لجان وجيوش "الدفاع الوطني" في إدلب
لجان وجيوش "الدفاع الوطني" في إدلب
- جنون المكاسب والسلطة يجتاح المدينة!
- حرب "أبناء العمومة" تزرع الانقسام الاجتماعي وتستلب المدنيين
عثمان إدلبي
انتقلت معظم الفئات الموالية للنظام في ريف محافظة إدلب للعيش داخل مدينة إدلب، بعد أن نزع عن تلك الفئات غطاء حماية النظام لها عندما فقد الأخير سيطرته بشكل كامل على ريف المدينة، ولا نقصد بالموالين هنا من كانوا يساندونه معنوياً، إنما من حمل السلاح وشارك في قمع الحراك الشعبي في المحافظة، حتى باتت مدينة إدلب اليوم أشبه بمعسكر كبير لموالي النظام المسلحين، يعتقل داخله آلاف المدنيين المسالمين من أبناء المدينة، المهددين دوماً بحياتهم ولقمة عيشهم.
عمد النظام إلى تنظيم هذه القوات وتقديمها تحت مسمى «وطني شرعي»، فشكّل بداية «اللجان الشعبية» في الأحياء، التي تحولت اليوم إلى ما يسمى بجيش الدفاع الوطني. وقد شُكل جيش الدفاع الوطني، إنقاذاً لما أصاب الجيش السوري من انشقاقات وحالات تسرب وفرار استمرت طوال السنوات الثلاث السابقة.
استغل النظام ولا يزال انعدام الوعي لدى بعض الفئات البسيطة مسلوبة الحقوق، ليجندها فكرياً أولاً عن طريق حقنها بشعارات الدفاع عن الأرض والعرض، ليكون لديها قناعة تامة بأن مصيرها في حال خروجها من تحت جناح النظام هو الموت، وقد أطلق إعلام النظام الشعارات التي يصف بها المدنيين الذين حملوا السلاح إلى جانبه بأنهم من يحمي الوطن بسواعده، لتقوم بعدها الأفرع الأمنية بتوزيع السلاح على أعداد كبيرة من المدنيين من أبناء المدينة والريف، وتقوم بتنظيمهم ضمن عدة تشكيلات تختلف مسمياتها وتتبع جميعها للأفرع الأمنية، حيث تجاوز عدد المجندين في جيش الدفاع الوطني واللجان الشعبية في إدلب الـ 2500 عنصر.
انتماءات متعددة
شرط الانتساب الوحيد الذي يضعه المسؤولون عن هذه اللجان هو أن يكون الشخص من أبناء محافظة إدلب لدرايته بجغرافية وسكان المنطقة، وبعد ذلك يخضع المتطوع لدورة تدريبية على بعض الأسلحة الخفيفة مدتها 20 يوماً، وتكون هذه الدورة إما في أحد الأفرع الأمنية أو في معسكر المسطومة الواقع على طريق إدلب أريحا.
يقول عبد الغني، وهو أحد العناصر المنشقين من سجن إدلب المركزي: «أخرج رئيس فرع أمن الدولة في إدلب بعض المجرمين وأصحاب السوابق من السجن، بعد أن طلب لهم عفواً رئاسياً، ليستغلهم ويجندهم ضمن مجموعات شديدة الولاء له، عشوائية التصرف، ليساندوا الأفرع الأمنية في مهامها».
في إدلب لم تكن مجموعات المسلحين الموالية للنظام تنتمي لطائفة واحدة، ولا من منطقة واحدة، إنما عمل النظام ونجح في خلق نزاع طائفي ومناطقي في كامل المحافظة، حتى داخل المناطق الثائرة، بتجنيده لبعض المدنيين من أبناء هذه المناطق.
يقول لؤي وهو أحد المقاتلين في ألوية صقور الشام: «اضطررت إلى رفع السلاح في وجه ابن عمي وبعض أصدقائي وأبناء حيي، الذين جندوا من قبل النظام في احدى كتائب الدفاع الوطني، مستغلين غيرتهم على مدينتهم وأعراضهم، فأوهموهم أن من يحتل مدينتهم هم إرهابيون جاءوا لهتك الأعراض وقتل الناس».
مكاسب متعددة
يترأس جيش الدفاع الوطني في إدلب أحد الضباط السابقين في المخابرات السورية المنتمين لطائفة رئيس النظام، يمنح هذا الضابط عناصره نفوذاً كبيراً داخل المدينة، وخولهم بالاستيلاء على كل محل تجاري أو منزل او سيارة يشكُ بأنها ملك لأشخاص غادروا المدينة وانضموا لإحدى فصائل المعارضة، عسكرية كانت أم سياسية، يخصص جيش الدفاع الوطني راتباً شهرياً يزيد عن 20 ألف ليرة سورية لكل متطوع في كتائبه، إضافة إلى جرتي غاز و600 ليتر من مادة المازوت في فصل الشتاء.
ويقول سعيد وهو أحد أبناء مدينة إدلب: «لاحظت أن أغلب «الشبيحة» لا يريدون أن تنتهي هذه الأزمة، فما يقدم لهم اليوم من نفوذ وسلطة ومال لم يحلموا به من قبل، أحد «شبيحة» جبل الزاوية حصل عل بيت وسيارة فخمة كانوا ملكاً لأحد تجار إدلب الذي كان يقدم العون المادي لبعض فصائل المعارضة، فاستولى عليهم هذا «الشبيح» بعد أن هرب التاجر خوفاً من اعتقاله. كما قام بعض «الشبيحة» بتطويع جميع أفراد عائلته من نساء ورجال في جيش الدفاع الوطني، طمعاً بالراتب الذي سوف يتقاضونه».
عند تأسيس جيش الدفاع الوطني، أشاع النظام بأن هذا الفصيل مهامه مقتصرة على حماية الأحياء المدنية في المدينة والدفاع عنها في حال قامت قوات المعارضة بمهاجمتها، ولا علاقة لأفراده بالقتال على الجبهات، لكن اليوم يشرك النظام هؤلاء المسلحين في جميع معاركه ليكونوا خط الدفاع الأول في جبهاتها. محمد أحد موظفي المستشفى الوطني في إدلب قال: «إن معظم الجثث التي جاءت إلى المشفى مؤخراً كانت لمقاتلين من الدفاع الوطني واللجان الشعبية، فيما كان عدد القتلى من عناصر الأمن والجيش قليلاً جداً مقارنة بقتلى اللجان وجيش الدفاع الوطني».
طباع غريبة!
يلاحظ أغلب أهالي إدلب أن عناصر الأمن والدفاع الوطني في المدينة توحدت لهجاتهم رغم اختلاف أصولهم وبيئاتهم، فجميعهم أصبحوا يتقنون لهجة ساحلية، ويتكلمون بها بفخر غير مبرر، كما أن أغلب المسلحين أصبحوا يرتدون (الخلعات) الخضراء والقلائد التي ترمز للطائفة الشيعية كسيف ذي الفقارـ ويستمعون دائماً في سياراتهم لأغان شيعية تدعى بـ«اللطميات».
يقول فاروق وهو أحد موظفي القصر العدلي في إدلب: «رغم النفوذ الكبير الذي منحه النظام لهؤلاء «الشبيحة»، إلا أنهم يخضعون لرقابة شديدة لأنهم من الطائفة السنية رغم ولائهم الشديد للنظام، ويمكن تصفيتهم عند الشك بضعف ولائهم لرئيس النظام والطائفة الحاكمة، يدرك «الشبيحة» هذه الحقيقة ويحاولون إثبات ولائهم لقادتهم بالتعبير عن حبهم للأقليات ولطائفة رئيس النظام عبر التشبه بـ«شبيحة» الساحل وممارسة طقوس الميلشيات الشيعية التي تقاتل لجانب النظام، يقوم «الشبيحة» باستفزاز أهالي المدينة عبر خرق تقاليدها المحافظة دينياً بارتكاب أفعال لم يعتد عليها سكان هذه المنطقة، كاصطحاب نساء غير محتشمات معهم في سياراتهم، والشرب والسكر علناً في شوارع المدينة».
تشكيل عسكري جديد
أخذ الخبر الذي بثه إعلام النظام عن تشكيل فصيل عسكري في إدلب يضم 2500 عنصراً من أبناء المدينة ضجة إعلامية كبيرة، فيما تعتبر بعض كتائب المعارضة المسلحة أن هذا التشكيل لن يؤثر على العمل العسكري لقوات النظام في إدلب، بل مهمته تشديد القبضة الأمنية على المواطنين المقيمين في مناطق سيطرة النظام. ويقول سمير وهو أحد المقاتلين في حركة أحرار الشام الإسلامية: «لاحظنا من خلال المعارك التي خضناها في المناطق المحيطة بمدينة إدلب ضد مقاتلي الدفاع الوطني أنهم لا يملكون الخبرة العسكرية ولا يتمتعون بمهارات قتالية، وليس لديهم دافع للقتال إلا حب المال والسلطة».
وبغض النظر عن مختلف التسميات ووجهات النظر، فإن ما يحدث في مدينة إدلب ومحيطها من تجنيد للمدنيين في مليشيات شبه نظامية، وإفسادهم بالمال والنفوذ غير القانوني هو جريمة مزدوجة يحق المدنيين، فهي من جهة استلاب لهؤلاء المدنيين والزج بهم في نزاع أهلي ومطامح سلطوية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ومن جهة أخرى هو انتهاك لحقوق وأمن وحريات أهالي المدينة الذين يعانون من تسلط هؤلاء المسلحين، وزرع لانشقاقات ومشاكل اجتماعية وأحقاد متجذرة قد يدفع الناس ثمنها غالياً فيما بعد. فضلاً عن زيادة التجييش الطائفي في البلاد، وإنشاء فئة مستفيدة من النزاع السوري ولا مصلحة لها بإنهائه.