info@suwar-magazine.org

النازحون الحماصنة

النازحون الحماصنة
Whatsapp
Facebook Share

 

 

رنا خليل

 

نزحت معظم العائلات من أحياء حمص القديمة التي نالت النصيب الأكبر من الدمار إلى بعض الأحياء الأكثر أمناً، وهي الوعر والحمرا والإنشاءات والغوطة وكرم الشمالي، وتوجه البعض إلى الريف الشمالي كقرية تير معلة.

 

يقول أبو عدنان المتحدث باسم تنسيقية حمص القديمة: «أغلب النازحين حتى اليوم يلجأون  للوعر، قلة قليلة من النازحين يذهبون إلى  المناطق المؤيدة داخل المدينة، حيث لا يحدث ذلك إلا في ظروف معينة، إن وجد لهم أقارب فيها مثلاً».

 

يجد الكثير من أهالي حمص صعوبة بالنزوح خارج المدينة ليتجنبوا المرور في القرى الموالية للنظام خوفاً من عمليات انتقامية قد يقعون ضحية لها، ويتجنبون أيضاً المرور في طرق السفر التي تملؤها حواجز النظام خوفاً من الاعتقال، هذا الحال يجبر الكثيرين على تنقل متواصل بين حي وآخر داخل المدينة هرباً من القصف والدمار. وتستثنى الأحياء الموالية للنظام من استقبال النازحين إلا فيما ندر، يقول سليمان وهو أحد النازحين: «الموالون يخافون من استقبال النازحين في أحيائهم ويعتبرونها حكراً لهم، لا مانع لديهم من استقبال نازحين من حلب أو دمشق لكنهم يمنعون النازحين من أحياء حمص الأخرى من السكن في أحيائهم». على العكس من هذا يجد النازحون في الأحياء الثائرة تعاطفاً وترحيباً كبيراً من ساكنيها، تقول عبير وهي ناشطة حمصية تعمل على مساعدة النازحين داخل أحياء حمص: «هناك مكسبٌ معنويٌ كبير لي، رغم حجم المآسي التي نتعامل معها، فالنزوح داخل حمص يجعلك ترى أهالي باب السّباع وبابا عمرو وباب هود وكرم الزّيتون وجب الجندلي وغيرها من الأحياء الثائرة، فنبضهم يخفق في كل مكان، روحهم الثائرة تحيي كلّ مناطق حمص بالقوة، يمكنني أن ألمس ألوان التراحم والتّعاطف والمحبّة من الأحياء المُضيفة، إنها حمص الرائعة دوماً».

 

اعتقال وحصار جديد للنازحين بموجب الاتفاق مع الأمم المتحدة!

 

اتفاق على إجلاء المدنيين من الأحياء المحاصرة في حمص هو جُل ما توصل إليه المؤتمر الدولي بين المعارضة والنظام، حيث تم إخراج 1400 مدني من الأحياء المنكوبة بين 7 و13 شباط، بعد أن عاشوا ما يقارب العشرين شهراً في ظل حصار خانق حتى كاد يقتلهم الجوع والمرض والرصاص. تمت العملية الإنسانية بحضور الهلال الأحمر السوري الذي نشر صوراً لعملية النزوح الجماعية، نساء وأطفال ورجال أنهكهم الجوع واعترى وجوههم الضعف والانكسار يُحبرون على ترك بيوتهم تحت أنظار العالم. يقول محمد وهو ناشط من المنطقة: «لم أشهد مأساة جماعية كهذه خلال سني الثورة الثلاث». وقد أشاعت هذه الصور حالة عامة من الحزن في قلوب جميع السوريين.

 

 تم خلال العملية الإنسانية توزيع المساعدات الغذائية لمن بقي داخل الأحياء ولم يستطع الخروج منها ومنهم المقاتلون ضد النظام، يقول عدنان الذي رفض الخروج من حيه خوفاً من الاعتقال الذي نال معظم أفراد عائلته خلال السنة الماضية: «كنا نعاني نقصاً فادحاً بالمواد الغذائية والأدوية، بذلنا جهوداً كبيرة لتقنين ما تبقى من الموارد خلال الفترة الماضية، لكننا وصلنا إلى حد الشح، ما دفع بعض الأهالي للبحث عن وسائل أخرى لجلب الطعام كجمع الحشائش وتناول لحوم القطط والكلاب». يضيف عدنان إن المساعدات الغذائية التي تم إدخالها كانت منقذاً مما آل إليه الحال لكنها غير كافية بتاتاً.

 

 

لم يكن مصير العديد من الخارجين من المدينة بأفضل حالاً، فقد قامت قوات النظام بعمليات اعتقال فوري طالت 336 مدنياً من سكان حمص القديمة، وقد ألمح المتحدث باسم مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة روبرت كولفيل بأن النظام بدأ حملة اعتقالات للمدنيين الذين خرجوا من أحياء حمص القديمة، وهو ما أكدته المتحدثة باسم المفوضية العليا للاجئين مليسا فليمينغ، وكشفت بأن النظام يحتجز المدنيين في مدرسة مهجورة. يقول أبو عدنان: «لا يزال هناك العديد من المعتقلين في مدرسة الأندلس في شارع الدبلان وأغلبهم يعانون من إصابات بالغة ويحتاجون للعلاج».

