وباء الأمراض النفسية والمزمنة يفتك بالسوريين...
وباء الأمراض النفسية والمزمنة يفتك بالسوريين... وطبابة الحرب تعجز عن تأمين الرعاية الصحية
- 75% من حالات الاكتئاب غير مشخصة ولا تخضع للعلاج
- الذبحة الصدرية أحد أسلحة الحرب الدائرة لقتل السوريين!
- سوء التغذية وانعدام النظافة يقتلان الأطفال في مناطق النزاع
لبنى سالم
تعد العادات الغذائية ونمط الحياة العام الذي يعيشه سكان بلد من البلدان أحد أهم العوامل التي تسبب التغيرات في نسب الإصابة بالعديد من الأمراض، كما يسبب حدوث تغيرات جذرية في هذه العادات ارتفاع أو انخفاض أعداد الإصابات الجديدة، وقد أحدثت الحرب الدائرة في سوريا تغيرات لا تحصى في أنماط حياة السوريين. وبدأ الأطباء العاملون في سوريا بملاحظة انعكاس هذه التغييرات على الصحة العامة، التي سجلت تراجعاً عاماً في السجلات الطبية الرسمية وغير الرسمية.
الاكتئاب والعنف حصة الشباب السوري من نتائج الحرب
يذهب علم النفس إلى أن تغيرات أحداث الحياة التي يعيشها الإنسان ستؤثر حكماً على عقله ونفسيته، وقد تسيطر عليه كلياً، يعاني الكثير من السوريين اليوم من الاكتئاب الذي ينجم عن ضيق ما في ظروف الحياة اليومية، ويتحدث الدكتور عامر وهو طبيب نفسي عن زيادة حالات الاكتئاب التي يعالجها، وعن تركز معظم الإصابات الجديدة عند الشباب ويقول: «ازدياد حالات الاكتئاب المرضي كان أمراً متوقعاً لنا كأطباء، النسب الأكبر من حالات الاكتئاب كانت من نصيب الفئة الشابة، السبب في هذا يعود لكون هذه الأعمار تمتلك دائما توقعاً عن المستقبل القريب والبعيد للحياة، والأمل هو ما يعطي الحيوية للإنسان في هذا السن، وعند حدوث أي ظرف قد يبدد هذا الأمل يكون الشاب معرضاً للإصابة بالاكتئاب، نصادف اليوم الكثير من الحالات الشديدة من الاكتئاب والتي يصل فيها المريض الى قطع تواصله الاجتماعي بشكل تام عن المحيط، أو تظهر عليه أعراض كالتوقف عن تناول الطعام أو الشراهة أو الإدمان، يبدأ العلاج بالأدوية وجلسات الدعم النفسي، لكن معظم الحالات هي من الحالات الشديدة والمتوسطة التي تتراجع فيها مستوى حياة المريض الاجتماعية والمهنية وتضعف إنتاجيته، ويعاني من المزاجية وردود الفعل غير المتوازنة مع محيطه من أفراد العائلة والأصدقاء، والعلاج هنا هو جلسات الدعم إضافة إلى تغيير بعض العادات التي تخص كل مريض، والتي من شأنها أن ترفع من مستوى مزاجه العام».
يذكر أيضاً أنه وتبعاُ للظروف الراهنة، يؤكد الأطباء أن حوالي 75% من حالات الاكتئاب هي حالات غير مشخصة ولا تراجع الطبيب، وتتعدد الأسباب بين عدم ادراك المريض لحالته وعدم وعيه لأهمية مراجعة الطبيب، فضلاً عن القيود الاجتماعية والفقر.
قد يستغرب البعض بأن العنف هو أحد الأعراض النفسية غير السوية التي يبديها الإنسان، ويتحدث الأطباء عن تزايد ممارسات العنف غير الموجهة التي يقوم بها الأفراد داخل المجتمع، والتي لا تقف خلفها أية دوافع سياسية أو وطنية، ويعد المراهقون الأكثر عرضة لممارسة أعمال العنف، يقول الأستاذ غياث وهو مرشد نفسي يعمل في أحد مراكز التأهيل النفسي: «هناك تزايد كبير في ممارسات العنف لدى المراهقين والأطفال، قسوة الظروف التي يعيشونها تدفعهم للقيام بردود فعل غير متوازنة، وقد لا يجد المراهق وسيلة للتعبير عن غضبه من ظروف حياته إلا بالعنف والذي يمارسه في الكثير من الأحيان بشكل عشوائي دون أن يكون له هدف محدد، العديد من الأطفال المشردين في المخيمات والمدارس والشوارع تظهر عليهم هذه الطباع وهذا الأمر بحاجة إلى تدخل العديد من الجهات وبذل الكثير من الجهود لضبط هذه الظواهر، على الجمعيات الأهلية العاملة في سوريا أن تصب جهودها في تعليم وتوعية الأطفال والمراهقين واستغلال طاقاتهم في الطريق الصحيح قبل أن تنحرف باتجاه خاطئ».
الضغوطات النفسية على السوريين تسبب لهم الكثير من مشاكل الحياة
العديد من الأعراض النفسية العامة التي تشيع في المجتمع هي أيضاً وليدة الضغوطات النفسية التي يعاني منها جميع السوريين، يقول الأستاذ عدنان وهو أستاذ في علم الاجتماع: «بتنا والكثير ممن حولنا نتخبط في اتخاذ قرارات كانت بسيطة وواضحة في وقت سابق، كأن نقع في الحيرة بين أن نسافر أو نبقى في الوطن، وبين أن ننتقل لممارسة عمل آخر أو نستمر بعملنا، وبين أن نتزوج أو لا نتزوج على الإطلاق، كما يعاني اليوم الكثير من الشباب السوري من مشاكل دراسية أو عاطفية أو عائلية ويجدون أنفسهم عاجزين عن حلها، تفسير هذا أن أدمغتنا بحاجة الى مدة كافية لتتكيف مع الظروف المتذبذبة، وتختلف هذه المدة من إنسان إلى آخر، خلال هذه المدة يعاني التفكير الواعي في أدمغتنا من عبء ليتكيف مع هذه الظروف، ويكون هذا العبء مسؤولاً عن انخفاض قدراتنا العقلية، كقدرتنا على إيجاد الحلول لمشاكلنا، وقدرتنا على اتخاذ القرار، وبالتالي مصائرنا كأفراد».
تزايد ضحايا أمراض القلب بسبب تراجع الرعاية الطبية
ازدادت في الآونة الأخيرة نسب الإصابة الجديدة بأمراض القلب كارتفاع التوتر الشرياني واحتشاء القلب والذبحة الصدرية، وتزداد حالة مريض ارتفاع الضغط سوءاً مع ازدياد الضغط النفسي الذي يتعرض له، وقد يصاب بالاحتشاء أو الذبحة بشكل مفاجئ، ضعف العناية الطبية وإهمال المرضى لتناول الأدوية وإحجامهم عن شراءها بسبب ضعف الحالة المادية، تشكل هذه الأسباب مجتمعة سبباً في التزايد الكبير في الحالات الحادة والمهددة للحياة التي تصل الى أقسام الإسعاف في المشافي.
تقول عبير وهي طبيبة: «لا نخاف على المرضى من أذية رصاصة أو شظية فحسب، فهناك الكثير من الأمراض الخطيرة التي بدأنا نلمس تزايدها بشكل كبير جداً خلال السنتين الأخيرتين، وأخطرها هي أمراض القلب كارتفاع التوتر الشرياني الذي يتأثر بشدة بحالة الضغط النفسي، وحالات احتشاء عضلة القلب والذبحة الصدرية المميتة التي تتأثر بحالة الضغط النفسي وغياب الدواء، هناك أيضا الكثير من الأمراض المعدية التي تزايدت حالاتها نتيجة انخفاض مستوى النظافة الوقائية كالليشمانيا والأمراض الجلدية والفطريات».
وتعد الرعاية الطبية العامل الأهم في حماية المريض من الوصول إلى الدرجة الحرجة التي تسبب الدخول إلى المشفى، يقول الدكتور حمدي: «المشكلة الحقيقية عند مرضانا الذين يعانون اليوم من الأمراض المزمنة هي إهمال المرض، فلو أخذنا مئة مريض ارتفاع ضغط من عياداتنا ومئة مريض في أوربا نجد أن نسبة المرضى الذين تتطور عندهم حالة الاحتشاءات مضاعفة بسبب ضعف العناية الطبية، وتؤكد هذا دراسات طبية عديدة».
أمراض الأطفال
للأطفال نصيبهم الكبير من الأمراض التي ترافق ظهورها وازديادها مع الوضع المعيشي السيء الذي يعيشه أطفال سوريا، كشلل الأطفال وضعف النمو وأمراض الغدد الصم إضافة إلى الأمراض الهضمية التي تتواجد في التجمعات التي لا تحظى بمستوى جيد من النظافة. يقول الأستاذ عادل وهو مشرف على تجمع النازحين في المدينة الجامعية: «يستقبل قسم الإسعاف الخاص بنا ما لا يقل عن ثلاث حالات في اليوم من اضطرابات الجهاز الهضمي والتسمم عند الأطفال خصوصاً، والناتجة عن سوء التغذية وضعف النظافة، نعمل على إحداث توعية عامة لكننا نبقى عاجزين عن إحداث تغيير كبير في مستوى النظافة، بسبب الكثافة السكانية الموجودة وصعوبة ضبط الأمر».
يذكر الأخصائيون بأن للإنسان قدرة إرادية كبيرة على مقاومة الظروف النفسية الصعبة والحد من تأثيرها عليه على المستوى الجسدي والنفسي، وتكمن قدرته على البقاء في تكيفه مع الظروف الطارئة بسرعة والعمل على تحسينها عوضاً عن البقاء في موقع المتلقي الدائم للصدمة، مما يتطلب عملاً اجتماعياً كبيراً على الهيئات المدنية والإغاثية القيام به لمساعدة السوريين على التكيف مع ظروفهم الصعبة الجديدة ومقاومتها.