التعذيب في سجون النظام السوريّ بين القانون الدوليّ والقانون السوريّ
عاصم الزعبي
مع اندلاع المظاهرات السلمية المطالبة بالحرّية في سوريا، في آذار من العام 2011، كان اعتقال المشاركين في المظاهرات والداعين إليها من أبرز الأسلحة التي استعملتها قوّات النظام السوريّ الأمنية لردع من يشارك فيها. ولم تكتفِ الأجهزة الأمنية التابعة للنظام بالاعتقال فقط، وإنما انتهجت سياسة التعذيب الشديد الذي قد يفضي إلى الموت داخل السجون ومراكز الاحتجاز، في انتهاكٍ واضحٍ للقوانين الدولية ولاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والتي صادقت عليها الحكومة السورية في العام 2004.
ومع مرور أيام الثورة، أخذت سياسة التعذيب شكلاً ممنهجاً، وتطوّرت إلى ما يمكن وصفه بجرائم ضد الإنسانية، وفق المادة السابعة من نظام روما الأساسيّ للمحكمة الجنائية الدولية.
أولاً: عرّفت الفقرة الأولى من المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والنافذة بتاريخ 26 حزيران 1987، التعذيب بأنه: (أيّ عملٍ ينتج عنه ألمٌ أو عذابٌ شديدٌ، جسدياً كان أم عقلياً، يُلحق عمداً بشخصٍ ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخصٍ ثالثٍ، على معلوماتٍ أو على اعترافٍ. أو معاقبته على عملٍ ارتكبه، أو يشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخصٌ ثالث. أو تخويفه أو إرغامه، هو أو أيّ شخصٍ ثالث. أو عندما يُلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأيّ سببٍ من الأسباب يقوم على التمييز أياً كان نوعه، أو يحرّض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه، موظفٌ رسميٌّ أو أيّ شخصٍ آخر يتصرّف بصفته الرسمية. ولا يتضمّن ذلك الألم أو العذاب الناشىء فقط عن عقوباتٍ قانونيةٍ، أو الملازم لهذه العقوبات، أو الذي يكون نتيجةً عرَضيةً لها).
ثانياً: التعذيب الذي يشكّل جريمةً ضد الإنسانية:
حدّد ميثاق روما الأساسيّ لمحكمة الجنايات الدولية أركاناً معينّةً لجريمة التعذيب لتكون جريمةً ضد الإنسانية، وفق المادة السابعة منه. وهذه الأركان هي:
1: أن يُلحق مرتكب الجريمة ألماً شديداً أو معاناةً شديدةً، سواءً بدنياً أو نفسياً، بشخصٍ أو أكثر.
2: أن يكون هذا الشخص أو هؤلاء الأشخاص محتجَزين من قبل مرتكب الجريمة أو تحت سيطرته.
3: أن لا يكون ذلك الألم أو تلك المعاناة ناشئين فقط عن عقوباتٍ مشروعةٍ، أو ملازمَين لها، أو تابعَين لها.
4: أن يُرتكب السلوك كجزءٍ من هجومٍ واسع النطاق أو منهجيٍّ موجّهٍ ضدّ سكانٍ مدنيين.
5: أن يعلم مرتكب الجريمة بأن السلوك جزءٌ من هجومٍ واسع النطاق أو منهجيٍّ موجّهٍ ضدّ سكانٍ مدنيين، أو أن ينوي أن يكون هذا السلوك جزءاً من ذلك الهجوم.
وعند مقارنة جرائم التعذيب التي تمارسها قوّات النظام السوريّ وأجهزته الأمنية في مراكز الاحتجاز يتبين مدى انطباق سلوكها مع أركان جريمة التعذيب التي تشكّل جريمةً ضدّ الإنسانية.
ثالثاً: التعذيب في القانون السوريّ:
ينصّ الدستور السوريّ لعام 2012، في الفقرة الثانية من المادة 53، على أنه: (لا يجوز تعذيب أحدٍ أو معاملته معاملةً مهينةً. ويحدّد القانون عقاب من يفعل ذلك. ولا يسقط هذا الفعل الجرميّ بالتقادم).
وهذا ما نصّت عليه سابقاً المادة 391 من قانون العقوبات السوريّ، التي تحظر التعذيب وتعاقب مرتكبيه، في الفقرات التالية:
1: من سام شخصاً ضروباً من الشدّة لا يجيزها القانون، رغبةً منه في الحصول على إقرارٍ عن جريمةٍ أو أيّ معلوماتٍ بشأنها، عوقب بالحبس من ثلاثة أشهرٍ إلى ثلاث سنوات.
2: وإذا أفضت أعمال العنف عليه إلى رضٍّ أو جراحٍ كان أدنى العقاب الحبس سنة.
ولكن، رغم هذه القوانين التي تمنع التعذيب وتعاقب عليه في القانون السوريّ، إلا أن النظام رفض، إلى الآن، إلغاء العمل بالمادة 16 من القانون 14 لعام 1969، والتي بموجبها تعطى حصانةٌ لرجال الأمن في حال ارتكابهم جرائم، إذ لا تجوز ملاحقتهم إلا بموافقة القائد المسؤول عنهم.
وتشكّل هذه المادة انتهاكاً صارخاً لكلّ القوانين الدولية والوطنية ولاتفاقية مناهضة التعذيب التي وقّعت عليها الحكومة السورية.
ونتيجةً لذلك، تستمرّ هذه الانتهاكات في السجون التابعة للنظام، على الرغم من الفضائح التي نشرت عالمياً عن ارتكاب مجازر تعذيبٍ رهيبةٍ من قبل قوّات النظام السوريّ، وكان من أبرزها نشر 55 ألف صورةٍ مسرّبةٍ من ضابطٍ منشقٍّ من الشرطة العسكرية السورية، تظهر فيها صور قرابة 11 ألف معتقلٍ قضوا في السجون ومراكز الاحتجاز، تمّ تعذيبهم بأبشع أساليب التعذيب الممنهج.
ورغم تلك الفضيحة، لم تتوقف هذه الجريمة ليومٍ واحدٍ في سورية. ففي كلّ يومٍ يوثّق الناشطون في مجال حقوق الإنسان حالاتٍ عديدةً لأشخاصٍ قضوا تحت التعذيب.
ونورد إحصائية شهر كانون الأول من العام المنصرم 2014، عندما تمّ توثيق ما لا يقلّ عن 104 حالاتٍ لأشخاصٍ قضوا تحت التعذيب في مراكز الاحتجاز النظامية وغير النظامية التابعة لقوّات النظام.
إذاً، حالات القتل تحت التعذيب مستمرّةٌ منذ العام 2011 دون توقف. وجرت عدّة محاولاتٍ لتحويل ملفّ التعذيب في سوريا ليُنظر أمام محكمة الجنايات الدولية، ولكن جميعها باءت بالفشل، لأن سوريا غير موقّعةٍ على ميثاق محكمة الجنايات الدولية. فلتحويل هكذا ملفٍّ لا بدّ من قرارٍ يصدر عن مجلس الأمن الدوليّ. وقد تمّ استعمال الفيتو من قبل روسيا والصين أكثر من مرّةٍ، مما أدّى إلى تعطيل هذا القرار. ليبقى ملفّ التعذيب في سوريا معلقاً إلى أمدٍ غير معلوم، ويبقى المعتقلون هم الضحية والخاسر الأكبر.