info@suwar-magazine.org

حوار مع الناشط في الحراك الثوري والمدني شادي أبو فخر

حوار مع الناشط في الحراك الثوري والمدني شادي أبو فخر
Whatsapp
Facebook Share

«الهدف الأول هو مساعدة الشعب السوري ليعود ويكون الفاعل السياسي الأول في البلاد»


حاوره: بيروز بريك


كنت ممن شاركوا في بناء الأشكال الثورية الجنينية الأولى ضمن العاصمة دمشق، والتي اتسمت ببروز الخط المدني والرؤية السياسية الواضحة فيما يخص الدعوة للحرية والديمقراطية ودولة القانون. هل تلمست -في ذلك الوقت- خطر سيادة النزعات الأحادية المتطرفة أو الأشكال الوصولية المسيّرة وفق رغبات الداعمين؟ أين يكمن خطأ التيارات المدنية ضمن الثورة؟ ولماذا انحسر دورها؟


في البداية لم يكن هناك أية مؤشرات لأية حالة أصولية أو متطرفة في سوريا، بل على العكس كان هناك إحساس حقيقي بقبول الآخر مهما كانت درجة الاختلاف معه قائمة، وأستطيع القول وبكل ثقة أنه كان هناك عقد اجتماعي جديد بدأ في الظهور, يرتكز على الحرية والديمقراطية والعدالة والمواطنة, وارتفع الإحساس بالوطنية السورية بشكل لا سابق له، فكنت ترى في دمشق وريفها كما في غيرها من المحافظات شعارات من قبيل «الشعب السوري واحد» و«آزادي» و«الثورة أنثى» وغيرها الكثير من الشعارات التي عبّرت عن الثورة وعن العقد الاجتماعي الجديد، وبموازاة ذلك لم يكن هنالك أي دعم مالي أو غير مالي  للحراك المدني -حسب تعبيرك- وخاصة الدعم الخارجي، بل على العكس من ذلك كان هناك رفض قاطع لأي دعم أو أي تدخل خارجي في الشؤون السورية، لقد كان الوطنية السورية هي المهيمن الأقوى.

أعتقد ان الخطأ الرئيسي الذي قمنا به هو أننا رفضنا -دون وعي- العمل السياسي، وفي مرحلة محددة من الثورة السلمية، وتحديداً في الشهر السادس من عام 2011 أدركنا أننا سنهزم إن لم نطور عملنا، فقد بدأ اليأس يسيطر على العديد من أفراد المجتمع والتنسيقيات حول جدوى النضال السلمي أمام عنف هذا النظام، وكان هناك حلان مطروحان في ذلك الوقت، حل طرحه بعض الشبان المتدينين والمحسوبين على الإسلاميين يقول بالعمل العسكري من خلال تشكيل مجموعات مسلحة في المدن كحل وحيد لإسقاط النظام،  وحل طرحناه بضرورة تشكيل جسد سياسي  موحد للتنسيقيات يملك بنية تنظيمية قوية وإستراتيجية عمل وخطاب سياسي واضحين بهدف إسقاط النظام وتحقيق أهداف الثورة.
كان هناك في الحقيقة سبب آخر دفعنا للتفكير  في هذا الحل، وهو ظهور مؤشرات قوية تجسدت في مؤتمر «سميراميس» ومن بعده مؤتمر «أنطاكيا الأول» تدل على أن المعارضة السورية تحاول التواصل مع التنسيقيات لكسب ولائها. وقد شكّل هذا التوجه خطراً كبيراً لأنه سوف يقسّم التنسيقيات تبعاً لانقسامات المعارضة وبالتالي سيتفتت القوى الثورية، أي أن الثورة ستجهض، لهذا كان لا بد من الوحدة، فأطلقت تنسيقيات أحياء دمشق مبادرة لتحقيق هذا المشروع واستطعنا حشد تأييد كبير لها، وقد اشتركت معنا لجان التنسيق المحلية واتحاد التنسيقيات، وذهب أعضاء من التنسيقية الى معظم المحافظات السورية لحشد تأييد التنسيقيات فيها لهذا المشروع، ونجحنا في هذا المسعى وبدأنا العمل لتحقيق ذلك، فعقدت العديد من الاجتماعات التحضيرية، وشكلت لجان لتساهم في التحضير لبناء الجسد التنظيمي والذراع الإعلامي والسياسي للتنسيقيات، فكان العمل جارياً على تلفاز وجريدة تنطق باسم هذا الكيان، وأنجز هيكل تنظيمي متماسك، وصيغت إستراتيجية عمل، وبدأ التحضير  لمؤتمر التنسيقيات الأول في إحدى مدن ريف دمشق، والذي كان مقرراً أن ينعقد في بداية الشهر الثامن لعام 2011، إلا أننا لم ننجح في هذا نتيجة الاعتقالات الواسعة التي قام بها النظام في نهاية الشهر السابع وبداية الشهر الثامن، والتي شملت عدداً كبير من أعضاء التنسيقيات، وخاصة تنسيقيات أحياء دمشق، وكانت النتيجة إجهاض المشروع بينما بقي مشروع الإسلاميين مستمراً.
لقد أعطي مشروع الإسلاميين دفعاً كبيراً نتيجة ما قام به النظام في رمضان من ذاك العام، حيث عمد إلى اجتياح المدن وارتكاب المجازر واستعمال العنف المفرط, وترافق هذا مع تغذية هائلة للإسلام المتطرف من خلال إطلاق سراح مئات المعتقلين الجهاديين والتكفيريين من سجون النظام والذين حصلوا على تمويل منذ إطلاق سراحهم من جهات غير معروفة لنا حتى الان.
ما أريد قوله هو أن القوى الديمقراطية في الثورة لم تنجح حتى الآن نتيجة عدم وجود الخبرة الكافية لديها، وعدم قدرتها على انتاج فكر سياسي يناسب الثورة من جهة، ومن جهة أخرى بسبب الحرب التي شنت ضدها من قبل النظام والإسلاميين على حد سواء لتحييدها عن الثورة.



قمت بالإسهام في تشكيل أجسام ثورية وسياسية عدة خلال السنوات الثلاث المنصرمة، ما هو الدافع لديك في عدم الثبات على تنظيم واحد؟ وما هي التنظيمات والهياكل التي أسهمت في إطلاقها وما مصيرها؟ وهل كان توليد هذه الأشكال الجديدة متأتياً من حاجة حقيقية؟


بعد خروجنا من السجن في بداية 2012 أدركنا أن طريقة العمل السابقة لم تعد مجدية، فالواقع تغير كثيراً، ولكن كان من الواضح أن العمل على توحيد القوى الثورية هو البداية الصحيحة لتصحيح بعض الانحرافات ولتستطيع الثورة المضي قدماً لتحقيق أهدافها، غير أن هذا كان في غاية الصعوبة فالمال السياسي دخل إلى الثورة بقوة، والانقسامات انتشرت بين التنسيقيات وأصبح هنالك كيانات سياسية وثورية مكرسة، ولم يعد مجدياً العودة إلى النضال السلمي كاستراتيجية وحيدة كون الجيش الحر والعمل المسلح أصبح حقيقة. فقمنا بصياغة مشروع جديد في محاولة لحل هذه المعضلة وهو عبارة عن شبكة الكترونية سرية (يمكن تسميتها حكومة إلكترونية) الهدف منها هو تشكيل فضاء عمل ثوري موحد يؤمن بإمكانية تنسيق جهود النشطاء والقوى الثورية في الداخل والخارج مع احتفاظهم بأسماء كياناتهم وبلورة استراتيجيات عمل موحدة، ومع الوقت كان هذا سيسمح بتشكيل هيكل تنظيمي متين لقوى الثورة السورية.

بدأنا بالعمل على المشروع، حيث قمنا بتصميم الشبكة ووضع إستراتيجية عمل جديدة، ولكن الاعتقال مجدداً وبمحض الصدفة حال دون قدرتنا على إكمال العمل، وعندما خرجنا من السجن كان الواقع قد تغير مجدداً وفريق العمل أصبح مشتتاً بين الداخل والخارج والسجون، فكان من الصعب إعادة جمعه رغم أن حاجتنا للمشروع ما زالت قائمة، وهذا دفعنا إلى السفر لفترة مؤقتة خارج سوريا لتحقيق هذا المشروع مدفوعين بالضغط الأمني كون الاعتقال المتكرر أدى إلى اجهاض معظم المشاريع الثورية التي كنا نعمل عليها.

إلا أن المال السياسي في الخارج كان لنا بالمرصاد، فالمشروع كان سينفذ مجاناً في الداخل أما في الخارج فتكلفته 20 ألف يورو، وعندما حاولنا الحصول على المبلغ بدأ الابتزاز السياسي لنا مقابل الحصول على هذا المال، فرفضنا الابتزاز وتوقف المشروع  وقررنا العودة إلى سوريا بعد خروجنا منها بشهر ونصف، إلا أننا لم نستطع كوننا لا نملك جوازات سفر، واشترُط علينا أن نتقدم بلجوء سياسي كي نحصل على جوازات السفر التي لم تصلنا إلا بعد عام وشهرين.
وفي هذا الوقت عملنا على بعض المشاريع التي أعتقد أنها مهمة، بعضها فشل وبعضها نجح، ومن المشاريع التي فشلت «المكتب العام للمجالس المحلية في دمشق» و»المكتب العام للمجالس المحلية في ريف دمشق» فقد عملنا مع هذه المجالس محاولين إيقاف الابتزاز المالي الذي كانت تتعرض له هذه المجالس، لكننا فشلنا في هذا نتيجة المال السياسي نفسه، إذ أن مصيرك سيكون التجاهل ضمن هذه المعادلة إن لم تكن قادراً على منح المال، وكانت هذه الحقيقة صادمة لنا فقررنا الانسحاب بهدوء وهذا ما حصل.

