مراسمُ زواجٍ وأعراسٌ بعيدةٌ عن التقاليد في حلب
ليليا نحاس
لم تمنع ظروف الحرب القاسية، التي يعيشها أهالي مدينة حلب، الكثير من العائلات من إقامة حفلات الزفاف، ودعوة الأقارب والأصدقاء لمشاركتهم مظاهر الفرح والاحتفال علناً.
تقيم عائلة أبو أحمد علواني حفلَ زفافٍ لابنها الأكبر، في إحدى صالات الأفراح الكبيرة داخل مدينة حلب. ويلفت أبو أحمد، والدُ العريس، إلى أنَّ "معظم الناس عادوا مؤخراً لإقامة الحفلات، بعدما اقتصرت خلال السنتين الماضيتين على احتفالٍ صغيرٍ صامت، يجمع عائلتيّ العروسين، ويُجرى في منزل أحدهما، دون أيّةِ مظاهرَ للفرح، احتراماً للجوِّ الاجتماعيِّ العامِّ الذي تملؤه المآسي والأحزان". ويعتبر أبو أحمد العودة إلى إقامة احتفالات الزفاف "تأقلماً مع ظروف حياة الحرب، فالناس اليوم بحاجةٍ إلى التفاؤل والفرح أكثر من السابق".
تبدأ حفلات الزفاف في حلب الآن مع حلول الظهيرة، وتنتهي مع حلول المساء. والغرض من هذا، كما يوضح مدير إحدى صالات الأفراح، الأستاذ عدنان غالب، هو "تمكّن جميع المدعوّين من حضور الحفل، بسبب خطورة التنقل ليلاً في العديد من أحياء حلب". ويلفت غالب إلى أن هذا الموعد "مخالفٌ لما اعتاد عليه أهالي حلب قبل ثلاث سنوات، عندما كانت الحفلة تبدأ بعد منتصف الليل، وتنتهي مع حلولِ الصباح".
ويُلاحَظُ غياب العريس عن معظم حفلات الزفاف التي تقام حالياً. والسبب، كما توضح نغم علواني، أخت العريس، أن الكثير من الشبّان يقيمون خارج البلاد. وتذكر أن أخاها لم يتمكّن من حضور زفافه. وهو حال الكثيرين ممن أنهوا دراستهم الجامعية، وتوجّهوا إلى الخارج طلباً للعمل، وهرباً من أداء خدمة العلم. أما حفلة الزفاف فتُجرى تلبيةً لرغبة العروس، ويحضرها أقارب وأصدقاء الطرفين، فيما ينتظر العريس عروسه لتأتي إليه حيث يقيم.
وتعرب حلا، وهي العروس، عن استيائها لغيابِ زوجها عن حفل الزفاف، واضطرارها إلى الابتعاد عن أهلها، لتستطيع بناء عائلةٍ جديدةٍ في ظروفٍ طبيعية. لكنها تؤكد سعادتها بتحقيق حلمها بإقامة حفل زفاف، رغم كل الظروف الصعبة، وهو ما لم يُتح للكثيرات من صديقاتها.
لم يقتصر غياب العريس على حفل الزفاف، فمعظم خطوات الزواج باتت تتمّ عن بعد. سلمى، كالكثير من الفتيات في حلب، وجدت في وسائل التواصل الاجتماعيّ حلاً وحيداً للتعرّف على خطيبها، وتقديمه إلى عائلتها.
وعن تجربتها بالارتباط عن بعدٍ تقول: "تقدّمتْ أم خالد لخطبتي، وعرضتْ عليّ التعرف على ابنها عبر الإنترنت. تمكّنتُ، أنا وعائلتي، من التحدّث مع العريس عبر السكايب. وكان هذا كافياً للاتفاق على كلّ شيء".
فرضت ظروف حياة الحرب طابعاً جديداً للأعراس الحلبية، واضطرّ الأهالي إلى التخلي عن العديد من العادات والتقاليد المرتبطة بمراسم الزواج، كإطلاق النار ابتهاجاً خلال الأفراح، وإقامة عراضةٍ شعبيّةٍ لزفِّ العروسين، تتخللها مبارزةٌ استعراضيةٌ بالسيوف.
تقول الحاجّة أم رامي من حلب :"التزمت العائلات الحلبية المعروفة، وخصوصاً سكّان أحياء حلب القديمة، بالتقيّد بالأعراف والتقاليد الحلبية. وأهمّها اصطحاب (جاهةٍ) من رجال الحيّ وكبار التجّار لطلب يد العروس، وإجراء (التلبيسة) في حمّامِ السوق، وإقامة حفلِ زفافٍ للنساء وآخر للرجال، إضافةً إلى احتفالات المباركة التي تتمّ بعد الزواج". وترى أم رامي أن اتّباع هذه الأعراف في الوقت الحاضر بات "شبه مستحيل".
وتعدّ تكاليف الزواج في الوقت الراهن أقلّ من السابق. إذ كان العريس، سابقاً، مسؤولاً عن معظم التكاليف وفقاً للتقاليد الحلبية، كتقديم المهر والهدايا خلال الخطوبة، وشراء البيت والذهب، إضافةً إلى تكاليف حفلة الزفاف وشهر العسل. وبسبب ظروف الحياة الصعبة، يتغاضى أهل العروس اليوم عن معظم هذه الأمور.
يقول العمّ صادق، والد العروس سلمى: "تقدّم خاطب ابنتي بمحبسٍ ذهبيٍّ لا أكثر. خالد (العريس) ذو أخلاقٍ حسنة، ويملك عملاً ليُعيل عائلته. وهذا كافٍ، بالنسبة إليّ، لأبارك زواجه من ابنتي".