عندما قررت أن أصبح كردياً
ملاذ الزعبي
كان يوماً مشؤوماً... لم أجد من وسيلةٍ للتضامن مع أهالي المدن والبلدات السورية الكردية الواقعة تحت نيران داعش إلا بستاتوس فيسبوكيّ سيقلب كل الموازين العسكرية والجيوسياسية والاقتصادية والإعلامية: "أنا كردي من حوران". ما هي إلا لحظاتٌ حتى قام الرسام الكلاسيكيّ والمعارض الحاذق والسياسيّ الوطنيّ والكاتب البارز كمال اللبواني بحذفي من قائمة أصدقائه الفيسبوكيين. لكن هذا الحادث الأليم، وعلى الرغم من إقراري ببالغ جسامته، لن يكون شيئاً بالقياس إلى ما تبعه.
فزوجتي كالت لي تهمة السعي إلى الانفصال عنها، وجنيفر أنيستون اعتبرتني المسؤول الأول عن انفصالها عن براد بيت، لكنها وللأمانة، لم تذكر اسمي فيما يخص ارتباط زوجها السابق بأنجلينا جولي. وليت الموضوع وقف عند حدود براد وجنيفر وأنجلينا وهذه الشلّة، فديمة الجندي حملتني مسؤولية انفصالها عن فراس دهني، وعمر البشير اتهمني في اتصالٍ هاتفيٍّ بالضلوع في انفصال جنوب السودان عن شماله، وألمح إلى مسؤوليتي الأكيدة في أيّ انفصالٍ محتملٍ لدارفور. وكييف اعتبرتني مشاركاً في انفصال شبه جزيرة القرم، وصنعاء محرضاً على انفصال جنوب اليمن، ونيو دلهي داعماً للانفصاليين الكشميريين، وموسكو نصيراً للانفصاليين الشيشان، ومدريد مسانداً لانفصال الكتلان والباسكيين، ولندن منحازاً لانفصال الإسكتلنديين، وبكين مؤيداً لانفصال التيبت، والرباط مناصراً لانفصال الصحراء الغربية.
لم يقف الأمر عند هذا الحدّ، فبعد ساعةٍ ونصفٍ على كتابة الستاتوس، أصيبت جارتنا الحامل في شهرها الثامن بانفصال المشيمة عن الرحم، وأشعرتني عائلتها، بطريقةٍ أو بأخرى، بأن ثمة مسؤوليةً تقع على عاتقي في هذه المصيبة. حاولت اللجوء إلى مشاهدة التلفاز على أمل الخروج من سلسلة اللعنات هذه، فكانت أوّل قناةٍ تطلع في وجهي تعرض فيلم "انفصال نادر وسيمين" للمخرج الإيراني أصغر فرهادي. أغلقت التلفاز وأنا أرغي وأزبد، وعزمت مباشرةً على مراجعة الطبيب النفسيّ عابد فهد لعلّي أحصل على تفسيرٍ يشفي غليلي، فشخّص حالتي على أنها نوعٌ من أنواع الانفصال.. عن الواقع، يشبه ذاك الذي يعيشه ساسة المعارضة السورية ورئيس النظام بشار الأسد.
حاولت الترويح عن نفسي بالخروج في رحلةٍ إلى إحدى الغابات مع مجموعةٍ من الأصدقاء، ولكن ما أن انقضت نصف ساعةٍ على تجوالنا في الغابة حتى انفصلت عن باقي المجموعة وضللت طريقي. عدت إلى المنزل بعد جهدٍ جهيدٍ وجلست في الركن الشماليّ الشرقيّ من البيت، فاعتبرتني زوجتي ساعياً لإنشاء كياني الخاصّ بي في شقتنا المتواضعة، دون الأخذ بالاعتبار حاجاتها وخصوصياتها الاجتماعية والثقافية.
شتمت الساعة التي ارتأيت أن أتضامن فيها مع أحد، وقرّرت، مقبلاً غير مدبر، أن أحذف تلك الستاتوس المشؤومة، مع إدراكي لكل التقهقر العسكريّ والجيوسياسيّ والاقتصاديّ والإعلاميّ الذي سينتج عن ذلك، إلا أن خدمة الإنترنت كانت منفصلةً لعدم دفعي الفاتورة منذ ثلاثة أيام.
إلى المعارضين السوريين من أتباع المنهج البعثيّ، المصابين بانفصال الشبكية فيما خصّ الشأن الكردي: آزادي لعقولكم.