الدولة الأولى في انتشار القنابل العنقودية لسنة 2012.
لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول التي لم توقّع على معاهدة حظر الألغام الأرضية، تصنع سنويًّا ما يزيد عن 10 ملايين لغم، وإذا كان صنع اللغم الواحد يكلف 30 دولاراً فإن نزعه يكلف 1000 دولار، وتحتاج لـ 1200 عام لإزالتها.
أنواع القنابل العنقودية غير المنفجرة:
- قنابل حساسة للحرارة تنفجر بعد تعرضها لدرجة حرارة معينة.
- قنابل حساسة للصوت ومجهزة للانفجار إذا مرّت بالقرب منها آلية بثقل ثلاثة أطنان تقريباً.
- قنابل قد تبقى ساكنة فلا تنفجر حتى بعد مرور عشر سنوات، ولكنها في الوقت نفسه قد تنفجر في أيه لحظة وبسبب أية حركة.
كيفية التعامل مع القنابل العنقودية غير المنفجرة
- لا تكن فضولياً ولا تقترب من القنابل غير المنفجرة لأي سبب كان.
- أخبر جميع الجيران والمعارف عن مكان تواجد القنابل غير المنفجرة.
- حاول تغطية القنبلة بغطاء كعلبة دهان أو أي علبة مشابهة، ثم ضع الكثير من الرمال أو التراب فوقها.
- حدد علامات واضحة تشير إلى خطر الاقتراب من مكان القنبلة.
- أجّل التعامل مع القنبلة غير المنفجرة حتى قدوم خبير عسكري ليقوم بتفكيكها بطريقة صحيحة وآمنة.
- قد تكون القنابل العنقودية مغرية للأطفال ليلعبوا بها بسبب ألوانها البراقة وحجمها الصغير، لذلك نبّه الأطفال واشرح لهم خطورة القنابل غير المنفجرة، وحمّلهم مسؤولية مراقبة بعضهم وإخبار الكبار فوراً في حال لعب أحدهم بها.