التعليم في المناطق الخاضعة للنظام... خراب الحرب رغم "الاستقرار"
سامي الحلبي
تبلغ نسبة القادرين على القراءة والكتابة في سوريا، حسب إحصائيات عام 2006، حوالي 83 % من السكان. وتحتلّ سوريا المرتبة التاسعة عربياً من حيث نسبة الأمية.
وبالرغم من الزيادة في عدد السكان في سوريا، فقد حافظ التعليم على مجانيته منذ عام 1963. وهو إلزاميٌّ حتى الصف التاسع، ومجانيٌّ في جميع المدارس الحكومية.
وبالرغم من أن إلزامية ومجانية التعليم مطبقتان في سوريا، بشكلٍ رسميٍّ على الأقلّ، منذ فترةٍ تجاوزت الأربعين عاماً، إلا أنه من الملاحظ وجود عددٍ لا بأس به من الأميين بين الأحداث، ترتفع نسبتهم بين الفقراء والإناث وفي المناطق الريفية، وخصوصاً في شرقي حلب وريف الجزيرة السورية. ويدلّ هذا على خللٍ في تطبيق قانون إلزامية التعليم ومجانيته طوال العقود الماضية.
ويعود هذا التقصير إلى تقاعس الجهات الرسمية، وخاصةً وزارة التربية، وسوء الوضع الاقتصاديّ والاجتماعيّ للأسر التي تدفع بأبنائها إلى سوق العمل لتحسين وضعها الاقتصاديّ .
التعليم في حلب
المدارس سكنٌ للنازحين:
في مدينة حلب كلّ شيءٍ تغيّر؛ فالمدارس أصبحت بيوتاً لسكن النازحين، وعندما تدخل إلى إحدى الباحات تجد أنها أصبحت مكاناً لطهو الطعام، وأصبحت حمّامات المدرسة مكاناً للغسيل.
بعدما دخلت قوى المعارضة المسلحة إلى المناطق السكنية بحلب، في رمضان 2012، وتصاعدت الاشتباكات بين الجيشين الحرّ والنظاميّ، واشتدّ القصف العشوائيّ على الريف والمدينة؛ نزح الكثير من سكان الريف الشماليّ وسكان المدينة باتجاه مركز المدينة، وأقاموا في المدارس، فأصبحت القاعات الدراسية بيتاً ومطبخاً لأسر النازحين، وتحوّل خشب المقاعد الدراسية إلى حطبٍ يتدفأون به في شتاء حلب القاسي. قلّص هذا الحال عدد الصفوف المدرسية، في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، إلى أقلّ من النصف.
تروي إحدى طالبات الشهادة الثانوية، وهي نازحةٌ من حيّ طريق الباب: "عائلتنا مكونةٌ من ستة أولاد، بالإضافة إلى أبي وأمي. نسكن في صفٍّ مدرسيّ. أنا مضطرّةٌ لأن أنتظر أخوتي حتى يناموا لأبدأ بالدراسة يومياً، وغالباً ما تكون الكهرباء مقطوعةً فأضطرّ إلى الدراسة على ضوء الشاحن أو الشمعة، كما أعاني من البرد الشديد نتيجة انعدام التدفئة في المدرسة. تحاول المتطوّعات العاملات مع النازحين في المدرسة مساعدتي وتأمين ما يلزمني من القرطاسية والكتب الدراسية، ولكن الوضع يبقى شديد الصعوبة".
جهودٌ جبّارةٌ لجمعية محو الأمية:
تسعى جمعية محو الأمية بجهودٍ حثيثةٍ إلى ملء الفراغ التعليميّ بحلب، إذ تقوم بإعطاء دروسٍ خارجيةٍ للطلاب الذين انقطعوا عن التعليم، من أجل الحفاظ على ما تعلّموه في السابق، وكذلك تحاول إقامة صفوفٍ لمحو الأمية لدى كبار السن، من أجل ملء أوقات النازحين بتعلّم أشياء قد تنفعهم في متابعة حياتهم وتأمين مصادر عيشٍ جديدة، بعد أن فقدوا أعمالهم وأرزاقهم.
المعاهد الخاصّة:
نتيجة ضعف العملية التعليمية في المدارس الحكومية، أو انقطاعها، عمد الكثيرون إلى افتتاح معاهد خاصّة، وخصوصاً لطلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية، وأصبح كلّ حيٍّ من أحياء حلب الخاضعة لسيطرة النظام مكتظاً بهذه المعاهد.
تقول السيدة لمياء لمجلة "صور": "لديّ ولدٌ وبنت؛ ابني في الصفّ الثالث الثانويّ، وابنتي في الصفّ التاسع. اضطررت في العام الماضي إلى بيع أساوري الذهبية، بقيمة مئةٍ وخمسةٍ وسبعين ألف ليرةٍ، من أجل تسجيل أولادي في المعاهد الخاصّة. فالمدارس الحكومية لم تعد مناسبةً للدراسة، لأن المعلمين لا ينهون كامل البرنامج المخصّص، بسبب ارتباط الدوام المدرسيّ بالحالة الأمنية، فكثيراً ما يتغيّب المعلمون بسبب ظروف الحرب التي تدور في المدينة".
أما الأستاذ نديم، صاحب أحد هذه المعاهد، فيروي لمجلة "صور": "للأسف، اضطررنا هذا العام إلى زيادة أقساط التسجيل في المعهد. لا توجد كهرباء في حلب، لذلك اضطررنا إلى شراء مولداتٍ كبيرة، بالإضافة إلى غلاء أسعار المحروقات وقلتها، كما تضاعفت أسعار القرطاسية ومستلزمات الطلاب؛ كلّ ذلك زاد من تكاليف التسجيل في المعاهد الخاصّة".
تسرُّب المعلمين:
فرضت حالة الحرب في المدينة انقسامها إلى شطرين شرقيٍّ وغربيّ، الشرقيّ تحت سيطرة المعارضة، والغربيّ تحت سيطرة النظام. والكثير من معلمي القسم الغربيّ يسكنون المناطق الشرقية من المدينة، ونتيجة صعوبة التنقل يضطرّ الكثير منهم إلى التغيّب عن عملهم.
تروي المعلمة هناء، التي تسكن في حيّ مساكن هنانو: "قبل إغلاق معبر كراج الحجز كنت أتوجّه كلّ يوم أحدٍ إلى عملي في حلب الغربية، وأعبر معبر كراج الحجز تحت رصاص القنّاص من أجل أن أسجّل الحضور، خوفاً من توقف راتبي من مديرية التربية بحلب. اليوم، وقد أُغلق معبر كراج الحجز، أحتاج للوصول إلى مركز مدينة حلب 12 ساعة، أقطعها شهرياً وأدفع ربع راتبي أجور تنقلاتٍ حتى أصل وأستلم راتبي".
كما يتعرّض الكثير من المعلمين الشباب لخطر الاعتقال على حواجز النظام، الأمر الذي منع الكثير منهم من التوجّه إلى مدارسهم. وهناك كثيرٌ من المعلمين التحقوا بصفوف الجيش الحرّ، ما خفّض بشكلٍ كبيرٍ عدد المعلمين المواظبين على عملهم.
الأهالي يُعرِضون عن إرسال أبنائهم إلى المدارس:
امتنع الكثير من الأهالي عن إرسال أبنائهم إلى المدارس، وخصوصاً طلاب المرحلة الابتدائية، نتيجة تدهور الحالة الأمنية، واستهداف الكثير من المدارس بالرصاص والقذائف الطائشة، وخصوصاً في المناطق القريبة من خطوط الاشتباك، كالأشرفية والسليمانية والحمدانية.
تقول أم رامي لمجلة صور: "نتيجة خوفي من إرسال ابني ذي الستة أعوام إلى المدرسة، قررت أن أعلّمه في البيت. يومياً أجلس معه لمدة خمس ساعاتٍ متواصلة، أعلّمه مبادئ القراءة والكتابة. وفي نهاية الفصل آخذه إلى المدرسة المجاورة للبيت من أجل تقديم الامتحانات، والحصول على وثيقة نجاحٍ إلى الصفّ التالي".
التعليم في دمشق
يعدّ وضع التعليم في دمشق أكثر استقراراً من حلب. فالمدارس، وخصوصاً مدارس وسط دمشق، تفتح أبوابها بشكلٍ دائم، والعملية التعليمية أكثر نجاحاً. ولكن استهداف دمشق بالرصاص والهاون العشوائيّ يقضّ مضجع الأهالي، ويجعلهم في حالة قلقٍ دائمٍ جرّاء القصف العشوائيّ الذي كثيراً ما يصيب المدارس.
وتستمرّ في دمشق معاناة النازحين من الريف الدمشقيّ، إذ تشترط مديرية التربية الكثير من الأوراق الثبوتية من أجل قبول تسجيل أولادهم في مدارس المدينة، ومن أهمها عقد إيجار بيتٍ بالقرب من المدرسة، الأمر الذي يعجز الكثير من الأهالي عن توفيره، بسبب سكنهم عند أقارب لهم.
يقول أبو محمد، النازح من المعضّمية: "اشترطت المدرسة أن يكون لديّ بيتٌ مستأجرٌ بالقرب من المدرسة، فاضطررت إلى شراء عقد إيجارٍ مزوّرٍ من مكتبٍ عقاريٍّ بقيمة خمسة عشر ألف ليرة!".
ورغم الاستقرار النسبيّ الذي يشهده وسط دمشق، وغيره من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام والبعيدة عن مناطق النزاع، فإن التخريب الشامل لكل النشاطات الاجتماعية قد طال القطاع التعليميّ، إذ تواردت الكثير من الأنباء عن حالات الغشّ والفوضى في المراكز الامتحانية، وخاصّةً التي تجرى فيها امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية. فقد أدّت فوضى السلاح، في الكثير من الأحيان، إلى اقتحام رجال المليشيات واللجان الشعبية التابعة للنظام للقاعات الامتحانية، وإجبار المراقبين على التغاضي عن عمليات الغشّ المعلنة، بالإضافة إلى سماح المراقبين لطلاب بعض المناطق أن يغشّوا كي ينالوا درجاتٍ أعلى مما يستحقّون.
رغم كل ما يدّعيه النظام من ضمانه للاستقرار، فإن المناطق الخاضعة له تعاني، مثل بقية المناطق السورية، من آثار الحرب والدمار التي خلّفها الصراع السوريّ الدمويّ والطويل.