كأس العالم في حلب: شغف الرياضة ينتصر على هموم الحرب
رنا خليل
لم تمنع الاشتباكاتُ المستمرّة في مدينة حلب عشاقَ كرة القدم من متابعة مجريات كأس العالم، إلا أن العديد من المتغيرات طرأت على أجواء هذه المتابعة التي لم تعد كالسنوات السابقة.
تنتهي المباراة عند انقطاع الكهرباء
عدم التوافر الدائم للتيار الكهربائيّ في منازل السوريين، يحرم العديد منهم من متابعة مجريات المباريات بشكلٍ كامل. يقول عصام، وهو من هواة كرة القدم: "من أشدّ الأمور إزعاجاً انقطاع التيار الكهربائي خلال المباراة. قلما نستطيع مشاهدة المباراة بالكامل، فالكهرباء لا تأتي لأكثر من ساعتين متواصلتين، وتغيب أكثر من 7 ساعات. تنتهي المباراة عندي مع انقطاع الكهرباء".
استعمال مولدات الكهرباء المنزلية الصغيرة هي إحدى الوسائل التي لجأت إليها بعض العائلات لمشاهدة المونديال، رغم أن توليد التيار الكهربائيّ بواسطتها يحتاج إلى الكثير من الوقود، ما يرفع كلفة الحصول على الكهرباء. يقول خالد: "أسكن في حيّ الأشرفية، وساعات توافر الكهرباء نادرةٌ جداً، لذا أعتمد كلياً على المولدة الكهربائية. يكلفني استعمالها لمشاهدة المباريات 500 ليرةٍ سوريةٍ كلّ يوم".
ويضيف خالد: "يعتمد العديد من أصدقائي على الاشتراك بالمولدات الضخمة الموجودة في بعض الأحياء، ويتم دفع تكلفتها حسب ساعات التشغيل وعدد الأمبيرات المستعملة".
في عددٍ من الأحياء الخطرة، تجبر صعوبة التنقل العديد من الشباب على التزام المنزل ومشاهدة المباراة فيه. يواصل خالد حديثه بالقول: "لا أستطيع مشاركة أصدقائي في مشاهدة المباراة؛ التنقل في الحيّ خطرٌ للغاية بعد الساعة الثامنة ليلاً، والمرور على الحواجز ليلاً أشدّ خطورة، لذا أكتفي بمشاركة فرحتي أو خيبة أملي مع الناس عبر فيس بوك".
جمهور المونديال يعوّض غياب روّاد المقاهي
يُجمع الكثير من الشباب على أن هناك سحراً خاصّاً لمشاهدة مباريات كرة القدم عامةً، وكأس العالم خاصةً، في المقاهي. تفتح معظم المقاهي أبوابها لعشاق هذه اللعبة، إذ يعتبر أصحابها أن أيام المونديال فرصةٌ لا تتكرّر إلا كلّ أربعة أعوام.
يقول أحمد، وهو صاحب أحد المقاهي في مدينة حلب: "جمهور كرة القدم يعوّضنا ما فقدنا من الزبائن خلال الأشهر الماضية. تردّي الأوضاع الأمنية والحالة الاقتصادية السيئة أدّيا إلى انخفاض أعداد روّاد المقاهي في الآونة الأخيرة، لكن الوضع تغيّر خلال المونديال".
ويضيف: "قمنا بشراء شاشتين كبيرتين لعرض المباريات. واشتركنا بالبثّ الحصريّ لإحدى القنوات الرياضية الخاصّة، حتى يتابع زبائننا المباريات مع تعليقٍ باللغة العربية. وقد أدّى هذا إلى ارتفاع عدد الزبائن في مقهانا".
صادق، وهو أحد مرتادي المقاهي، يرى أن "تكلفة المقاهي باتت مرتفعةً جداً، إذ تُفرض العديد من الضرائب علينا خلال مدّة المباراة؛ كضريبة مشاهدة المباراة، وضريبة الطاقة التي تعوّض تشغيل المولدات الكهربائية، إضافةً إلى ضريبة الخدمة وتكلفة المشروبات والنرجيلة".
ويضيف: "أذهب إلى المقهى المجاور لمنزلي، إذ يصعب عليّ التنقل ليلاً. وبالرغم من كلّ شيءٍ، يستحقّ جوّ الحماس والفرح هذه التكاليف، خصوصاً في هذه الظروف الصعبة، وسيطرة الكآبة واليأس على الجوّ العام".
من جهته، يقول قصيّ: "بات يسعدني أن أتجادل مع أصدقائي وأتحدّاهم في أمرٍ لا علاقة له بالحرب والسياسة".
الخوف من المساءلة يمنع الناس من رفع أعلام المونديال
على غير العادة، لم تكتسِ شرفات المنازل وواجهات السيارات بأعلام الفرق المشاركة في كأس العالم، كما لم يرتدِ أحدٌ في حلب قمصاناً طبع عليها علم فريقه المفضّل. يقول عادل: "يخاف الشبّان من أن يُبدوا أيّة إشاراتٍ قد تأخذ منحىً سياسياً في عقول الأجهزة الأمنية، لذا لم يخاطر أحدٌ برفع علم فريقه. سمعنا عن اعتقال عددٍ من الشبان بسبب رفع أعلام إحدى دول المونديال، لذا يكتفي الجميع بالتعبير لأصدقائهم شفهياً فقط عن تشجيعهم لأحد الفرق".