أما في  فرنسا، وجدنا أن السوريين لم يعملوا بما فيه الكفاية مع المجتمع الفرنسي والقوى السياسية هناك لحشد تأييد للثورة، فعملنا مع القوى السياسية الفرنسية والمجتمع المدني واستطعنا تشكيل أكبر ائتلاف لدعم الثورة السورية في أوربا، ويتألف من حزب الخضر الأوربي وحزب اليسار والحزب الشيوعي وحزبNBA ونقابات العمال والتضامن والطلبة والمعلمين، إضافة لحوالي 35 منظمة مجتمع مدني فرنسية، وهذا الائتلاف ما زال يعمل حتى الآن لدعم الثورة السورية وخلق تأييد شعبي لها في فرنسا.

كذلك عملنا على توحيد بعض منظمات المجتمع المدني السورية في فرنسا فتشكل ائتلاف (قدسي) الذي يقوم بتقديم المساعدات الإغاثية للشعب السوري منذ تشكيله، وعمله جيد نوعاً ما, واليوم نعمل مع مجموعة من الشباب السوريين في الداخل والخارج على بلورة حركة سياسية شبابية نضع عليها آمالاً كبيرة في إمكانية أن تقدم شكلاً جديداً وفعالاً للعمل السياسي الجديد في سورية.



الحديث عن الأقليات ودورها في الحراك استغرق وقتاً وجدلاً طويلين، ما الذي تراه كناشط من أبناء «الأقليات» في هذا الصدد؟ وهل يصحّ برأيك تقسيم الدور والفعالية على أساس طائفي أو قومي أو مناطقي؟ أم أن هذا بات حقيقة وواقعاً لا يمكن الهروب منه؟


أعتقد أن هذا الموضوع هو نتيجة وليس سبباً، فما يحصل على الأرض اليوم أدى إلى تحييد معظم السوريين عن المشاركة في تقرير مصيرهم باختلاف انتمائاتهم الدينية نتيجة عنف النظام الهائل وهيمنة لغة السلاح وفشل المعارضة السياسية وما سببه ذلك (مدعوماً بالتدخلات الخارجية) من تطرف وأصولية دينية لدى الطرفين, فالمشكلة الرئيسية اليوم ليست هنا وإنما في الاستلاب الذي حصل للشعب السوري والذي تجسد في  تحييده عن الفعل السياسي وتقرير مصيره. 


بات الوضع السوري معقداً وذو استطالات وتشعبات خطيرة، فقد تجاوز حالة شعب يريد التخلص من الدكتاتورية والانتقال إلى الديمقراطية إلى أزمة عابرة للحدود واستعصاء إقليمي وربما دولي، أين يكمن الحل المنطقي برأيك؟ وهل تعتقد أن هناك بوادر لإيجاد حل أو تسوية تنهي حمام الدم السوري؟


أعتقد ان أهم سبب وراء ذلك يكمن في غياب قضية وطنية سورية حقيقة حاملة للثورة السورية ونحن جميعاً نتحمل المسؤولية ذلك, فالقضية الجوهرية كانت منذ انطلاق الثورة هي أن يتحكم الشعب السوري في واقعه ومستقبله منتزعاً هذا الحق من النظام القائم، وقد قدم آلاف الشهداء في سبيل ذلك، ولكن اليوم، ونتيجة ما قام به النظام أولاً، وما قامت به المعارضة ثانياً من السماح للقوى الإقليمية والدولية في التدخل بالشأن السوري، أصبح واقع ومستقبل الشعب السوري متحكماً به من قبل النظام وقوى إقليمية ودولية، مما زاد في تحييد الشعب السوري لدرجة غير مسبوقة في تاريخ سوريا الحديث. وهذا جعل الأمور تبدو على ما هي عليه اليوم. أعتقد أن الصراع في سوريا سيستمر مادام هذا مستمراً لأن الصراعات الدولية لن تتوقف.

لهذا اعتقد أن الهدف الأول لنا اليوم يكمن في إيجاد صيغ وطرق لمساعدة الشعب السوري ليعود ويكون الفاعل السياسي الأول في سوريا، وبالتالي تحقيق هدفه الذي ازداد صعوبة، فاليوم ليس على الشعب السوري ان ينتزع حقه في تقرير واقعه ومستقبله من النظام فحسب، وإنما من النظام والمجتمع الدولي بالدرجة نفسها، وهذا تحدٍ عظيم، ولكنني أثق بإمكانياتنا وقدراتنا كسوريين في تحقيق هذا.

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard