info@suwar-magazine.org

"العالم الجديد" هروبٌ من الماضي وبحثٌ عن هويّة

"العالم الجديد" هروبٌ من الماضي وبحثٌ عن هويّة
Whatsapp
Facebook Share

يوسف شيخو

 

يخاطب مهاجرٌ ألبانيٌّ مواطناً إيطالياً، وهو في طريقٍ جبليةٍ تسير به إلى تلك الحياة المليئة بالآمال، قائلاً: "حين أصل إلى إيطاليا سأتزوج بإيطالية، وسأنجب الكثير من الأطفال.. لن أتحدث معهم بالألبانية، فقط سأستخدم الإيطالية، وهكذا سينسى أولادي أن والدهم ألبانيّ!". يأمل ألبانيٌّ آخر في أن يستلقي في أحضان نساءٍ من جميلات روما، في حين يتخيل ثالثٌ أنه سيفتح حقيبته للمال "بمجرّد أن يصبح مسيحياً"، وهو المتّجه إلى "عاصمة الكاثوليك" من دولةٍ ذات غالبيةٍ مسلمة.

 

ربما اختصرت هذه المشاهد، التي تتالى في أحداث فيلم "Lamerica"، للمخرج الإيطاليّ جياني اميليو، حالة البؤس والفقر التي كان يعانيها الشعب الألبانيّ، وهو يعيش على الحلم المتمثل في الوصول إلى أراضي ذاك العالم الجديد، عالمٍ خالٍ من الحروب والفقر والعوز، وسط الانهيار الاقتصاديّ والاضطرابات الاجتماعية التي كانت سائدةً في الدولة البلقانية، الواقعة في جنوب شرق أوروبا. ومن هنا بدأت فكرة الانسلاخ عن الماضي والهروب من الواقع، عبر البحث عن مجتمعٍ آخر، اقتلاع الجذور وخلق هويةٍ جديدة.

 

تبدأ أحداث "Lamerica"، الذي يمتد لـ(116) دقيقة، برصد مواطنَين إيطاليَّين (جينو) و(فيوري)، ويؤدّي الدورين انريكو لوفيدسي وميشيل بلاسيدو، يتّجهان إلى ألبانيا بعد سقوط الشيوعية في مطلع تسعينيات القرن العشرين، وذلك بهدف الترويج لمشاريع وهمية. ومن هنا يتمّ تصوير الواقع الألبانيّ، حيث الفقر والحرمان يؤدّيان إلى اختيار التسوّل والسرقة وسائل عيشٍ وأدوات بقاء. أبناء هذه البلاد صاروا يرون في إيطاليا محطّ رحالٍ وعالماً جديداً شبيهاً بالحلم، هي إيطاليا نفسها التي كانت ترى في أميركا حلمها ومتنفّسها وخلاصها مما كانت ترزح تحته من بطشٍ وفقر.

 

يستخدم الفيلم، في حواراته، اللغتين الإيطالية والألبانية. ولا يتوقف عن تصوير تفاصيل الحالة الاجتماعية الاقتصادية، مقارناً بين أوضاع الطليان قبل الحرب العالمية الثانية، وخضوعهم لنظامٍ ديكتاتوريٍّ فرض عليهم التفكير في الهروب ومغادرة الوطن، والحلم كان أرض أميركا، وبين أوضاع الألبانيين بعد انهيار المنظومة الاشتراكية، وهم يبحثون عن ذاك العالم الجديد، الذي يأملون في أن يرحّب بطموحاتهم في تلك الفترة العصيبة.

 

ولعل هذه المقارنة تحيلنا بالفعل إلى "العالم الجديد" (Nuovomondo)، وهو عملٌ من إنتاج عام 2006، للمخرج الإيطاليّ إيمانويل كرياليزيه، والذي يصوّر خلاله الحالة الإيطالية في مطلع القرن العشرين (1910)، عبر هجرة عائلةٍ فقيرةٍ من قريتها في جزيرة صقلية، متّجهة نحو عالم الأحلام "أمريكا". فهناك، في أرض الفرص، تزرع الخضروات العملاقة، والناس تسبح في الحليب، فيما تمطر السماء قطعاً نقدية.

 

ويركّز (Nuovomondo)، الذي حاز على جوائز عدّةٍ في مهرجان "فينيسا" وكذلك جائزة "يونيسيف"، على بساطة القرويين في الجنوب الإيطاليّ، وتصوّراتهم الساذجة عن الأرض الجديدة، أرض الأحلام التي ما أن يصلوها حتى تفتح السعادة والراحة أبوابها، غير أنهم يمرّون بمواقف قاسيةٍ، ربما احتاجوا وقتاً للعودة إلى الواقع الذي يتضمن تفاصيل مختلفةً عن تلك المعلقة في أذهانهم منذ عزمهم على الرحيل.

وكما يذكر التاريخ تلك الهجرة التي حصلت من ألبانيا، المأزومة آنذاك، باتجاه إيطاليا، وكذلك إلى اليونان؛ يفيد التاريخ ذاته بأن الهجرة المتواصلة من إيطاليا، بشكلٍ كثيفٍ، بدأت لغرض البحث عن لقمة العيش والتجارة والمهن. وبدأ "الشتات الإيطاليّ" على نطاقٍ واسعٍ في العام 1861، وانتهى مع "المعجزة الاقتصادية" الإيطالية في الستينات، بعد أن شمل حوالي 25 مليوناً، في أكبر هجرةٍ جماعيةٍ معاصرة. ويكشف لنا الاطلاع على عالم مشاهير أمريكا الكثير من الأسماء ذات الجذور الإيطالية في مجالات الفنّ والاقتصاد والسياسة.

 

 

 

لمشاهدة الفيلم كاملاً ؛

الترجمة غير متوفرة

 

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard