العاصفة زينة تحصد أرواح السوريين وتقطع موارد الحياة
لبنى سالم
ضربت العاصفة القطبية زينة كلاً من سوريا والأردن وتركيا وفلسطين. واصطلح على تسميتها بـ"هدى" في كلٍّ من الأردن وفلسطين، و"زينة" في لبنان. وأضافت المزيد من المعاناة إلى المآسي التي خلّفتها الحروب والأزمات في المنطقة. وكغيرها من الأزمات، جاء وقع العاصفة أقسى على السوريين الموجودين داخل سوريا، واللاجئين إلى دول الجوار.
لم يكن تهديد العواصف الجوّية في حسبان السوريين، الذين عانوا على مدى أكثر من ثلاث سنواتٍ من مآسي الحرب والدمار والنزوح والمرض وغيرها. يذكر سامر، أحد اللاجئين في لبنان، لمجلة "صور": "لطالما خشينا برودة الشتاء في المخيّم، إلا أننا لم نتوقع أن تهاجمنا الطبيعة بهذه الشراسة. ولم يمتلك أيٌّ منا ما يحميه من العاصفة".
وصلت العاصفة إلى المنطقة في الثلاثاء الأوّل من السنة، حاملةً رياحاً شديدةً وأمطاراً غزيرةً وثلوجاً. وتسببّت في انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر في معظم المناطق، وهو ما يعدّ أقلّ من معدّلات درجات الحرارة في المنطقة.
وفياتٌ واقتلاعٌ لخيام اللاجئين
كان نصيب اللاجئين السوريين من الوفيات هو الأكبر، فقد وثّق ناشطون وفاة 16 لاجئاً سورياً في المخيّمات. ويذكر الأستاذ قصي فاضل أنَّ "أياً من المخيّمات لم تكن مهيأةً لمقاومة هذه العاصفة، أو حتى ما هو أقلّ شدّةً منها". والجدير بالذكر أن "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" وثقت وفاة 27 سورياً بسبب البرد منذ آذار 2011.
وقد ضربت العاصفة بشدّةٍ مناطق الحدود السورية التركية، حيث تنتشر تجمعاتٌ كبيرةٌ لمخيمات النازحين السوريين. ويؤكد الأستاذ فيصل نجيب أنّ "مخيمات النازحين شهدت مأساةً إنسانيةً إثر العاصفة، التي أدّت إلى تشكل السيول التي ألحقت أضراراً كبيرة بالخيم والغرف، لا سيما في تجمع الكرامة ومخيم أطمة".
ويشير الأستاذ غسان المرزوق، أحد متطوعي الإغاثة في مخيم أطمة، إلى أنَّ "آلاف الخيم جُرِفت ولم تعد صالحةً للسكن، وأنَّ آلاف اللاجئين فقدوا كلّ ما يملكون وعادوا من جديدٍ ليكتسوا العراء، ويبدأوا رحلة نزوحٍ جديدةً علّهم يجدوا مكاناً يحميهم من الأذى".
"نموت ليحيا أطفالنا"
في ظلّ شحّ المساعدات الإغاثية التي قُدّمت للمخيّمات المتضرّرة، بدأ أهالي مخيم أطمة الحدوديّ حملة إضرابٍ عن الطعام، حملت اسم: "نموت نحن ليحيا أطفالنا". وأعلن عددٌ من الجمعيات وروابط حقوق الإنسان تضامنه ومشاركته أهالي المخيم في الإضراب. وتلخّصت مطالب الحملة بـ"تبديل الخيم التي تضرّرت بسبب العاصفة، وتأمين أحد وسائل الدفئة لكلّ خيمة، والخبز أو الطحين لأهالي المخيم، إضافةً إلى مراكز صحيةٍ لعلاج الأمراض المتفشية". واشترطت الحملة تنفيذ المطالب خلال مدّةٍ لا تتعدّى الأسبوع. ويقول المرزوق إنّ "نتائج الحملة جاءت دعائيةً أكثر منها واقعية، إلا أن عدداً من الجمعيات لبّت النداء، فقد بادرت IHH التركية إلى توزيع الطعام على اللاجئين بشكلٍ دوريٍّ، إضافةً إلى وصول القليل من المساعدات التي لم تسدّ الحاجة".
أما في لبنان، فقد عزلت الثلوج مخيمات اللاجئين السوريين عن المناطق المجاورة، وأغلقت جميع الطرق الجبلية المؤدية إليها. كما غطّت الثلوج مخيم عرسال، واجتاحت السيول مخيمات منطقة عكار. ويؤكّد عاصم فاروق، أحد المشرفين على مخيم عرسال، لمجلة "صور"، أن "أهالي المخيم تكبّدوا خسائر كبيرة، أولها خمس وفياتٍ تسبّب بها البرد الشديد، إضافةً إلى إصابة المئات بأمراض البرد، كالإنفلونزا والتهاب القصبات والأمراض الهضمية. ويشير فاروق إلى شحّ موارد التدفئة في المخيّم، إذ "لا يحظى الكثير من اللاجئين غير المسجَّلين ببطاقات الوقود، إضافةً إلى الصعوبات التي تواجه حاملي هذه البطاقات بصرفها من المناطق المجاورة". ويضيف أنّ "الكثير من حاجيات الأهالي تلفت بسبب تسرّب الأمطار، أو ضاعت بين الثلوج". ويلفت إلى الروح المعنوية المنخفضة التي عمّت المخيم، بسبب اليأس من الأوضاع المعيشية السيئة فيه.
أضرارٌ كبيرةٌ وشللٌ للحياة في المدن السورية
أقبلت العاصفة على دمشق محمّلةً بالثلوج، التي عمّت فيما بعد مختلف المناطق السورية، وتراكمت بارتفاعٍ أعلى في منطقتي الزبداني وميسلون. فيما غطّى البياض منازل وشوارع العاصمة، ما أدّى إلى انقطاع حركة السير في العديد من الشوارع والأوتوسترادات الرئيسية. ويروي أحمد أنَّ "معظم سكان المدينة التزموا منازلهم بسبب صعوبة التنقل. والقليل فقط من الدمشقيين يملكون مازوت التدفئة، وقد زاد انقطاع التيار الكهربائيّ الطين بلّة". ويضيف: "استعنّا بما لدينا من ثيابٍ شتويةٍ لاتقاء البرد القارس".
من جهتها، أعلنت وزارتا التعليم العالي والتربية، التابعتان للنظام السوريّ، عن تأجيل امتحانات يومي الأربعاء والخميس لطلاب الجامعات والمعاهد والمدارس. ثم عادتا وأعلنتا عن تمديد التأجيل إلى يوم الاثنين، بسبب استمرار تساقط الثلوج.
ويشير السائق عبد الله إلى أنّ "حركة النقل البرّيّ قد توقفت بين دمشق ومعظم المحافظات، فقد أصبحت الطرق ذات خطورةٍ كبيرةٍ على مختلف المركبات بسبب تشكّل الصقيع وتراكم الثلوج. ولم يستطع أحدٌ من الطلاب أو الموظفين التنقل بين المدن والأرياف المجاورة".
أما الأقسى فقد عاشته غوطة دمشق، وخاصةً دوما. إذ تسبّب البرد الشديد في وقوع خمس وفياتٍ بالمدينة، جميعهم من الأطفال. يذكر خالد القادري، من دوما، أنَّ "أهالي المدينة قاموا بدفن خمسة أطفالٍ في يومٍ واحدٍ، لم يستطيعوا تحمّل البرد والصقيع، وسط استحالة الحصول على الدفء في المدينة التي تفرض عليها قوّات النظام حصاراً كاملاً". ويلفت خالد إلى أن "عمليات القصف لم تتوقف حتى خلال العاصفة، وأن عدداً آخر من الضحايا المدنيين سقطوا بسبب القذائف".
وقد رافق العاصفة ارتفاع أمواج المتوسّط واضطراب البحر، مما تسبّب في إيقاف الملاحة في السواحل السورية. كما شهدت المدن الساحلية أمطاراً كانت الأغزر في البلاد، فسجّلت محافظة اللاذقية المنسوب الأعلى من الأمطار. إلا أن البنية التحتية، ومجاري الصرف في الشوارع، لم تكن ذات جاهزيةٍ عاليةٍ لتصريف هذه الكميات الكبيرة من المياه، ما أدّى إلى تشكل السيول في الشوارع وطوفان بعض الساحات. تقول سمر: "غمرت مياه الأمطار ساحات اللاذقية وشوارعها، التي لم تكن مجهّزةً بشكلٍ جيدٍ للتصريف". وتضيف أنّ الأسوأ هو ما يعانيه النازحون إلى المدينة، "فالكثير منهم يقطنون في مبانٍ لا تزال قيد الإنشاء، ولا وجود لجدرانٍ تقيهم عصف الرياح وبلل الأمطار".
واختتمت العاصفة أذاها في حلب، التي تسبّبت الثلوج فيها بشللٍ في مفاصل الحياة. ويقول عبد الله الحلبي لـ"مجلة صور" إن "الانقطاع التامّ للمحروقات عن المدينة، والذي بدأ منذ أيامٍ ورافق العاصفة، حرم الجميع من الدفء، وأدّى إلى انقطاع التيار الكهربائيّ بسبب توقف مولدات الكهرباء المحلية عن العمل، ومضاعفة أسعار ما بقي منها". ويتابع: "تحوّل سائقو سرافيس النقل العام إلى بيع حصصهم اليومية من المازوت بأسعارٍ مرتفعةٍ، بدلاً من تشغيل السرافيس. وتسبّبوا في شلل حركة السير داخل المدينة، ما أدّى إلى اضطرار الناس إلى السير على أقدامهم للتنقل". وقال ناشطون إنّ خمس وفياتٍ سُجّلت في ريف حلب. ويذكر فاضل العربي لمجلة "صور" أنه "شهد وفاة أحد كبار السنّ في حيّ الميسّر في حلب. وقد أصيب الرجل بحالةٍ من الرجفان الشديد، وانخفضت حرارة جسمه. وتمّ نقله تحت الثلوج إلى إحدى المشافي، إلا أن قلبه توقف فجأةً قبل الوصول إلى المشفى".