 

أم قاسم إحدى النازحات، تقول وقد شهدت عمليات التفتيش والتحقيق الفوري الذي قامت به قوات النظام مع النازحين: «خرجت مع زوجي وبناتي، وقد استجوبوا زوجي البالغ من العمر63 عاماً والذي أنهكه المرض والجوع، قالوا إنهم يريدون التأكد بأنه لم يكن من المقاتلين وحاملي السلاح، ولم يلحظوا بأن عمره لا يسمح له بحمل جرة غاز!»، تضيف أم قاسم: «قبلت بالخروج خوفاً من أن نموت ولا يسمع بنا أحد، كنا معزولين عن العالم ولم يكن حولنا إلا الموت، كنت أخاف أن نكون ضحايا مجزرة لا يسمع بها أحد».

 

من حصار إلى آخر

 

آثر الآلاف من الأهالي البقاء في بيوتهم لأكثر من سنة ونصف في ظل الحصار والقصف، يقول أبو عامر: «بقينا في بيتنا في حي الإنشاءات لعدة أشهر، شعرنا أن كل أنواع أسلحة العالم تستخدم هنا، لم نكن نستطيع النوم لأيام متواصلة، كنت أخاف أن أفقد أحد أطفالي بأي لحظة، يظن أطفالي أننا كنا في النار، ويسألونني لماذا كان الله يعاقبنا بالنار ونحن لا نؤذي أحداً؟!».

 

لم ينقذ الهروب من الحي النازحين في حمص من ملاحقة الموت ومتاعب الحصار لهم، يقول أبو عدنان المتحدث باسم تنسيقية حمص القديمة عن مسؤولية الجهات الدولية عن مصير النازحين الذين خرجوا بموجب الاتفاق الأخير: «من المؤكد بأنه لم يتم التكفل بهم نهائياً، لا من جهة دولية ولا سورية، باستثناء بضع مساعدات يكاد يمل ذات الأشخاص من التبرع بها، الوعر تحت حصار خانق اليوم وحال اللاجئين إليها ليس أفضل ممن تبقوا في حمص القديمة، إذ لا تزال ذات المخاطر والمخاوف تطاردهم من مكان إلى آخر». ويضيف أبو عدنان عن الطريقة التي يحصل فيها المحاصرون اليوم على المواد التموينية: «يحدث بين الحين والآخر اتفاقية مبادلة جثة لأحد مقاتلي النظام بمواد تموينية أو أسرى، وقد يتمكن الأهالي في بعض الأحيان من رشوة الحواجز فيعطونهم مبلغاً معيناً من المال مقابل القليل من المواد التموينية».

 

يعيش النازحون مع الأهالي وضعاً معيشياً متردياً، معظم النازحين عاطلون عن العمل، ولا تملك الكثير من العائلات أي مصدر للدخل. تحدثنا أم صابر عن أسلوب معيشتها بعد نزوحها إلى إحدى القرى في ريف حماه: «أسكن وزوجي وأطفالي الذين فقدت منهم واحداً  مع أربع عائلات في أحد المستودعات تحت الأرض، المساحة كبيرة وليست هناك غرف، نفكر مراراً بالنزوح خارجاً لكننا نخاف أن نعيش ذلاً أكبر من الذي نعيشه اليوم، استطعنا الحصول على بعض المساعدات الغذائية، لكن حياتنا مليئة بالمتاعب فنحن نعيش مع غرباء في غرفة واحدة».

 

تخرج أم عدنان مع شريكاتها بالسكن يومياً لجلب الماء والخبر، فالخزان الصغير الذي يغذي المستودع لا يكفي 21 شخصاً، أما أم علي وهي الأكبر سناً بين السيدات فتمضي ساعات نهارها في الشارع وتعود ليلاً للمستودع  أو «القبر» كما تطلق عليه.


الوعر هي الهدف الحالي للنظام

 

يتأهب النظام اليوم ليبدأ معركة الوعر، ويحشد تجهيزات عسكرية كبيرة يحيط بها الحي، يعيش أهل الوعر اليوم تحت وقع قصف شبه متواصل من قبل قوات النظام. يقول أبو عماد من المكتب الإعلامي الموحد لحي الوعر: «لا تكف دبابات جيش النظام وعربات الشيلكا والقناصة عن استهداف المدنيين في حي الوعر، وقعت إحدى القذائف منذ أيام داخل أحد مراكز إيواء النازحين ما تسبب وبجرح وسقوط ضحايا من أطفال ونساء، وهناك قصف جنوني يستهدف الحي بين حين وآخر، لا نسلم أيضا من قذائف الهاون والاسطوانات المتفجرة التي تأتي من الكلية الحربية والبساتين والغابة، تسببت هذه القذائف بإحراق الكثير من المنازل في الحي، ونتوقع حالاً أصعب وأشد قسوة في الفترة القادمة».

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
آخر المقالات
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard