info@suwar-magazine.org

الاعتقال التعسّفي في سورية خلال الثورة

الاعتقال التعسّفي في سورية خلال الثورة
Whatsapp
Facebook Share

عاصم الزعبي

 

كان الاعتقال بأنواعه من أهمّ الطرق التي لجأ إليها النظام السوريّ في قمع الاحتجاجات التي خرجت ضدّه في مختلف أنحاء البلاد منذ آذار 2011. ولم يكن هذا الاعتقال، في يومٍ من الأيام، مبنياً على أسسٍ قانونيةٍ بحيث يتمّ بناءً على جريمةٍ حقيقيةٍ قد وقعت.

لم يضع القانون الدوليّ تعريفاً واضحاً ومحدّداً للاعتقال التعسفيّ، ولكن (مجموعة العمل حول الاعتقال التعسفيّ) عرّفته بأنه: اعتقالٌ يخالف أحكام حقوق الإنسان التي تنصّ عليها الوثائق المكتوبة الكبرى لحقوق الإنسان.

ولمزيدٍ من التحديد قامت مجموعة العمل بوضع ثلاثة أنماطٍ للاعتقال التعسفيّ:

النمط الأوّل: عندما لا يوجد أساسٌ قانونيٌّ للحرمان من الحرّية (كأن يبقى شخصٌ ما قيد الاحتجاز بعد انتهاء عقوبة سجنه).

النمط الثاني: عندما يُحرم شخصٌ ما من حرّيته كنتيجةٍ لقيامه بممارسة حقوقه وحرّياته التي يضمنها له الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان.

النمط الثالث: عندما يُحرم شخصٌ من حرّيته كنتيجةٍ لمحاكمةٍ تتعارض مع المعايير المقرّرة للمحكمة العادلة في الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان أو أية أدواتٍ دوليةٍ معينةٍ أخرى.

في سورية، نستطيع إطلاق مصطلح الاعتقال على احتجاز أصحاب الرأي أو السياسيين أو سجن أحد الأشخاص دون وجه حقٍّ؛ إذ (لا جريمة دون نصٍّ قانونيٍّ) وفق المادة التاسعة من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان و(لا يجوز القبض على إنسانٍ أو حجزه أو نفيه تعسفاً) كما هو الحال في سورية. والتعسّف هو المبالغة في استعمال الحقّ الذي تمنحه سلطةٌ ما لأحد القائمين على التنفيذ، أي السلطة التي تمنحها السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية فتستغلها الأخيرة بطريقةٍ مبالغٍ فيها تصل حدّ الإجحاف غير المبرّر.

وحسب عدّة تقارير صادرةٍ عن منظماتٍ حقوقيةٍ دوليةٍ ولجان تحقيقٍ خاصّةٍ بما يجري في سورية من انتهاكاتٍ؛ نفّذت القوّات التابعة للنظام السوريّ اعتقالاتٍ تعسفيةً أثناء العمليات الميدانية البرّية أو بعدها مباشرةً، شملت عمليات احتجاز الأطفال والنساء والمسنّين أيضاً، بالإضافة إلى احتجاز أفراد أسر المشتبه في انتمائهم إلى المعارضة المسلحة، بمن فيهم أفراد أسر الموتى من المقاتلين، بغرض الحصول منهم على معلوماتٍ أو عقاباً لهم.

ويتمّ الاحتجاز دون سندٍ قانونيٍّ، ودون أسبابٍ يجيزها القانون تبرّر احتجازهم، مع عدم منحهم الحقّ في أن يعاد النظر في أسباب احتجازهم ومدى قانونيته. ونفّذت قوّات النظام السوريّ عمليات اعتقالٍ تعسفيٍّ واحتجازٍ غير مشروعٍ، منتهكةً بذلك القانون الدوليّ لحقوق الإنسان.

 

 

كما عمدت بعض الجماعات التابعة للمعارضة المسلحة إلى سلب الأشخاص حرّياتهم بشكلٍ تعسفيٍّ، منتهكةً التزاماتها بموجب القانون الدوليّ الإنسانيّ. ولم تتح هذه الجماعات للمحتجزين إمكانية إخضاع احتجازهم لمراجعةٍ أوليةٍ ودوريةٍ من قبل جهةٍ مستقلة.

كما عمد الطرفان المتحاربان في سورية إلى أخذ الرهائن، منتهكين بذلك التزاماتهم تجاه القانون الدوليّ الإنسانيّ والقانون الجنائيّ الدوليّ. وتزايد عدد الحوادث التي ترتكبها الجماعات المسلحة المعارضة للحكومة السورية، وخصوصاً تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

كما برزت ظاهرة الخطف من قبل الطرفين بدافع الكسب الماليّ أو تبادل الأسرى. وأكثر أنواع الخطف بسبب هذا الدافع هو خطف النساء، فاضطرّت بعض الأسر إلى منع السيدات والفتيات من الخروج من المنازل، مما حدّ من حريتهنّ في التنقل والحصول على التعليم.

كما تتنافى المحاكمات التي يقيمها النظام السوريّ وبعض الجماعات المقاتلة في سورية، خصوصاً تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، مع أبسط المعايير المتبعة في المحاكمات وفق القوانين والمواثيق الدولية؛ فهي في الحقيقة محاكماتٌ صوريةٌ غالباً ما تنتهي بتنفيذ أحكام الإعدام دون وجود جريمةٍ في الأصل. إذ إن للمحاكمة العادلة شروطاً حدّدتها المواثيق الدولية من الضروريّ تطبيقها حتى في القوانين الوطنية، وهي:

1: ضمانات إلقاء القبض.

2: ضمانات الاستماع والاستنطاق (التحقيق).

3: ضمانات الحجز والتفتيش.

4: مدّة الحراسة النظرية والتدابير الاحترازية.

5: أن تكون المحكمة مختصّةً وغير استثنائيةٍ وأن تكون مستقلةً ومحايدة.

6: علنية المحاكمات وشفوية المرافعات.

7: الأصل هو البراءة (المتهم بريءٌ حتى تثبت إدانته).

8: أن تكون هناك آجالٌ ومددٌ محدّدةٌ للبتّ في القضايا.

9: أن يكون هناك محامون للدفاع عن المتهمين، وهي أبسط الحقوق.

10: وجود عدّة درجاتٍ للتقاضي بحيث لا يصدر القرار من محكمةٍ واحدةٍ بشكلٍ مبرمٍ، إضافةً إلى اتباع مبدأ عدم رجعية القوانين في المحاكمات.

كلّ ما ذكر أعلاه لا يطبَّق من قبل النظام السوريّ، وبعض الجماعات المقاتلة في سورية، على المحتجزين الذين هم في الغالبية من المعارضين السلميين وأصحاب الرأي، مما يزيد في تعسّف اعتقالهم ومعاناتهم.

إذاً، هناك التزاماتٌ متوجبةٌ على النظام السوريّ والمعارضة المسلحة في ظلّ القانون الدوليّ الإنسانيّ، من أبرزها:

  • دعوة الطرفين إلى حماية المدنيين وضمان سلامتهم وأمنهم فعلياً.
  • دعوة الطرفين إلى الكشف عن مصير الأشخاص المعتقلين بشكلٍ تعسفيٍّ، والسماح للمنظمات الدولية المختصّة بالاطلاع على حقيقة ما آل إليه مصيرهم، وحفظ الأدلة التي تثبت وقوع انتهاكاتٍ بحقّ الشعب السوريّ من كلا الطرفين.
  • دعوة الطرفين إلى عدم الإقدام على الاعتقال التعسفيّ أياً كانت صورته أو نمطه، وعدم اعتقال أيّ شخصٍ دون مبرّرٍ قانونيٍّ.
  • دعوة الطرفين إلى احترام بنود اتفاقية إنهاء كافة أشكال التمييز ضدّ المرأة (سيداو).
  • معاملة جميع المحتجزين معاملةً إنسانيةً حسب مبادئ القانون الدوليّ الإنسانيّ.

وبعد كلّ ما سبق نخلص إلى نتيجةٍ مهمةٍ هي:

ينتهك النظام السوريّ، وبعض فصائل المعارضة المسلحة، القانون الدوليّ الإنسانيّ والعهد الدوليّ الخاصّ بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضدّ المرأة (سيداو). كما يتجاهلون حقوق الإنسان الأساسية للأشخاص الخاضعين لسيطرتهم أو المحتجزين لديهم، ولا يمتثلون لالتزاماتهم بموجب القانون الدوليّ الإنسانيّ.

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard