ماذا تبقى من المجالس المحلية؟!
*محمد كريم
"مجلس برزة" فعالية صورية وتعدد مصادر الدعم
كان التعويل كبيراً على المجالس المحلية من قبل دعاتها والمتحمسين لفكرتها، باعتبارها الشكل الاجتماعي الأمثل لإدارة شؤون المناطق الثائرة، وتلك التي خرجت من تحت سيطرة قوات النظام، والقيام بمهام الإغاثة والدعم الاجتماعي، فضلاً عن التنسيق مع الكتائب المسلحة لجعل السلاح تحت الغطاء الاجتماعي الذي توفره المجالس، وبالتأكيد كانت المجالس المحلية هي اللبنة الأساسية لبناء سورية المستقبل وإعادة إعمارها بعد رحيل النظام.
إلا أن هذه الآمال لم تتحقق بالشكل الذي حلم به الكثيرون، وغدت المجالس ميداناً للمقاولات السياسية بين مختلف أطراف المعارضة و"الداعمين"، مما جعلها عرضة للفساد السياسي والإداري والمالي، إضافة إلى أنها لم تقم بمهامها بالشكل المطلوب.
في البداية عملت عدة أطراف داعمة على إيصال مرشحيها إلى المراكز المفصلية في المجالس، دون الأخذ بعين الاعتبار مقياس الكفاءة أو رضا أهل المنطقة عن هؤلاء المرشحين، ومن ثمّ عملت على دعمهم مادياً وإعلامياً بحيث شكلوا مراكز قوى ونفوذ لهم.
العلاقة مع الكتائب المقاتلة على الأرض علاقة هلامية، حيث لكل مجموعة عسكرية مصدر تمويل خاص بها، ولا يمكننا في المجلس المحلي التأثير على قراراتها وخياراتها.
وفي حالات أخرى تم فرض المجالس المحلية من فوق على المناطق والبلدات، أو إنشاء مجالس خلّبية في مناطق لم تشهد حراكاً ثورياً، وفي الكثير من الأحيان كان رؤساء المجالس مقيمين خارج سورية منذ عقود!!
وإذا كانت الكثير من "المجالس" التي نسمع بها قد أقيمت على هذا الأساس، فهنالك مجالس أكثر ترسخاً، نشأت مع الحراك الثوري دون تدخل أو وصاية من أحد. ولعل مجالس ريف دمشق هي الحالة الأمثل عن المجالس الحقيقية التي نشأت في المناطق الثائرة بمبادرة حرة من أبناء تلك المناطق.
المجلس المحلي لبلدة برزة يتمتع بأهمية خاصة، كونه أول مجلس محلي كامل الأركان نشأ في ريف دمشق، وقد علّقت عليه الكثير من الآمال بوصفه نموذجاً يحتذى به في كل المناطق الثائرة. فما الذي تبقى من هذا المجلس والطموحات التي علّقت عليه؟! هل مازال يمكن اعتباره نموذج الإدارة الذاتية لشؤون الحياة بعيداً عن التدخلات الخارجية؟!
عينّا مديراً مالياً في المجلس المحلي منذ عام 2012 ، ولكن صلاحيات وقدرات ذلك المسؤول كانت صورية لأن كل جهة لها ممولها، وبالنتيجة فكل ما فعلناه كان من باب الشكلية، وبلا مفعول كامل.
"صور" التقت الناشط أبو الخير من برزة، أحد المؤسسين للمجلس المحلي هناك، وسألته عن واقع المجلس حالياً، فأجاب: "على العموم المجلس في برزة بات صورياً، مثله مثل العديد من المجالس في مختلف المناطق". وفي تفسيره لهذا يقول: "السبب الأساسي هو عدم القدرة على السيطرة على قنوات الدعم".
ويسرد أبو الخير المعوقات التي واجهت المجلس منذ تأسيسه ومنعته من أن يتكوّن بشكل صحيح ويأخذ دوره كاملاً: "سأقول لك وبصراحة إن عدداً من الناشطين المدنيين، سعوا بشكل متفرد إلى استقطاب عدد من الشباب في برزة بحكم تسلمهم مسؤولية الإغاثة، كهيئة ناو الألمانية، ودون أخذ مشورتنا كأعضاء مجلس محلي، بحجة انو الثورة ثورة "شباب وصبايا"، رغم أن الشباب كانوا ممثلين بشكل جيد في المجلس" ويضيف: "تكلمت شخصياً مع العديد من الناشطين والفاعلين لمنع ذلك الالتباس واحترام المجلس ككيان وليد من المفترض أن تتم كل هذه التعاملات من خلاله، لكن أتى الجواب متأخراً جداً من مسؤولة نجدة ناوو، التي لم تهتم كثيراً بهذه القضية، مما كان سبباً بإعاقة وتأخر تشكيل المجلس المحلي، وجعله صورياً".
ويسهب أبو الخير في وصف الحالة: "سآتي لك بمثال قد يغني عن الشرح، فعندما يأتي وقت استلام حصة غذائية من لجان الدعم، كنت أخبر مدير الإغاثة في المجلس لاستلامها، أو إرسال أحد ليستلمها، فأجد أن الكثيرين من الناشطين يغضبون وينزعجون لأنني لم أكلفهم بهذه المهمة، وبالتالي لا يوجد اعتراف شامل بشرعية هيكل المجلس المحلي ومؤسساته ومسؤوليه".
ويضيف: "من الآخر، هناك فوضى وعدم خبرة، ليس من الناس العاديين فحسب، وإنما حتى من الناشطين والمثقفين".
وحول علاقة المجلس مع الكتائب المقاتلة في برزة يقول أبو الخير:
"العلاقة مع المقاتلين هي علاقة هلامية، حيث لكل مجموعة عسكرية مصدر تمويل، ولا يمكننا التأثير على قراراتها وخياراتها".
ويؤكد الناشط: "عينّا مديراً مالياً في المجلس منذ عام 2012، ولكن صلاحيات وقدرات ذلك المسؤول كانت صورية لأن كل جهة لها ممولها، وبالنتيجة فكل ما فعلناه كان من باب الشكلية، وبلا مفعول كامل".
المصير الواحد هو ما يجعل الجميع ينسّقون بين بعضهم البعض، ويقومون بأدوارهم بشكل متكامل، رغم تعثر المجالس المحلية وهيئات التنسيق المدني والعسكري
ولدى سؤالنا له إن كان المجلس قد تلقى دعماً من الائتلاف الوطني، باعتبار أن الائتلاف بنى جزءاً كبيراً من شرعيته على تمثيل المجالس في هيكليته ودعمها، أجاب أبو الخير: "لا، لا أبدا، إنما كان نتلقى بعض الدعم من مجلس قيادة الثورة، ثم أني لم أسمع بأن المعارضة قد دعمت أحداً، فالداعمون عموماً يدعمون الفصيل الذي ينتمي لهم، وهنا المشكلة الكبيرة، فشبابنا، من مقاتلين وناشطين مدنيين، يقولون دائماً: "يلي بيتجوز أمنا منقلوا عمنا" وعندما ينقطع "العم" عن الدعم، لا يعود عمهم! هذا هو واقع الحال، فهو واقع غير جيد".
في الحقيقة يبدو حديث الناشط البرزاوي مخيباً للآمال، حيث يحوي سرداً تفصيلياً للأسلوب الذي شتت فيه الدعم المسيس والمشروط والفاسد البنية الاجتماعية الصلبة لمجتمعات الثورة، وأفسد كثيراً من إخلاص بعض الناشطين والجهات الثورية، إلا أنه لا تزال هناك الكثير من النقاط المضيئة في الريف الدمشقي، لعل أبرزها التضامن والتنسيق بين المقاتلين في مختلف البلدات والقرى، مما شكل سداً منيعاً بوجه جيش النظام، وحمى المدنيين من الاجتياحات العسكرية والمجازر الجماعية، يقول أبو الخير: "على الصعيد العسكري هناك تعاون وتكامل مع حرستا ودوما والقابون، ويوجد عدد كبير من المقاتلين البرزاويين في دوما، وفي برزة تم الاستعانة في بعض الأحيان بمساندة حرستا أو القابون أو ركن الدين. هناك تنسيق كامل غير معلن".
ويرجع أبو الخير سبب هذا التنسيق، الذي استمر رغم فشل الكثير من محاولات هيكلة الثورة، ورغم التشتت الكبير الذي أصاب الثوار نتيجة تعدد مصالح جهات الدعم، إلى:"المصير الواحد والمجرم الواحد، هذا ما يجعل الجميع ينسّقون بين بعضهم، ويقومون بأدوارهم بشكل متكامل، رغم تعثر المجالس المحلية وهيئات التنسيق المدني والعسكري".