ديمقراطية الهوب هوب
وافي بيرم
في هذه الأيام، وفي خضم المعارك والقتل والتدمير والتهجير، طالعنا النظام الرؤوم بمسرحية هزلية تحت عنوان «الانتخابات الرئاسية»، لا لشيء في نفس يعقوب، معاذ الله، وإنما لإدخال البهجة والسرور إلى قلوب السوريين، ورسم ابتسامة غابت عن وجوههم بعدما ألحقته بهم المؤامرة الكونية.
هي انتخابات رئاسية ديمقراطية تعددية نزيهة وشفافة لدرجة أن شفافيتها تصل لمستوى شفافية ملابس مونيكا بيلوتشي العظيمة (خطي نحن شعب بيستاهل هالمَكرُمة).
وما إن تم الإعلان عنها (أي الانتخابات) حتى بدأ سيل من المرشحين بالتقدم للترشح ودخول المنافسة (الشريفة أيضاً) للفوز برئاسة سوريا الأسد. كان العدد في البداية ستة مرشحين أولهم وقائدهم ماهر عبد الحفيظ الحجار، ثم تقدم المواطن المتواضع العبد الفقير لله بشار حافظ الأسد للترشح تحت رغبة وضغط الشعب الذي أصرّ وحلف عليه يميناً معظماً أن يترشح. فكان هو السابع.
وطبعاً صباح فخري كان قارئاً للمستقبل عندما قال: «كنا ستة على النبعة، إجى المحبوب صرنا سبعة».. محبوب غصباً عنكم أيها الإرهابيون المفلسون!
للصراحة، والحق يقال، فوجئنا وشهقنا (وتبلكمنا): أنت أيها العظيم تترشح أمام هؤلاء الحثالة؟! أنت!! نحن لا نقبل إلا بك، ألا تعلم أنك حبيب الجماهير، قاهر قلوب العذارى؟!
توالت بعدها طلبات الترشح حتى وصلت لستة عشر مرشحاً، في الحقيقة أنا خفت أن يصعد الرقم فوق السبعة عشر، عندها سنضطر أن نمهر الانتخابات بعبارة «+18»، وسيتوجب علينا إيجاد طريقة لتشفيرها، ألا يكفي أولادنا ما تفعله بهم الأدوات الصهيوأمريكية لنزع أخلاقهم العربية؟!
وللعلم، وهي نقطة في صالح النظام، فهذا تصديق لما قاله وليد المعلم: «سيكون لدينا نظام ديموقراطي غير مسبوق» إلا أنه أصبح فعلياً، نظاماً ديمقراطياً مصاباً بالإسهال، فقد وصل عدد المرشحين في آخر إحصائية إلى أربع وعشرين مرشحاً، وهذا قمة الإعجاز الديموقراطي (المسهّل).
لن أطيل عليكم، المهم أن هذه الانتخابات ذكرتني بباصات «الهوب هوب»، ومن منّا لا يعرف باص الهوب هوب صديق البيئة؟
حيث أننا كنا بعد الصعود للباص وفي الفترة التي ننتظر فيها اكتمال عدد الركاب، نرى أحد الباعة الجوالين لعلكة «التشيكلس» يصعد للباص ويصيح: «القطعة بعشرة ليرات»، ويجوب الباص مرة واثنتين دون أن يتجاوب معه أحد من الركاب، ثم ينضم له بائع آخر، وسبحان الله يكون معه نفس المنتج، وفور صعوده يصيح: «القطعتان بعشر ليرات»، تظهر علامات الهيجان على البائع الأول ويوجه له حديثاً مفاده: لماذا تريد قطع رزقي؟! إلا أن الأخير لا يرد ويواصل نداءه، وتبدأ جولة من المنافسة الشريفة بينهما أيضاً، حتى يصل البائع الثاني للقول: «خمسة عشر قطعة بعشر ليرات»، هنا يفقد البائع الأول صوابه ويوجه له صفعة خماسية يهتز لها الباص، في هذه اللحظة يفتح الجمهور الغبي فاه إلى آخره بانتظار رد فعل المصفوع، فما يكون منه سوى النزول من الباص وترك الساحة لـ(المعلم) الذي يبدأ ببيع علكة التشيكلس بدون أي مساومة، فقد ولّدت الصفعة لدى الجمهور رهبة وهيبة من هذا البائع المقاتل، فيبيع كل بضاعته ويعود لصديقه ليتقاسموا الأرباح.
الفرق الوحيد بين المسرحيتين، أن مسرحية النظام تصيبك بضحك هستيري من المرشحين، وأخص بالذكر ماهر حجار لأنه يتقمص الدور بشكل مضحك وهو يوجه «النقد البناء» للرئيس والنظام لإصلاح اعوجاجه، وهنا مربط الفرس، لأنه ليس من المهم الفوز بكرسي رئاسة سوريا الأسد، بقدر ما هو مهم مواكبة مسيرة القائد بشار الأسد في التطوير والتحديث، وكما قال أحد المواطنين في استطلاع رأي حول ممارسة الديمقراطية أجرته الفضائية السورية: «مع احترامي لكل يلي رشحوا نفسن، بس هالبلد بدها قائد ودكتور وأسد».