info@suwar-magazine.org

أزمة الدواء في منطقة الجّزيرة

أزمة الدواء في منطقة الجّزيرة
Whatsapp
Facebook Share

 

*كمال أوسكان 

 

فاطمة الممدّدة على فراشها بجسدها المنهك والأنين لا يفارقها تقول بصوت مبحوح:" الألم لم يعد يطاق ...أفضّل الموت على الحياة كي أُريح أبنائي وزوجي".
تبلغ فاطمة من العمر 47 سنة، وتقطن مع أسرتها مدينة الدرباسيّة الحدوديّة ؛اضطرّت لإجراء عمليّة بتر  لساقها منذ 3 سنوات بسبب استفحال القدم السكريّة لديها،  وأجبرت على ملازمة الفراش والاستغراق في رتابة أوقات جرعات الدّواء الّتي باتت المنفذ الوحيد لتخفيف آلامها، غير أنّ الواقع تغيّر ولم تعد تحتمل نوبات الوجع على إثر فقدان الأدوية المطلوبة من الصيدليات والمراكز الصّحيّة التّابعة للدّولة في منطقة الجزيرة.


تعاني هذه المنطقة  نقصاً حادّاً في جميع أنواع الأدوية وفق ما أوضح أحد الصّيادلة في مدينة الدّرباسيّة والذي فضل عدم ذكر اسمه قائلاً:"إ ذا ما استمرّ الوضع على ما هو عليه فقد نضطر إلى إغلاق الصّيدليّات بسبب عدم توفّر الأدوية في مستودعات ومخازن قامشلو".


 
الأدوية الإسعافيّة والعلاجيّة المفقودة 

 

 
إذا توفّرت الأدوية الإسعافيّة يمكن لها أن تنقذ أرواح المصابين بأمراض مزمنة، مثل أدوية الجلطة (نتروكلسيرين )الّتي توضع تحت اللّسان، و(اللّصقات القلبيّة) وإبر (الكليكسان )،  والأدوية الخاصّة بحالات الولادة مثل إبر (الأنتيدي) والأدوية الخاصّة بالنّزيف، وتنظيم الدّورة الشّهريّة لدى النّساء مثل  ( نوركولوت – سايكلو جينون – استراديان ) وإبر (الروسيف) الخاصّة بالأطفال، بالإضافة لإبر (الأنسولين) لمرضى السكري. كما توجد حاجة ماسّة إلى الأدوية المعالجة للسّلّ، والتهاب الكبد الوبائيّ وضغط الدّم والسّكّر والسّرطان والأدوية المستخدمة في غسيل الكلى لمرضى الفشل الكلويّ، كلّ هذه الأدوية مفقودة من الصّيدليّات والمشافي والمراكز الصّحيّة.


وبحسب تقارير منظّمة الصّحّة العالميّة الّتي تردّ أسباب هذا النّقص الحادّ في الأدوية إلى  تصاعد العنف والاشتباكات في سوريا، والّتي  ألحقت الضّرر بمصانع الأدوية في حلب وحمص وريف دمشق، حيث تتركّز 90% من مصانع الأدوية في البلاد.


 
الواقع الصّحّيّ في منطقة الجّزيرة

 

مجلّة صور التقت  مع جميع الجّهات ذات الصّلة بتوفير الأدوية والخدمات الطبّيّة في مدينة قامشلو في محاولة لتسليط الضّوء على هذا الموضوع الّذي يعدّ حاجة أساسيّة مرتبطة بحياة المواطنين وصحّتهم.
توجّهت صور إلى إدارة المنطقة الصحية في قامشلو كونها ما تزال تمارس عملها، وهي الجهة الحكوميّة المسؤولة عن توفير الأدوية الّتي كانت الدّولة تتكفّل بدعمها وتقديمها بشكل مجاني للمواطن عبر مراكزها الصّحّيّة الخاصّة بالأمراض المزمنة.


وعن مدى توفّر الأدوية في المراكز الصّحّيّة يقول الدّكتور عبدالفتّاح النّزال رئيس الدائرة لمجلّة صور "الأدوية متوفّرة ويتمّ توزيعها على المرضى حسب الحاجة " ويضيف "سابقاً كنّا نعطي المرضى ما يكفيهم لعدّة أشهر، لكنّنا أصبحنا الآن أكثر تقنيناً في التّوزيع، نظراً للظّروف وصعوبة توفير الدّواء، بحيث تصرف عبوة الدّواء للمريض بمجرّد انتهاء العبوة الّتي بحوزته"، ويوضح النّزال  أنّ المراكز الصّحّيّة تعمل بشكل متواصل وتقدّم خدماتها وفق الحالة الاعتياديّة.


  وتشير الإحصائيّات الصّادرة عن وزارة الصّحّة السّوريّة أنّ 52.7% من السّكّان كانوا قبل الحرب يتلقَّون المعالجة المجّانيّة، وكذلك أصناف عديدة من أدوية القلب و الأوعية، والكِلى وأمراض السّرطان والسّكّريّ. وما يزال الكثير من هؤلاء المرضى يعتمدون على الأدوية المصنَّعة محلّيّاً الّتي لم يَعُد بمقدورهم الآن الحصول عليها وفق ما يؤكده المراجعون والمسجّلون لدى المراكز الصّحّيّة، ومن ثَمّ فإنّ نقص هذه الأدوية ينذر بعواقب كارثيّة على المصابين والمرضى.


أعداد المسجّلين لدى منطقة الصّحّيّة في قامشلو  وفق سجّلات مديريّة الصّحّة على النّحو التّالي
مرضى السّكّريّ 1600، مرضى القلب  1300، الحمى المالطية  150، لشمانيا  110.


 
أصحاب المستودعات وإيصال الدّواء إلى المنطقة


 
يوضح النّزّال أنّه لا علاقة للجهات الحكومية بالأدوية العلاجيّة, فهي توزّع على الصّيدليّات من قبل الشّركات الخاصّة. وإذا كان هناك نقص في هذه الأدوية فمردّه لتوقّف معظم شركات الأدوية عن الإنتاج، وصعوبة وصول الدّواء الى محافظة الحسكة بسبب الوضع الأمنيّ، وافتقاد المحافظة إلى شركات ومعامل لتصنيع الأدوية.

 


 

وإلى نفس الرّأي يذهب أصحاب المستودعات ومعتمدو شركات الأدوية الخاصّة في منطقة الجزيرة؛ إذ يعتبرون إيصال الدّواء إلى قامشلو معاناة كبيرة، وذلك لكون شحنات الدّواء تخرج  من دمشق عبر طريق حمص - حلب مروراً بالرّقّة أو دير الزور. أحد أصحاب مستودعات الأدوية في قامشلو  فضّل عدم ذكر اسمه قائلاً: "خسرت شحنة أدوية قادمة من حلب  بقيمة 3 مليون ليرة سوريّة بعد أن استولت عليها جهة مسلّحة تتمركز على طريق منطقة الباب في ريف حلب"، وهي ليست المرّة الأولى الّتي يتمّ فيها نهب شحنات خاصّة بمستودعه،حيث احتجزت شحنة أخرى له على طريق  ديرالزّور  وتمّ استردادها عبر التّفاوض مع قطّاع الطّرق عن طريق شركة الشّحن، ودفعت فدية بقيمة مليونيّ  ليرة سوريّة. يضيف أيضاً:" إذا ما استمرّ الوضع على ما هو عليه سيضطرّ أصحاب المستودعات إلى إغلاقها".

 


إن وجد الدّواء فأسعاره في السّماء 

 

على ضوء هذا الواقع تكاد المنطقة تخلو من الدّواء في ظلّ وصول كمّيّات قليلة لا تكفي ربع حاجتها، كلّ هذا يرتّب مصاريف إضافيّة على مستودعات الأدوية حتّى تتمكّن من إيصال الدّواء إلى الصّيدليّات و منها إلى المريض، وبذلك ترتفع أسعار الأدوية في المنطقة. غير أنّ الدّكتور صخر عليكا مدير المركز الصّحّيّ في الهلاليّة يعزو فقدان بعض أنواع الأدوية من الأسواق والصيدليّات وارتفاع أسعارها لمستويات قياسيّة إلى احتكار بعض الشركات والمستودعات لها، وتخزينها بغية رفع أسعارها بشكل خاصّ في ظل تذبذب أسعار العملة السّوريّة.

 


هناك عوامل أخرى تزيد من رفع أسعار الأدوية؛ منها ندرة الوقود، وزيادة أسعاره، والانقطاع المستمرّ للكهرباء، وعدم كفاية الموادّ الأوّليّة بعد انخفاض القيمة الشّرائيّة للّيرة السّوريّة، كلّ هذا أدّى إلى تباطؤ الإنتاج وتراجعه بنسبة 75 % منذ 2010  وفق مخطّط الاستجابة للاحتياجات الإنسانيّة في سوريا الصّادر عن الأمم المتّحدة في يونيو/حزيران الماضي، بعد أن كانت سوريا تنتج 90% من احتياجاتها الدّوائيّة محلّيّاً، يضاف إلى كلّ هذه العوامل قرار الحكومة السّوريّة  رفع أسعار الأدوية في شهر تموز الماضي.


وينصّ التّعديل على رفع أسعار الأدوية الّتي يصل سعرها حتّى 100 ليرة سورية بنسبة 50 %، والأدوية التي يتجاوز سعرها 100 ليرة بنسبة 25  %، ممّا شكّل عبئاً إضافيّاً على المواطن.


دور المؤسّسات البديلة في تأمين الدّواء للمنطقة


 
في ظلّ تراجع الخدمات الصّحّيّة بشكل عامّ في سوريا نتيجة الأزمة وحالة الحرب، وانسحاب النّظام من بعض المناطق، منها مدن منطقة الجزيرة ما عدا مدينة قامشلو، وإدارة مؤسّسات تابعة للهيئة الكردية العليا لمعظم المناطق في الجزيرة، بات من ضمن مهامّها تقديم الخدمات الصّحّيّة نتيجة التّخوّف من انتشار الأمراض المعدية، ونزوح أعداد كبيرة من العائلات من محافظات أخرى إلى هذه المنطقة، لكونها كانت منطقة آمنة، وما تزال أكثر أمنا مع وجود اشتباكات ومعارك بين (قوّات الحماية الشّعبيّة) الكرديّة من جهة و(جبهة النّصرة) و(دولة العراق والشّام الإسلامية) من جهة أخرى، ممّا يتطلّب توفير الأدوية بكمّيّات أكبر في الوقت الذي تشهد فيها الأسواق نقصاً حادّاً في الأدوية المرتبطة بحياة النّاس وصحّتهم.

 

 
 

ويعدّ المجلس الصّحّيّ التّابع للهيئة الكرديّة العليا إحدى تلك المؤسّسات الّتي أنشئت منذ عامين،  تضمّ بحدود 40 طبيباً يتابعون الأوضاع الصّحّيّة في المنطقة. يقول د.لقمان عبدالله رئيس لجنة التّنظيم والإدارة  في المجلس الصّحّيّ: " نحاول إدخال المساعدات الطّبّيّة والأدوية الّتي يتمّ التّبرّع بها  من الأهالي  في المناطق الكرديّة التّركيّة عبر الحدود، وتوزّع إلى منظمة الهلال الأحمر الكرديّ والمشافي والصّيدليّات التّابعة للمجلس".

 

من يمنع دخول الدّواء الى  منطقة الجزيرة؟

 

ويردّ د.لقمان فقدان الأدوية في منطقة الجزيرة  إلى عدم تخصيص المساعدات الإنسانيّة لهذه المناطق  كون الأحزاب الكرديّة خارج إطار الائتلاف، لذا يتمّ استثناء هذه المناطق من المساعدات الإنسانيّة، والدّوائيّة حسب ما صرح به د.لقمان ويضيف قائلاً: " استطاع المجلس الصّحّيّ التّواصل مع المنظّمات الدّوليّة من أجل تأمين المساعدات، إلا أنّ الحكومة التّركيّة لا تسمح بإدخال تلك المساعدات عبر الحدود، والمعابر مغلقة مع المنطقة".

 

 

هذا الوضع فرض على المجلس إيجاد سبل أخرى عبر  المعابر مع إقليم كردستان العراق، وإدخال الأدوية والمساعدات الطّبّيّة خاصّة، وقد باتت منطقة الجزيرة  محاصرة من قبل الكتائب الإسلاميّة الّتي تمنع دخول أية مساعدات طبّيّة أو إنسانيّة إليها، وما يتمّ دخوله  لا يغطّي حاجة المنطقة  بسبب الإغلاق المتكرّر لمعبر سيمالكا، ونفاد بعض أنواع الأدوية من المستشفيات مثل الأدوية الخاصّة بغسيل الكلية، حيث يوجد أكثر من 120 حالة في المشفى الوطنيّ بحاجة الى غسيل، توفي 20 شخصاً منهم نتيجة فقدان الأدوية، ممّا اضطرّ الكثير من المرضى الاعتماد على محاولات فرديّة للوصول إلى إقليم كردستان العراق  لتلقّي العلاج، فيما يحاول آخرون تأمين الدّواء عبر أقاربهم المتواجدين في كل من إقليم كردستان العراق وتركيا، أو اللّجوء إلى منظمة الهلال الأحمر الكرديّ الّتي تحاول تأمين الأدوية بمساعدة المنظّمات الأهليّة في المناطق الكرديّة على الجانب الآخر من الحدود، وتوزيعها على كلّ من يراجع المنظّمة.

 

 الحلول المطروحة

 

 يقترح أحد الصّيادلة في مدينة الدّرباسيّة تشكيل لجنة من الأطبّاء والصّيادلة من أجل التّواصل مع وزارة الصّحّة والاتّفاق على كيفيّة توصيل الأدوية إلى منطقة الجزيرة عبر تخصيص إحدى الرّحلات الجوّيّة أسبوعيّاً لنقل الأدوية والمساعدات الطّبّيّة طالما أنّ المنطقة محاصرة، ولا يسمح بإدخال الأدوية. وتتكفّل هذه اللّجنة بدفع التّكاليف ... وهي بسيطة إذا ما تمّ تشكيل صندوق لهذه الغاية.
قضيّة توفير الأدوية مرتبطة بشكل أساسيّ بالأزمة السّوريّة وتداعيات الظرف الأمني وجبهات القتال المشتعلة ، إذ لا يمكن حلّها بمعزل عن إيجاد حلول ضمن الإطار السياسي والعسكري. و هناك بدائل يمكن لها أن تكون نافعة إذا ما توفّرت النّيّة  لدى السّلطات  والقوى الّتي تسيطر على الوضع. وإلى حين إيجاد تلك الحلول سيبقى مصير المرضى وحياتهم رهينة التّرقب والأمل بوضع أفضل .

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard