حلب: المكان، الناس والحرب
الأرمن في الأزمة السورية..
عمل إغاثي ومئة مقاتل... و"حلب الجديدة" في قلب أرمينيا!
(1)
جورج .ك. ميالة
يحجب المشهد الدموي ووحشية الحرب السورية أعين الناس عن تغيرات ديموغرافية بطيئة وعميقة تطال مكونات المجتمع السوري ومدينة حلب خصوصاً، هذه المدينة التي تميزت طويلاً بتنوعها السكاني، وخاصة الحضور المميز للمكون الارمني فيها، الذي لطالما أضاف نكهة جميلة ومميزة للمجتمع في حلب.
حلب اليوم فقدت قسماً كبيراً من أهلها وناسها ومعالمها العمرانية والتاريخية، وبالتأكيد كان تنوعها الاجتماعي والثقافي أحد أهم الخسائر التي تكبدتها نتيجة النزاع المستمر. فحلب أصبحت الآن بلا أرمن!
مواقف متعددة حيال الأوضاع في سوريا:
أطلق عدد من رجال الكنائس الأرمنية بياناً في آب 2012 رداً على الأحداث الجارية في حلب، حيث استنكروا كل مظاهر التطرف الديني ورفضوا التسلح في الكنائس تحت أي مسمى، كما حيّدوا أنفسهم ورعيتهم الدينية عن الصراع الدائر في سوريا كونهم أقلية ولا يؤمنون بحمل السلاح. كما ركز البيان على أن: «الطريق الوحيد لإحلال السلام وترسيخ مفاهيم المحبة والتعاون وبناء الوطن، لا يأتي إلا بالحوار البناء، الذي يجب أن يكون اللغة الوحيدة بين كل الأطراف من أجل إرساء العدالة في الوطن».
وكان نتيجة ذلك البيان أن حُرم الأرمن من مقعد في مجلس الشعب لأول مرة منذ عام 1971.
سجّل ناشطون في مدينة حلب حوالي المائة شاب أرمني كانوا قد تطوعوا في كتاب البعث، وعنهم يقول أبو حيدر قائد «الشرطة الثورية» في حي صلاح الدين في مدينة حلب:
«لم نسجل أي مشاهدات لـ«شبيحة» أرمن على جبهات القتال مع النظام، ولكن وصلتنا تقارير تقول أن هناك شباناً أرمنيين تطوعوا مع كتائب البعث لحماية حاراتهم، ولكن أغلبهم تورطوا فيما بعد بأعمال «تشبيحية»، حيث يشكلون عصابات لسرقة البيوت في أحياء محطة بغداد والأشرفية».
ويضيف أبو حيدر: «دخل الجيش الحر إلى حلب في رمضان 2012، وبعد حوالي الشهرين اضطررنا للدخول إلى حي الميدان ذي الأغلبية الأرمنية لعدة ساعات من أجل ضرب فرع المداهمة التابع للأمن العسكري، ولم نشأ البقاء حتى لا نجلب ويلات النظام لأخوتنا الأرمن هناك».
شباب أرمني في قلب الحراك السوري:
تقول ليليانا الطالبة في السنة الرابعة في كلية الطب البشري في جامعة حلب: «عندما كنت في الجامعة كنت أرى المظاهرات اليومية في الجامعة ولم أكن أشارك فيها، ولكن عندما رأيت طريقة تعامل الأمن مع الطلاب والطالبات وكيف يتم ضربهم وسحلهم في الجامعة، وبعد استشهاد عدد من أبناء دفعتي على يد المخابرات الجوية بحجة أنهم يقدمون العلاج للإرهابين! فكرت طويلاً بأنني سوف أقسم قسم « أبقراط « والذي يقول أنه علينا كأطباء تقديم العلاج لكل البشر بغض النظر عن الطائفة واللون والعرق، وتساءلت بيني وبين نفسي: «ما هذا النظام المجرم الذي يمنع الأطباء من ممارسة واجبهم المقدس بعلاج الناس، قررت بعد ذلك المشاركة في مظاهرات الجامعة لإسقاط هذا النظام الظالم، حتى أصبح التظاهر لدي عادة يومية بعد انتهاء دوامي في الجامعة».
توجه الكثير من الشباب الأرمني بدافع التعاطف الانساني مع أبناء مدينتهم للعمل في الجانب الاغاثي ضمن المنظمات الأهلية الموجودة في مدينة حلب، وتطوعوا في العمل مع النازحين وتفوقوا به لأن لديهم خبرة في العمل الجماعي والتطوعي مع فرق الكشاف التابعة للكنيسة.
تقول كريستين التي تطوعت في الهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين في حلب:
«تطوعت منذ أكثر من عام وأنا طالبة جامعية، أعمل حالياً في قسم التسجيل والزيارات والتقييم، نظمت الهيئة اليسوعية برنامج حياتي اليومي، فبعد أن كنت أستيقظ متأخرة أصبحت أستيقظ باكراً لتطوعي في الهيئة، وأنا الآن أكثر نشاطاً من ذي قبل، وبدأت مع بداية عملي التطوعي أشعر بمعاناة الآخرين، وبالإنسان الذي أسكن معه في مدينة واحدة، بعد أن كنت أعتقد سابقاً أنني أكثر من أعاني معيشياً في الحياة، اليوم أرى أن أصدقائي المتطوعين الذين يعملون معي هم الأشخاص الأكثر قرباً لي في الوقت الحالي».
أما عادل، الطالب في المرحلة الثانوية، فهو من أصغر المتطوعين في الهيئة، وقد تطوع فيها منذ أكثر من عام، وقد رأى أن العمل التطوعي نظم له برنامج عمله اليومي ومنحه خبرة كبيرة في طريقة التعامل مع الأخرين؛ المتطوعين والنازحين والمتضررين، كما أعطاه العمل القدرة على ضبط التوتر الذي عانى منه سابقاً، ومنحه دروساً في الصبر وتحمل المسؤولية وطريقة الإدارة، وعرّفته الهيئة على أصدقاء وإخوة جدد في حياته.
أما خاجيك المصور ذي الـ 86 عاماً، والذي يملك استديو للتصوير الفوتوغرافي في شارع التلل الشهير يقول: «أنا سوري من أصل أرمني ومدينتي هي حلب، فيها ولدت وفيها سوف أموت مهما حصل في المدينة». ويضيف بلهجة منكسرة: «إذا طلعت السمكة من المي بتموت، وانا إذا طلعت من حلب بموت، بعشق تراب وحجار حلب».
أوضاع اللاجئين في أرمينيا:
يبلغ عدد الأرمن الذين سافروا خارج سوريا بعد الأزمة حوالي 21 ألفاً، ستة عشر ألفاً وصلوا إلى أرمينيا، وخمسة آلاف سافروا باتجاه السويد وهولندا والنمسا، وهناك الآلاف في بيروت وتركيا بانتظار الهجرة بشكل نظامي أو غير شرعي وخصوصا باتجاه أوروبا.
يقول الصحفي آرا سارسيان المطلع على أوضاع الأرمن الوافدين إلى جمهورية أرمينيا:
«أغلب الواصلين إلى أرمينيا تمكنوا من الاندماج بحكم أنهم يتكلمون اللغة الأرمنية، وأغلب الواصلين من الطبقة الوسطى يعملون بشكل يومي كي يستطيعوا تغطية تكاليف الحياة الغالية هناك».
وعن مشروع «حلب الجديدة» في العاصمة الأرمنية يرفان يقول الصحفي آرا سارسيان:
«هو عبارة عن مشروع ضاحية سكنية بالقرب من العاصمة يرفان، وحتى الآن لم يبدأ العمل به بشكل جدي، المشروع سوف يقدم شققاً للأرمن من أصل سوري بأسعار مخفضة وتسهيلات بنكية كبيرة، وأصر الأرمن من أصل سوري على تسميته بـ«حلب الجديدة» من أجل الحفاظ على ذكرى مدينة حلب التي طالما أحبوها واندمجوا مع مجتمعها».
وعن المساعدات التي تقدمها الحكومة الأرمنية يقول سارسيان: «تقدم الحكومة حصصاً غذائية شهرية للأسر المحتاجة، كما تقدم سكناً مجانياً للقادمين من سوريا في المدينة الجامعية، وهناك إعفاء من الرسوم الجامعية يصل لحد الـ 70 %».
الأرمن في ظل الأسدين:
يصعب الكلام عن رأي أرمني عام موحد حول الحراك السوري، حيث عانى الأرمن بصمت مع السوريين في ظل حكم الأسد الأب، وعرفوا مثل بقية أبناء المجتمع السوري التهميش السياسي والاقتصادي، ولكن لغة الأرقام هي الأكثر دلالة حيث تشير الإحصائيات غير الرسمية أنه عند استلام حافظ الأسد للحكم كان عدد السوريين من أصل أرمني حوالي الـ250 ألفاً، وبفعل التدمير الاقتصادي والاجتماعي وسياسة التهميش والافقار لجميع أبناء المجتمع السوري، عمد الكثير منهم للهجرة باتجاه أوروبا والولايات المتحدة بحثاً عن فرص أفضل للحياة، ليصل عدد الأرمن في عهد الأسد الابن إلى ثمانين ألف فقط، يتوزع حوالي ستين ألفاً منهم في حلب، وعشرة آلاف في مدينة القامشلي، وستة آلاف في دمشق، وأربعة آلاف في كسب في اللاذقية، وينتمون للطوائف الإنجيلية والأرثوذوكسية والكاثوليكية.
وقد حاول بشار الأسد التقرب من بعض رجالات الكنائس الأرمنية، حيث قام بزيارات متعددة لهم في حلب لإضفاء صفة العصرنة والتقرب من جميع مكونات المجتمع السوري على حكمه، غير أنه في الحقيقة لم يعط الأرمن أي امتيازات حقيقية في سوريا.
لم يخرج عن الأحزاب التقليدية الأرمنية الطاشناق (الحزب الأرمني الوطني الاشتراكي) والهاشناق (الحزب الأرمني الاشتراكي) والتي كانت نشطة في سوريا في عهد وجود الاتحاد السوفيتي، وتابعة للنفوذ السوفيتي في سوريا، أي موقف واضح بخصوص الأحداث في سوريا.
عن التمثيل في مؤسسات المعارضة يقول الصحفي آرا: «ليس هناك أي تمثيل أرمني في الائتلاف الوطني والمجلس الوطني ، ولكن لدينا اتصال مع جميع مؤسسات المعارضة السورية».
يقول الخبير الاجتماعي كرم معصراني: «إن عمل الأرمن بشكل حر بعيداً عن مؤسسات الدولة والنظام، وفر لهم استقلالاً في الموارد، ووضعهم في منطقة ما بين الطبقتين الوسطى والغنية، وجعلهم بعيدين نسبياً عن أعباء الحياة الاقتصادية التي أنهكت المجتمع السوري، وخصوصاً أنهم يعملون في القطاع الصناعي، ويحترفون مهناً لا يتقنها غيرهم في سوريا».
الأرمن تاريخياً:
العلاقة بين الشعب الأرمني وسوريا قديمة جداً، ويعود أول تماس مباشر لهم معها، وفق المصادر التاريخية، إلى العام 83 ق.م، حيث بقيت سوريا 16 عاماً تحت حكم المملكة الأرمنية، في عهد الملك ديكران الملقـب بـ«الكبير». كما هاجر عدد كبير من الأرمن إلى سوريا أيام الخلافة العباسية هرباً مـن الاضطهاد الديني والسياسي البيزنطي وغزوات التتار. ومنذ العام 301 ميلادي، أصبحت حلب مركزاً مهما للحجاج الأرمن في طريقهم إلى القدس، بعد أن أصبحت المسيحية دين الدولة الرسمي لأرمينيا. وقد عُثر في العام 1965 على كتابات أرمنية محفورة في الصخر، يصل عددها إلى 20، جنوبي مدينة دير الزور، تعود إلى العامين 1628 و1674. وفي العام 1877 انتُخب التاجر الأرمني مانوك قراجيان نائباً عن ولاية حلب في مجلس «المبعوثان الأول»، وهو المجلس النيابي في السلطنة العثمانية. وفي العام 1898 قدرت «السالنامة العثمانية»، وهي الكتاب العثماني الإحصائي السنوي، عدد السكان الأرمن في حلب بحوالي 4500 أرمني. لكن أبرز مفصل مرت به علاقة الأرمن بسوريا، وفقاً للمؤرخ الأرمني ريمون هـ. كيفوركيان، كان الهجرات الأرمنية الكبيرة بسبب الاضطهاد التركي المتواصل في الأعوام 1876 و1895 و1909 و1915 و1922 و1939 وبلغ عدد المهاجرين إلى سوريا ولبنان حوالي 125 ألف أرمني، منهم 75 ألفاً إلى حلب وضواحيها. ووفقاً للمؤرخ الحلبي الشيخ كامل الغزي فقد بلغ عدد سكان حلب 210 آلاف نسمة مع نهاية العام 1925، وكان الأرمن يشكلون 25 في المئة من سكان المدينة. وكان الأرمن السوريون أول من أدخل إلى البلاد جهاز التصوير بأشعة رونتنغن (1897) والتصوير الضوئي (1880) وأول سيارة إلى حلب (1909) وأول جرار في منطقة تل السمن (1926)، كما أدخلوا للمرة الأولى مهن الخراطة وطرق اللحام المختلفة وصناعة بطاريات الآليات والسيارات وقطع السيارات والحصادات والجرارات، وصنعوا محركات الماء من الألمنيوم وأجهزة أطباء الأسنان والغلاف الخارجي لآليات الـ«بيك آب» وصناديق الشاحنات الكبيرة والقاطرات منذ وقت مبكر من ظهورها، واستخرجوا زيت الزيتون بآلات حديثة. وشهد العام 1946 واحداً من الشواهد البارزة على انتمائهم إلى وطنهم السوري، حيث أصدر مطران الأرمن الأرثوذكس لأبرشية حلب وتوابعها، الأسقف زاريه بايسليان نداءً إلى المقاتلين الأرمن في الجيش الفرنسي كي ينضموا بأسلحتهم إلى الجيش السوري، فلبى الجنود الأرمن النداء. وقد منحه الرئيس الراحل شكري القوتلي وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى بموجب المرسوم رقم 381 تاريخ 2 نيسان لعام 1946.
***
النازحون في حلب الغربية.. مبادرات فردية وجماعية لا تفي بالغرض
الألاف من المواطنين ينامون في بالعراء.. وتجنيد للنازحين في المليشيات العسكرية وشبكات الدعارة والمخدرات
(2)
محمد همام زيادة
بعدما تصاعدت وتيرة العنف والقصف في مدينة حلب بشكل غير مسبوق، تفاقمت قضية النازحين إلى الشطر الغربي من المدينة، الواقع تحت سيطرة النظام، وزادها سوءاً إصرار بعض الأطراف على استغلال مأساة النازحين لغايات وأهداف غير مشروعة.
معبر كراج الحجز حاجز الفصل العنصري:
تستمر معناة أبناء حلب بالانتقال بين شطري المدينة عبر معبر الموت «معبر كراج الحجز».
يروي أبو فؤاد النازح من مساكن هنانو لـ«صور» :«كل ما أملكه من نقود 25 ألفاً، دفعت للعربة التي تنقل أغراضي الأساسية عبر المعبر ألفين وخمسمئة ليرة، فالأسعار زادت كثيراً بسبب الازدحام على المعبر نتيجة جشع الحمّالين».
ويتابع أبو فؤاد: «ليتني متّ بالبراميل ولم أنزح، ولكن خوفي على أطفالي دفعني إلى ذلك، هربنا من براميل الموت، ثم مررنا عبر المعبر تحت رحمة القناص الذي فتح رصاصه وأصاب سيدة خمسينية أثناء عبورها، بعد ذلك استقبلنا على حاجز المشارقة عناصر من حزب الله بالإضافة إلى «شبيحة» محليين من حلب، عندما شاهدوا هويتي وعرفوا أنني من حي مساكن هنانو، طلبوا مني أن أجلس القرفصاء، ثم أمشي لمدة 5 دقائق مشية «البطة»، وسمحوا لأبني الكبير فؤاد ابن الثلاثة عشر عاماً بالمرور بعدما رشقوه بالمازوت وهددوا بإشعاله وحرقه أمام عيني لأنه حسب قولهم «فرخ إرهابي»، اليوم نسكن في خيمة قرب «دوار الباسل»، لا يوجد صرف صحي ولا خدمات، نضطر للذهاب إلى جامع عبد الله بن عباس المجاور من أجل قضاء الحاجة».
بيوت على «العضم» ولا خدمات أساسية:
توجه قسم من النازحين إلى الأبنية غير المكسوة في مناطق الفيض والمشارقة ومناطق التماس بين قوات النظام والمعارضة المسلحة في حي الخالدية، واستلم النازحون «شوادر» من الهيئات والمنظمات والمبادرات الإغاثية، وقاموا بتوزيع نفسهم على هذه البيوت التي لا كسوة لها، ووضعوا فيها ما أحضروه معهم من متاع بسيط وأقاموا بأعداد كبيرة فيها .
لا توجد أية وسائل تدفئة لدى النازحين، وهذه الأبنية غير مجهزة بالكهرباء والماء والصرف الصحي، وحصلت عدة حوادث سقوط من شرفاتها لأنها أبنية غير مكتملة البناء، أدت لوفاة طفلين وإصابة اثنين إصابات خطرة .
يقول ناصر المتطوع في إحدى الجمعيات الإغاثية في منطقة «حلل»: «الاحتياجات الأهم بالنسبة للنازحين هي المياه الجارية والصرف الصحي، وفي مرحلة تالية الكهرباء».
أما في منطقة «جمعية تشرين» التي نزح إليها حوالي الألف شخص يبدو الوضع أكثر سوءاً، حيث يعيش هؤلاء دون أي مراحيض أو صرف صحي، والأوساخ تجري بين الأبنية والروائح لا تطاق، وقد حاول بعض النازحين تحسين أوضاعهم بمبادرات فردية، حيث قاموا ببناء مراحيض عامة بدائية لا ماء فيها.
تروي الناشطة روضة والتي رفضت الكشف عن اسمها الكامل للضرورات الأمنية: «إحدى المبادرات الأهلية تواصل العمل لأجل النازحين، وتلقت وعوداً من مؤسسة المياه بتأمين خزانات مياه للشرب ومن شركة الكهرباء بإيصال الكهرباء، ووعوداً من مجلس المدينة بتأمين مراحيض ميدانية مسبقة الصنع مع توصيل مجرور اليها، وحتى اللحظة لم يتغير في الوضع شيء».
وتضيف روضة: «قام فرع حلب للهلال الأحمر العربي السوري بالتعاون مع جمعية أهل الخير بتركيب خزانين للمياه في جمعية تشرين في حي الحمدانية بسعة 45 ألف لتر لكل خزان، ولكنها للأسف لا تفي بالغرض، ومازالت المنطقة بحاجة إلى خدمات أخرى كترحيل القمامة وتركيب حمامات نظامية، وهناك مشكلة خطيرة أن الأطفال النازحين باتوا محرومين من التعليم مما يهدد آلاف الأطفال النازحين من القسم الشرقي في المدينة بضياع العام الدراسي، فأغلب الأهالي مشغولين بتأمين متطلبات الحياة الأساسية من طعام ومياه وكهرباء».
جهود جبــارة للهــلال الأحــمر وســط مضايقات أمنية:
تقوم منظمة الهلال الأحمر في مدينة حلب بجهود كبيرة وسط اتهامات من قبل بعض أطياف المعارضة بالعمالة للنظام، ووسط ملاحقات أمنية وتدقيق كبير على المتطوعين في المدينة، ويرتبط حجم المساعدات ونوعيتها بحال الطرق، فعندما تخفّ الاشتباكات بين المعـارضة وقوات النــظام تدخل المساعدات إلى الهــلال الأحمر بطــريقة أسهل، ويبذل المتطوعون جهوداً حثيثة من أجل الوصول إلى المفاصل الحساسة لحياة الناس كمحطات المياه والكهرباء، حيث يعانون من صعوبة التواصل مع الأطراف المتحاربة.
يقول أحد المتطوعين الذي رفض الكشف عن اسمه للضرورة الأمنية: «عندما تعطلت شبكة المياه بالقرب من حي المرجة، قمنا بالاتصال مع كتائب الجيش الحر وفروع الأمن في المدينة لمدة خمسة عشر يوماً وسط اتهامات من الطرفين أننا نعمل لصالح الطرف الآخر، وهذا التأخير سبب نزوح أهالي الحي لانعدام المياه، حيث كان النزوح الأول لهم بسبب القصف العنيف بالبراميل المتفجرة».
مبادرات فردية لا تفي بالمطلوب:
تقدم أحد تجار حلب بـ400 وجبة غذائية يومياً، وأعلن استعداده لمضاعفة العدد، بعدما تيقن من تسليمها كاملة للنازحين من قبل لجنة المنطقة.
كما قدمت مجموعة من التجار خدماتها عن طريق المطبخ الخيري الكائن في الحديقة العامة، والذي يقدم خمسة عشر ألف وجبة يومياً بتمويل ودعم من هؤلاء التجار، كما تقوم منظمة الهلال الأحمر أيضاً بدعم المطبخ بالمواد الغذائية التي تصلها عن طريق منظمة الغذاء العالمية، وتدعمه كذلك لجنة الإغاثة بالمحافظة وذلك بإمداده بالمازوت مجاناً.
المدينة الجامعية بين التهديد الأمني وخطر الأمراض والأوبئة:
تحولت الكثير من غرف المدينة الجامعية إلى سكن للعناصر المسلحة الموالية للنظام، الذين ارتكبوا الكثير من الانتهاكات دون أية سلطة رادعة، وأقاموا شبكات تجنيد لصالح الفروع الأمنية لإرسال النازحين إلى الجبهات، مستغلين الحاجة المادية وفقر حال النازحين، حتى وصل بهم الأمر لدرجة أن يقوموا بطرد النازحين من سكنهم إن لم يقبلوا العمل لصالحهم، كما يدير هؤلاء شبكات للدعارة والترويج للمخدرات ضمن أوساط النازحين.
تقول المعلمة هيام المطلعة على أوضاع النازحين: «الشبيحة اليوم هم السلطة المطلقة في سكن للنازحين يتسع لحوالي خمسة عشر ألف نازحاً، وسط عجز كبير للجمعيات الأهلية عن ضبط الحالة الأمنية نتيجة نفوذ «الشبيحة» الواسع، للأسف أطلق النظام في حلب سلطة «الشبيحة» ليأخذوا المدينة رهينة لإجرامهم».
ومع قدوم الصيف تنتهي معناة النازحين مع البرد الشديد، ويأتي التهديد بأمراض وأوبئة الصيف، لتكتمل رحلة معانتهم للعام الثاني.
تقول الدكتورة ديمة الاخصائية في الصحة العـامة في حلـــب لـ«صور»: «هذا هو الصيف الثاني الذي يمر على النازحين في المدينة الجامعية، ونتيجة القصف بالبراميل عادت المدينة الجامعية للاكتظاظ بالفارين من الموت والدمار، وبسبب الأعداد الكبيرة من النازحين بات خمسمائة شخص يقتسمون ثمانية دورات للمياه، كما أن قلة النظافة والماء، وعدم ترحيل القمامة، وانقطاع الكهرباء المتواصل عن المدينة، جميع هذه العوامل أدت إلى انتشار واسع للأمراض، أولها التهاب الكبد المعروف في حلب بـ«أبو صفار»، والذي ينتقل عن طريق الحمامات ودورات المياه، ومع قدوم الصيف نخشى من أوبئة نسيها الطب كالكوليرا، وغيرها من الجائحات الوبائية، وما يزيد الأمر سوءاً أن هذا الشتاء لم يأت بأمطار غزيرة وبالتالي المياه سوف تكون قليلة مقارنة بالعام الماضي».
تستمر معاناة النازحين الحلبيين رغم أنهم لم يغادروا مدينتهم بل انتقلوا فقط بين شطريها بعد أن مزقتها الحرب والنزاع، ليلاقوا مختلف أنواع العذاب في انتقالهم هذا سواء على الحواجز العسكرية والأمنية أو من قبل العناصر المسلحة الموالية للنظام، وأمام كل هذه المعاناة يقف الأفراد والمنظمات الإغاثية عاجزين عن تقديم العون المطلوب لهؤلاء الضحايا، في حيت تفشل كل المبادرات السياسة والتفاوضية في إيجاد حل جذري للأزمة السورية التي جعلت من هؤلاء ضحايا لنزاع طويل لا ينتهي.
***
سماسرة الأزمة.. أغنياء الغد في حلب!
(3)
لبنى سالم
«سماسرة الأزمة» أحد المصطلحات المستحدثة التي أطلقت على ممارسي السمسرة في مساحات خُلقت بفعل أزمة الحرب في البلاد، «سماسرة الأزمة» مصطلح مشابه في النشوء مختلف في المحتوى عن «تجار الأزمة»، ولعل أهم ما يجمع سماسرة الأزمة مع تجارها هو كونهم من أكبر الفئات الاجتماعية المستفيدة من عسر الحال المعيشي والاقتصادي بعكس حال معظم الفئات الأخرى، ويطلق على أفراد هذه الفئات شعبياً جماعة «الله يديم علينا هالثورة».
يرتكز مضمون عمل السمسرة في حلب على تسهيل سير الأمور التي يجد الناس صعوبة في إنجازها في الوقت الحالي لأسباب كثيرة ومتفرعة، ذاعَ سيط السماسرة في الآونة الأخيرة، فقد أدراك الناس طول أمد الواقع المرير الذي يعيشونه وباتوا يرغبون في إكمال حياتهم مهما ضاقت بهم السبل ومهما كلفهم الأمر.
تقول السيدة حسناء: «بتنا نجد حاجة للسمسرة في جميع التفاصيل الحياتية التي علينا القيام بها في كل يوم، عندما أذهب لمحطة الوقود أدفع للسمسار كي يسهّل مروري، عندما نقلت أطفالي الذين ضاعت أوراقهم في المناطق المحررة إلى إحدى المدارس هنا احتجت أيضاً إلى سمسار، حتى عندما اشتركت في خط إنترنت لم أستطع ذلك دون سمسار، لا ألومهم بل ألوم نفسي وألوم الناس الذين يطاوعونهم ويدفعون لهم المال، أعتقد أن علينا أن نبدأ بأنفسنا إن أردنا أن نضع حداً لهذه الظاهرة التي باتت مخيفة فهي ترتب أعباءً مادية ضخمة على كل عائلة».
يعيش السماسرة على المقابل المادي الذي يتقاضونه من المواطنين وتعتبر دخولهم عالية مقارنة بالرواتب التي يتقاضونها أو كانوا في وظائفهم السابقة.
استغلال لخوف الناس ومصائبهم
معظم سماسرة اليوم هم من الموظفين في دوائر الحكومة أو من الذين اعتمد عملهم السابق على التعامل مع المسؤولين وضباط الأمن، حتى باتوا أهل للثقة بالنسبة لهم، فقط السماسرة يستطيعون تيسير الأمور التي لا يسمح القانون والتشديدات الأمنية بتيسيرها وذلك بالتعاون مع المسؤولين، الأمور الأمنية وتعقيداتها التي خلفت الكثير من المشاكل للمواطنين هي من أبرز الميادين التي نشط فيها السماسرة وما زالوا حتى اليوم.
يتحدث أبو خالد عن تجربته المريرة في التعامل مع العديد من السماسرة في سبيل إخراج ابنه من معتقلات النظام: «دخت السبع دوخات ودفعت 500 ألف ليرة لسماسرة بهدف إخراج ابني من المعتقل، منذ الأسبوع الأول لاعتقاله بدأت تنهال علينا العروض لإخراجه من فرع أمن الدولة بمقابل مادي، منهم من طلب 50 ألفاً وآخرون طلبوا 100 ألف ليرة، لم أكن على يقين من صدقهم في البداية، لكن بعد مرور أشهر على الاعتقال اضطررت للركض ورائهم طالباً العون، فطلبوا مني أسعاراً أكبر من السابقة، مدعين أن الأمور باتت أصعب عليهم بعد مرور أشهر على الاعتقال، لكن وكما يقولون الغريق يتعلق بقشة، قابلت ثلاثة سماسرة من الموالين للنظام في حلب الذين تربطهم علاقات مع ضباط المخابرات كما يدعون، أحد السماسرة كان من التجار المتعاملين مع الضباط لتسوية أمور عمله، خرج أبني بعد 6 أشهر من المعتقل بعد أن دفعت هذه المبالغ الكبيرة، وأدعى جميعهم أنهم هم من أخرجوه ليروجوا لعملهم هذا، لكنني لم أعلم حقيقة ما حدث حتى اليوم».
سلطتهم أعلى من الموظفين دون صفة رسمية
الدوائر الحكومية في حلب هي إحدى أكثر الأماكن التي يجد فيها المواطن السوري اليوم صعوبات في تيسير أوراقه، تتعدد الأسباب من المشاكل التقنية التي أنتجتها انقطاعات الكهرباء وشبكة الإنترنت إلى ضياع الكثير من الوثائق بسبب انتقال العديد من الدوائر الحكومية من مناطق تضررت بفعل العمليات الحربية، عدا عن الصعوبات التي يجدها المواطنون في استكمال أوراقهم من مناطق خطرة أو محافظات أخرى، يعجز الكثير من الموظفين عن التساهل بسبب خوفهم من الوشاية ورعبهم من أن يفقدوا رواتبهم كما حدث للكثير من زملائهم، حالة العجز التي تحاصر المواطنين في الدوائر الحكومية تدفعهم للبحث عن السماسرة في هذه المؤسسات، ويُعرف عن السمسار في هذه المؤسسات قدرته على فعل أي شيء، ولكل شيء مقابل!
يقول عمار وهو موظف في بلدية حلب: «أعمل في المبنى البلدي المليء بالجنود و«الشبيحة»، أنا وجميع الموظفين نعمل في جوٍ من الحذر الشديد والخوف، القوانين التي يسير المواطنون على أساسها اليوم معقدة بسبب عدم توفر الظروف الملائمة لاستيفاء شروط معاملاتهم، مع هذا لا نستطيع التغاضي أو التساهل ولا نمتلك السلطة لفعل هذا، الخوف من المخبرين في المؤسسة تضاعف كثيراً عن السابق والخوف الأكبر هو الفصل من الوظيفة الذي طال الكثيرين في الآونة الأخيرة، مع كل هذا نكون مضطرين لتسوية أية معاملة يأتي بها أحد السماسرة، وهو من «الشبيحة» غالباً، ومقرب من الضباط الموجودين في المبنى».
150 ألـف ليرة الحـد الأدنى للحصـول عـلى تأجيل عسكري
إعفاء الشبان من الالتحاق بالمؤسسة العسكرية السورية هو من أعقد الأمور التي يقوم بها السماسرة في حلب ومحافظات أخرى، وبالرغم من التشديدات الأمنية الكبيرة في المؤسسة العسكرية والحاجة الكبيرة لإلحاق أكبر عدد ممكن من الشبان في الحرب التي يخوضها النظام اليوم، لا يزال بمقدور سماسرة التأجيلات الحصول على تأجيل لأي شاب غير متورط بالحراك المعادي للنظام، يقول الأستاذ سالم (اسم مستعار) وهو محام: «تربطني علاقة جيدة بالعديد من الضباط في المؤسسة العسكرية بحكم عملي السابق في المحاكم العسكرية، لست من «الشبيحة» أو من المؤيدين للنظام لكن طبيعة عملي تفرض علي التعامل معهم، بدأ الأمر بالتوسط لبعض الشبان لتسوية أمور تأجيلهم، فاستعملت علاقاتي وطلب مني الضابط رشوة مقابل كل تسهيل، وسرعان ما لمست ترحيباً من هؤلاء الضباط للتعامل معي في التأجيلات كونهم يثقون بي، فحددنا سعراً لكل حالة تأجيل، يعود القسم الأكبر منه لهم، وأتقاضى 20 ألفاً على كل تأجيل، يقول لي بعض الناس أني تحولت من المحاماة للسمسرة، لكن ما أقوم به اليوم مهم لجميع الشبان، وبالرغم من ارتفاع سعر التأجيل، وهو بالحد الأدنى 150 ألف ليرة، لكنه إنقاذ لمصير الكثيرين».
تجار يبيعون المسروقات
يدرك السماسرة في حلب اليوم غياب أي جهة حكومية أو غير حكومية تولي أهمية للحد من نشاطاتهم، خصوصاً من وجود أكثر المستفيدين من عملهم داخل المؤسسات الحكومية ذاتها، يقول سيف وهو تاجر: «تحول العديد من التجار في الفترة الأخيرة لسماسرة لرجالات النظام في المدينة، وأصبح عملهم استلام ما يوفرون لهم من البضائع ليوزعوها على باقي التجار، ونجد أنفسنا مضطرين للشراء منهم بسبب الصعوبات التي تعترضنا إن أردنا أن نحصل على البضائع من أماكن أخرى، تشمل هذه الصفقات المواد الغذائية وبينها كميات ضخمة من المساعدات التي جاءت للمحتاجين والملابس والأدوات الكهربائية وكل البضائع المسروقة من مناطق الاشتباكات، تجمع البضائع بعد سرقتها وتعطى لهؤلاء السماسرة ليتولوا عملية بيعها، العائد المادي كبير جداً، جميعهم منشغلون اليوم بجمع الثروات وقد يصبحون غداً من أكبر تجار وأغنياء سورية».
ويحاول رجال السمسرة استغلال الظرف الحالي لتنمية ثرواتهم المستحدثة قبل حدوث أي طارئ قد يغير ظروفهم ويقطع أرزاقهم!