حقوق المعتقل السياسي في المواثيق الدولية
كمال أوسكان
إن ملفّ الاعتقال السياسيّ من أهمّ الملفات في أوقات النزاعات المسلحة، لما يترتب عليه من خلطٍ بين صاحب رأيٍ يُعتقل بسبب رأيه، وبين شخصٍ دفعته عقيدته السياسية إلى حمل السلاح.
ولا بدّ في البداية أن نفرّق بين بعض المصطلحات القانونية المتعلقة بهذا الملفّ؛ إذ يوجد عددٌ من الحالات القانونية التي يرتبط كلٌّ منها بصفةٍ أو بمصطلحٍ يُطلق وفق التعريفات القانونية. فيعني القبض اعتقال شخصٍ بدعوى ارتكابه لجريمةٍ، أو بإجراءٍ من سلطةٍ ما. ويعني الشخص المحتجَز كلَّ شخصٍ محرومٍ من الحرية الشخصية، ما لم يكن ذلك لإدانته بجريمة. ويعني الشخص المسجون كلَّ شخصٍ محرومٍ من الحرية الشخصية لإدانته بجريمة. ويعتبر معتقلاً، بمفهوم هذا القانون، كلُّ شخصٍ اتُّخذ في حقه تدبيرٌ سالبٌ للحرية، وتمّ إيداعه داخل مؤسسةٍ سجنية. ويعتبر معتقلاً احتياطياً كلُّ معتقلٍ لم يصدر في حقه مقرّرٌ قطعيٌّ بالإدانة، سواءً أكان ظنيناً أم متابعاً أم متهماً. ويعتبر مداناً كلُّ شخصٍ معتقلٍ صدر في حقه مقرّرٌ قطعيٌّ بعقوبةٍ سالبةٍ للحرية. ويعتبر مكرهاً بدنياً كلُّ شخصٍ اعتقل في نطاق مسطرة الإكراه البدنيّ. ويعني الاحتجاز حالة الأشخاص المحتجزين حسب تعريفهم الوارد أعلاه. ويعني السجين حالة الأشخاص المسجونين حسب تعريفهم الوارد أعلاه.
حقوق المعتقل في السجن
كما أن ملفّ الاعتقال يرتبط ارتباطاً وثيقاً بحقوق الإنسان. لأن الاحتجاز، لأيّ سببٍ كان، لا ينفي عن الفرد صفته الإنسانية، ولا يجوز انتزاع حقوق المعتقل منه تحت أية ذريعة. فقد أكد الإعلان العالميّ لحقوق الانسان لعام 1948، والعهد الدوليّ للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، على أن الحقّ في الحياة حقٌّ ملازمٌ لكلّ إنسان، وأن على القانون حماية هذا الحق، ولا يجوز حرمان أحدٍ من حياته تعسفاً، وأن هذا الحقّ لا يمكن تعطيله حتى في حالات الطوارئ، كما ورد في المادة 4/أ. ومن هنا يمكننا أن نعرّف المعتقل السياسيّ بأنه كلّ شخصٍ تم توقيفه أو حجز حريته بدون قرارٍ قضائيٍّ، بسبب معارضته للسلطة الحاكمة، في الرأي أو المعتقد أو الانتماء السياسيّ، أو تعاطفه مع معارضيها، أو مساعدته لهم.
أصدرت المنظمات الدولية قراراتٍ وتوصياتٍ خاصةً بحقوق السجناء، بالاعتماد على مقرّرات مؤتمر الأمم المتحدة في جنيف، حيث تمّ إقرار القواعد النموذجية لمعاملة السجناء. وهي مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرّضون لأيّ شكلٍ من أشكال الاحتجاز أو السجن، ومعاملتهم معاملةً إنسانية، والحفاظ على كرامتهم الإنسانية الأصيلة، والتمتع بالحقوق المتعارف عليها في المواثيق الدولية، كحقّ المعتقل في التظلّم مما يتعرّض له في السجن من ممارسةٍ غير قانونيةٍ من قبل السلطة، إذ لا يجوز أبداً أن تُستخدم أدوات تقييد الحرية، كالأغلال والسلاسل والأصفاد وثياب التكبيل، كوسائل للعقاب. كما يجب أن يعرف أسباب اعتقاله. وحقّ الإدلاء بالأقوال في أقرب وقتٍ، والدفاع عن نفسه والاستعانة بالمحامي. والحقّ في الحصول على المعلومات عن حقوقه. والحقّ في الاتصال بالعالم الخارجيّ. والحق في تبليغ الأسرة بالمكان الذي تمّ نقله إليه. والحقّ في الاتصال وتوفير زيارة الأسرة. والحقّ في أن يكون قريباً من الأسرة، وفق القواعد النموذجية لمعاملة المسجونين. واحترام حقوقه دون تمييز.
ممارسة الدين
إذا كان السجن يضم عدداً كافياً من السجناء الذين يعتنقون نفس الدين، يُعيّن أو يُقرّ تعيين ممثلٍ لهذا الدين.
والحقّ في احترام المعتقدات الدينية والمبادئ الأخلاقية للفئة التي ينتسب إليها السجين. والحقّ في أن يسجّل في سجلٍّ مضبوط. والحقّ في الفصل بين فئات الرجال والنساء والأحداث، وبين المحبوسين احتياطياً والمحكومين.
حفظ متاع السجناء
يزوّد كل سجينٍ، لدى دخوله السجن، بمعلوماتٍ مكتوبةٍ حول الأنظمة المطبّقة على فئته من السجناء، وحول قواعد الانضباط في السجن، والطرق المرخّص بها لطلب المعلومات وتقديم الشكاوى. وحين لا يسمح نظام السجن للسجين بالاحتفاظ بما يحمل من نقودٍ أو أشياء ثمينةٍ أو ثيابٍ أو غير ذلك من متاعه، يوضع ذلك كله في حرزٍ أمينٍ لدى دخوله السجن.
الخدمات الطبية وممارسة التمارين الرياضية
كما يجب أن تتوفر للمعتقل جميع المتطلبات الصحية والطبية، ووجبات طعامٍ ذات قيمةٍ غذائيةٍ كافيةٍ لكلّ سجينٍ للحفاظ على صحته، مع الحرص على مراعاة الظروف المناخية، وخصوصاً من حيث حجم الهواء والمساحة الدنيا المخصّصة للسجناء، لتمكين كلٍّ منهم من تلبية احتياجاته الطبيعية بصورةٍ نظيفةٍ ولائقة. ولكلّ سجينٍ الحقّ في التمارين الرياضية في الهواء الطلق، ساعةً على الأقلّ في كلّ يوم.
ولا بدّ من الإخطار في حالة وفاة السجين، أو إصابته بمرضٍ خطيرٍ، أو بحادثٍ خطيرٍ، أو نقله إلى مؤسسةٍ لعلاج الأمراض العقلية. وحين يُنقل السجين إلى السجن، أو منه، يجب عدم تعريضه لأنظار الجمهور إلا بأدنى قدرٍ ممكن.
الاتصال بالعالم الخارجيّ
ويجب أن تُتاح للسجناء مواصلة الاطّلاع بانتظامٍ على مجريات الأحداث ذات الأهمية، عن طريق الصحف اليومية أو الدورية أو أية منشوراتٍ خاصّةٍ تصدرها إدارة السجون، أو بالاستماع إلى محطّات الإذاعة أو إلى المحاضرات، أو بأية وسيلةٍ مماثلةٍ تسمح بها الإدارة أو تكون خاضعةً لإشرافها. ويزوّد كلّ سجنٍ بمكتبةٍ مناسبةٍ لمختلف فئات السجناء، تضمّ قدراً وافياً من الكتب الترفيهية والتثقيفية على السواء. ويُشجّع السجناء على الإفادة منها إلى أبعد حدٍّ ممكن.
التعليم والترفيه
تُتخذ إجراءاتٌ لمواصلة تعليم جميع السجناء القادرين على الاستفادة منه، بما في ذلك التعليم الدينيّ.
العلاقات الاجتماعية والرعاية بعد السجن
تُبذل عنايةٌ خاصّةٌ لصيانة وتحسين علاقات السجين بأسرته، بقدر ما يكون ذلك في صالح كلا الطرفين. ويُوضع في الاعتبار، منذ بداية تنفيذ الحكم، مستقبلُ السجين بعد إطلاق سراحه. ويُشجّع ويُساعد على أن يواصل، أو يقيم، العلاقات مع الأشخاص أو الهيئات خارج السجن.
في السجون السورية، التي تعجّ بآلاف المعتقلين على خلفية الأزمة، تنتفي أبسط حقوق المعتقلين، كالحقّ في تبليغ الأسرة بمكان المعتقل. ومصير الآلاف منهم مجهولٌ، عدا عن التعذيب الممنهج والظروف الموغلة في لا إنسانيتها.