نحو المعرفة وحرية التعبير
*فريق صور
شكّلت تجربة المنتديات الّتي ظهرت في الفترة التي اصطلح على تسميتها (ربيع دمشق)عام 2000 منطلقاً لطرح أسئلة تتعلّق بالشّأن السّوريّ العامّ، وعلاقة الإنسان السّوريّ بالسّلطة والدّولة، ومفاهيم أخرى كالهويّة الوطنيّة والدّستور والحياة البرلمانيّة ، وتداول السلطة وأوضاع حقوق الإنسان وقضايا الأقلّيات.
وقد لامست النّقاشات والمداخلات بنية النّظام الاستبداديّ وقوننته للقمع، وهذا ما اعتبره النّظام خرقاً لما اختطّه ونفّذه على مرّ عقود، فجوبهت هذه الظّاهرة بالقمع والزّجِ بالمثقّفين والنّاشطين في السّجون مرّة أخرى بتهم غرائبيّة جائرة.
تتنامى الحاجة الآن في ظلِّ المأزق الكبير الّذي تعيشه سوريا على كلّ الصّعد والمستويات إلى منتديات وملتقيات جديدة تسهم في تعرّف السّوريين على بعضهم البعض، بعد أن بات صوت السّلاح هو الأعلى، واعتادت قوّات النّظام سفك دماء السّورييّن، واحتكم جزء كبير من الثّوار إلى السّلاح ردّاً على همجيّة آلة القمع العائدة للنّظام والفظاعات الّتي ارتكبت على مرّ السّنتين والنِّصف المنصرمتين. التّعرف على الآخر وإدراك معنى التّمايز والاختلاف ستبنى عليه الصّيغُ المتّسمة بالدّيمومة والثّبات.
فالانكفاء على الذّات سيجعل من الصّعب إيجاد أرضيّة جامعة للسّورييّن، كما أنّ التّعامي عن بروز النّزاع الأهليّ بين المكوّنات الطّائفيّة والقوميّة ينذر بتعقيدات خطيرة سترهق السّورييّن إن لم ينبروا لمعالجتها ونبذ أسباب الشّقاق الذي تعمل على تكريسه قوى دوليّة وإقليميّة ومحليّة بغية تمرير مخطّطات خاصّة بها هي أبعد ما تكون عن تلمّس مصالح السّورييّن وتنّوعهم وسعيهم نحو بناء دولة عصريّة تتّسع للجّميع، وتحقّق طموحات المكوّنات والفئات والشّرائح. لا يصحّ وضع محظورات تعيق الخوض في تفاصيل المشاكل والأزمات؛ فتحت سقف المعرفة وحرّيّة التّعبير لا توجد محرّمات سوى تلك المبادىء المتعلّقة بفنّ الاستماع للرّأي الآخر وأدب التّخاطب والحوار واحترام العقائد وتجنب خدش المشاعر. ومن الضرورة بمكان الدّفاع عن حقّ إبداء الرّأي وصونه مِن كلِّ مَن يقمعه ويحاول النّيل منه تحت أيّة ذريعة. الآخر يظلّ متـــجسّداً بالمتـــربّص والغـــادر والكائــد ضمن بيئة غير صحّيّة كالبيئة المرافقة للاستبداد. بينما يكون الآخـــــر شريكاً وصديقـاً ومتـــممّاً ضمن بيــئة صحيــــّة ينعـــم فيهـــــا الجيمع بالفـرص المتساوية،وتصان الخصوصيّات والحقوق، وتشاع فيها الحرّيّــــات العامّـــة الّتي تعدّ الهدف الأسمى للحَراك الاجتـماعيّ والسّياسيّ والثّقافيّ. لا بدّ للصّوت الدّاعي للتّآلف والمطالب بنسف كلّ الصّور النّمطية من الأذهان عن الشّريك في الوطن أن يعلو على صوت الدّاعين إلى الاحتراب والتقاتل مقروناً بالاعتراف بالواقع كما هو دون تجميل.
فقد مجّت الأسماع الشّعارات، وطالها الأذى من المزاودات الصّادرة عمّن يحاولون الهرب للأمام بغية تناسي الأخطاء، وربما الجّرائم الحاصلة. بتنا في مسيس الحاجة لمكاشفات ومصارحات تنزع ما في النفوس من احتقانات وترسّبات، فالواقع بكلّ قتامته يستدعي نفض الغبار عن الملفّات العالقة بين السّوريّين، وعن نمطية الصورة الّتي رسمها كلّ مواطن عن الآخر. إذ إنّ العلاج يغدو متاحاً بتحديد أعراض المرض ولا يستقيم تقديم الحلول بالاستناد على الأمزجة والتخمينات، كما لا يخفى على أحد الحجم المهول للانتهاكات الكبيرة والواسعة لحقوق الإنسان، والّتي قد تحصر بعض الأفراد والجماعات في خانة الذّهنيّة الثّأريّة، فتستبعد أيّة فرصة للحلّ ومواصلة الحياة، وتزداد بذلك فرص الرّكون إلى الحلول العدميّة والتّطرف، وهذا ما لا يرضاه أيّ حريص على البناء والتّنمية وتحقيق مستقبل أفضل.
ومن الواجب على كلّ العقلاء تعميق فكرة المحاسبة وفق العدالة الانتقاليّة، وترسيخ مرتكزات السّلم الأهليّ، وتأصيل مبادىء العيش المشترك بين السّوريّين خدمة للمقاصد الأصيلة الّتي ثار السّوريّون لأجلها، وارتبطوا بها عقلاً وعاطفة.ً