المعارضة تنشغل عن العمل الجاد بتقاسم سلطات وهمية
حوار مع الناشط السياسي وخبير إدارة النزاعات بسام القوتلي
حاوره : بيروز بريك
- مع انسداد الآفاق ضمن المأزق السوري يتجه المراقبون وكثير من المحللين والصحفيين إلى تحميل المعارضة السورية وأداءها المتعثر والارتجالي الجزء الأكبر من تأزم الحالة السورية، وعدم وصولها إلى مخارج، هل تعتقد أن هنالك مبالغة في هذا التوصيف أم تشاطر القائلين به الرأي، وما السبب؟
لا أخالف هذا التوصيف، فالمعارضة فعلاً كانت وما زالت إرتجالية وهي تنشغل عن العمل الجاد بتقاسم سلطات وهمية. هنالك مراكز قوى متعددة داخل هذه المعارضة تهتم بترسيخ نفوذها في سوريا المستقبل أكثر من اهتمامها بإسقاط النظام في الفترة الحالية، حيث ما يزال البعض منهم موهوماً بأن النظام سيسقط مهما حصل، بينما يجهز قسم منهم موقعه إلى جانب النظام إن لم يسقط.
المعارضة برعت في إضاعة الفرص فكانت دائماً في كل لقاء وعند كل تغيير في القيادة تبدأ من الصفر بدلاً من أن تبني على ما حصلت عليه. فهي لم تبني على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أيار ٢٠١٣ الذي رحب بتشكيل الائتلاف وطالب بانتقال سياسي في سوريا؛ و على اعتراف أكثر من مئة دولة بها و انتظرت حتى شهر كانون الأول لتشكيل حكومة مؤقتة لم تنل أي اعترافات بها.
طبعاً لا يمكننا إخلاء المسؤولية عن الدول العديدة التي لم تهتم بإنهاء الدمار والقتل في سوريا بقدر ما اهتمت بدفع مصالحها عبر الصراع في سوريا، فساهمت مع النظام في عسكرة الثورة ومن ثم منعت توحيد الكتائب المقاتلة حتى تساوم بها القوى الدولية الأخرى.
- إعادة إنتاج الدور التسلطي وتمركز القرار لدى فئة من المعارضين التقليديين، وتقهقر دور الشباب والتكنوقراط ضمن الائتلاف وباقي أطر وهياكل المعارضة هل يرقى لحد العطالة المزمنة المفضية للفشل؟ أم أن تصدر فئات كلاسيكية معينة هي حتمية تفرضها جملة ظروف واعتبارات داخلية وخارجية؟
ليست هنالك حتمية تقتضي تصدر فئة ما للعمل. الإشكالية الرئيسية هي في أن المعارضة السورية تعيد إنتاج النظام الذي تحاربه فبعضها لم يرى نموذجاً مغايراً في حياته والبعض يرى في نفسه المخلص الأوحد للشعب السوري والبعض الآخر يتمسك بسلطة لم تكن لتسنح له في ظروف منافسة طبيعية. طبعاً هذا لا ينفي وجود الكثير من الأشخاص القادرين على تقديم نموذج عمل مختلف ولكنهم عادة يحارَبون من الفئات التي سبق وأن ذكرتها.
- هل تعتقد أن اللامركزية الإدارية الموسعة هي الحل الأمثل لشكل الدولة السورية القادمة؟ ماهي الضرورات التي تفرض هذا الشكل للدولة؟ هل هي سياسية ونابعة من تنوع المكونات وتمركزاتها الجغرافية؟ أم أن لدينا ضرورات أخرى تنموية ومتعلقة بتوزيع الثروة؟
اللامركزية الموسعة التي لا تنتج دولة مفككة متهالكة ضرورة لعدة اعتبارات، فاللامركزية تسمح لسكان كل منطقة بتحقيق مستوى أعلى من النمو والتطور نتيجة معرفتهم الأفضل بخصوصيات مناطقهم، كما أنها تفتح باب التنافس بين المناطق المختلفة لجلب الاستثمارات والكفاءات إليها. من ناحية أخرى فإن اللامركزية موجودة الآن على الأرض ومن شبه المستحيل العودة إلى نموذج الدولة المركزية التي كانت عليها سوريا سابقاً. هذا الوضع يفرض علينا أن نضع آليات عمل خلاقة تسمح للمكونات التي لا تثق ببعضها بأن تستمر بالعيش سوية في دولة واحدة قوية من دون الخوف من التهميش. حل من هذا النوع سيسمح لهذه المكونات بأن تعود وتبني جسورها الاجتماعية والاقتصادية وتخرج من حالة الإستقطاب الحالية بشكل تدريجي غير مفروض عليها.
- أبدت الأطراف السياسية سواء تمثلت بالمعارضة أو بالنظام الموافقة على حضور جنيف هل تعتقد أن هناك بوادر لإنفراج ما يوقف إراقة دماء السوريين ويمنح للمحاصرين ممرات آمنة أم أن الحل السياسي ضمن مشهد سياسي وعسكري معقد بات مستحيلاً وبالأخص مع حجم التدخلات الدولية والإقليمية الهائلة؟
حجم التدخلات الخارجية الهائلة أوصل الوضع السوري إلى حالة لا يمكن حلها إلا عبر خلق توافقات بين هذه الجهات الخارجية، ففي المرحلة الحالية يستطيع الجميع لعب دور المعطل لأي اتفاق. هنالك حالياً بوادر اتفاق لإعادة إنتاج نسخة مخففة من النظام من دون العائلة الحاكمة. المشكلة هي أن معظم القوى تحاول تحقيق أهداف لا علاقة لها بالوضع السوري عبر استخدام أوراقها في سوريا، مما يعني أن أي اتفاق في سوريا سيتطلب تحقيق بعض من مصالحها أولاً وهذا خارج نطاق إمكانيات المعارضة السورية.
- قرأت "مشروع أمة" الذي أصدرته قوى عسكرية إسلامية مسلحة تحارب قوات النظام. إلى أين يتجه الإسلاميون في سوريا وهل سينخرطون ضمن عملية سياسية مستقبلية حسب رأيك؟ وهل سيتم التفريق بينهم على أساس من لديهم أفق سياسي ومن هم عدميون؟
معظم القوى الإسلامية الحالية تستخدم مواقفها كأدوات تفاوضية للحصول على شروط أفضل لها أو لتحقيق أهداف الدول الممولة وهذا يجعلها مرنة عند الضرورة، وبشكل عام فمعظم أعضائهم من السوريين وهم سيعودون إلى الاندماج في المجتمع السوري الأوسع. المشكلة الرئيسية هي في القوى التي تكفر الجميع من حولها والمؤلفة بشكل رئيسي من غير السوريين، حيث سيكون من الصعب جداً أن نعيدهم جميعاً من حيث أتوا فهم أتوا للموت في سبيل فكرة يؤمنون بها وهم مستعدون لقتل كل من يخالفهم الرأي.
- ماشكل التعاطي الأنسب مع المانحين والداعمين لمشاريع المجتمع المدني والمجالس المحلية والإغاثة من دول وهيئات ومنظمات في ظل الاستقطابات والتجاذبات السياسية الحادة، والمنعكسة بحدة على المشهد السوري؟
على المنظمات السورية ألا تتبع رؤى الجهات المانحة بشكل أعمى، فالجهات المانحة لا تعرف الوضع السوري أو تعرف الاحتياجات أكثر منا. علينا أن نعمل معها كند، نأخذ بخبراتها ومعرفتها ولكن في نفس الوقت نعمل معها لتحديد الأولويات كما نراها نحن.
- أقامت المنظمات الداعمة بالتعاون مع المنظمات المدنية السورية الناشئة خلال فترة الثورة عشرات الورش التدريبية، وحلقات التوعية بفن التفاوض وفض النزاعات والسلم الأهلي هل تعول كخبير في هذا المجال على هذه الورش وآلية التدريب المتبعة؟ ألا ترى أن هنالك تكراراً لنفس المحتوى التدريبي، ولنفس الأشخاص الذين يحضرون هذا النوع من التدريب؟
فكرة تدريب الكوادر نبيلة ولكن للأسف فهي تحولت إلى صناعة متكاملة للحصول على التمويل. في كثير من الأحيان نرى نفس الشخص في العديد من الدورات التدريبية رغم أنه غير مقيم بسوريا ولا يعمل في مجال الثورة، و هذا ما يسمى بسياحة الدورات. يلزمنا في هذه المرحلة جهة سورية تحدد الاحتياجات وتمنع التكرار لترشيد العمل في هذا المجال.
- كنت أحد كوادر وحدة تنسيق الدعم الذي كان يعول عليهم في مأسسة هذه الوحدة وجعلها مواكبة لمتطلبات السوريين وفق الإمكانيات المتاحة، ما الذي حدث لتقال من منصبك كمدير لقسم (بناء السلام) في الوحدة؟
كانت هنالك عدة مشاكل منها دعمي المطلق للقضاء المدني عندما كنت مكلفاً بملف القضاء، لكن المشكلة الرئيسية تكمن في نقص مؤهلات من عينوا لتسيير شؤون الوحدة وافتقادهم لأية معرفة في مجال الإدارة. بالنسبة لهؤلاء فأي ذو خبرة يشكل خطراً مباشراً على إمكانية بقائهم في مناصبهم التي هم غير مؤهلين لها أصلاً. أظن أن قيادة الائتلاف قد فطنت أخيراً وبعد عام كامل من سوء الإدارة لهذه المشكلة وعينت الدكتور أسامة القاضي لإدارة الوحدة. د. أسامة من ذوي الخبرة وأظن أنه قادر على أخذ الوحدة بالاتجاه الصحيح.