ويضيف: "المحظوظون الوحيدون في هذا الأمر هم مشجعو الفريق الإيراني، ولا أعتقد أنهم كثر".
العديد من مظاهر المونديال التي شهدناها خلال السنوات الماضية قد اختفت هذا العام. يقول أحمد: "اعتدت على مشاهدة المباريات في ساحة سعد الله وسط مدينة حلب. في كلّ مونديالٍ كانت توجد شاشة إسقاطٍ ضخمةٌ، ويأتي آلافٌ من الناس إلى الساحة لمشاهدة المباريات مجاناً، وقد يستمرّ التجمّع والاحتفال حتى ساعاتٍ متأخرةٍ من الليل. كلّ هذا أصبح جزءاً من الماضي البعيد، الساحة اليوم مليئةٌ بالجنود والأسلحة وصور الأسد، والمارّون عبرها عرضةٌ للقنص. أما بيوت حلب القديمة، التي كانت تستقبل الكثير من الزوّار والسيّاح، وتجمعهم في أجواء ساحرةٍ لمشاهدة مباريات المونديال، فتحوّلت اليوم إلى ركام".
شغف المتابعة يغلب كآبة الحرب
يجد الكثيرون في متابعة مجريات كأس العالم شغفاً افتقدوه منذ زمن. يقول أحمد: "كرة القدم إحدى أرقى الرياضات التي توصّل إليها العقل البشريّ، فهي منافسةٌ تحاكي غريزة الإنسان في التباري والفوز، وتجرى بطريقةٍ حضاريةٍ وصحّيّة. وهي تماماً عكس الحرب، التي تعبّر عن أسوأ طريقةٍ لمحاكاة هذه الغريزة، وتستعملها بطريقةٍ تهلك البشرية".
ويضيف: "الشعبية الكبيرة التي يحظى بها المونديال في سوريا هذا العام دليلٌ على حبّ الناس للسلام وكرههم للحرب والدماء".
وعن الإقبال الشديد للشبان على متابعة المباريات يقول خالد: "أجد في مدّة المتابعة والتركيز في مجريات المباراة مهرباً من التفكير في ما يجري حولي، ومتنفساً عن الانشغال بمتاعب الحياة اليومية، كتأمين الماء والكهرباء والطعام، ومهرباً من التفكير اللاإرادي في الغد المجهول وفي مصيري كشابٍّ في وطنٍ لا مكان لي فيه إلا بين حملة السلاح". ويضيف: "أكون مرتاحاً خلال مدّة المباراة، وسعيداً مهما كانت النتيجة".
للأستاذ غالب أسبابٌ أخرى دفعته إلى متابعة المونديال: "لست من مدمني متابعة مباريات كرة القدم. فلطالما كنت مشغولاً، ولم أجد الوقت لمتابعة المباريات. لكنني اليوم عاطلٌ عن العمل، بعدما تضرّرتْ ورشة الخياطة التي كنت أديرها. القدوم إلى المقهى، والجدال مع مشجعي الفرق الأخرى، أفضل من الجلوس في المنزل والجدال مع زوجتي على أتفه الأمور". ويضيف: "فقط خلال المباراة لا أسمع ضجيج القذائف وإطلاق النار، يبدو أن الرياضة تغلبت على الحرب".
أساليب الشباب لمشاهدة المباريات
تعدّ سبل الحصول على بثٍّ لمباريات كأس العالم محدودةً جداً. المشاهدة عن طريق الإنترنت من أكثر الطرق اتّباعاً وفقاً لغسان، الذي يضيف: "يسهل الحصول على البثّ عبر الإنترنت، إلا أنه لا يضمن عرضاً جيداً، لأنه يحتاج إلى سرعةٍ كبيرة. وحتى لو توفرت فقد يحدث تقطّعٌ أو تشويشٌ في العرض".
كما يلجأ البعض إلى الحصول على بثٍّ للقنوات الفضائية التركية أو الإسرائيلية، من خلال تركيب إبرةٍ وصحن استقبالٍ خاصٍّ، وهو ما تعدّ كلفته بسيطةً مقارنةً بالاشتراك بالبثّ الخاصّ للقنوات الرياضية، والذي يصل في السوق السوداء إلى 65 ألف ليرةٍ سوريةٍ، بسبب ارتفاع سعر الدولار نسبةً إلى الليرة السورية خلال السنوات الماضية.
يقول عدنان: "مشكلة هذه القنوات هي عدم وجود تعليقٍ باللغة العربية. أتابع المباريات من خلال القنوات التركية، لأني أفضّل حفظ بعض الكلمات التركية على حفظ العبرية". ويضيف: "أشعر بالاستياء لأن قناة الدنيا، التابعة للنظام السوريّ، توفّر مشاهدةً مجانيةً للأردنيين بينما لا يصل بثها إلى حلب. رغم أني لم أتابعها يوماً لأكثر من خمس دقائق".