بانوراما الاقتصاد السوريّ في 2014...
أربع حكوماتٍ عجزت عن حلّ ثماني أزماتٍ أنهكت السوريين خلال أربعة أعوام
رغد البني
لم يمرّ يومٌ على المواطن السوريّ وهو بخير، ابتداءً من العام 2011. ففي كلّ عامٍ تُعيد نحو 8 أزماتٍ معيشيةٍ كرّتها عليه؛ وهي الخبز والمازوت والكهرباء والبنزين والغاز والماء والنقل وارتفاع الأسعار.
والمشكلة أن حلّ كلّ أزمةٍ مرتبطٌ بالأخرى؛ فالماء مرتبطٌ بالكهرباء، والكهرباء مرهونةٌ بحلّ أزمة الغاز، والنقل مرتبطٌ بتوافر البنزين والمازوت، ولـ"يحلّها الحلال" حسب تعبير السوريين.
ولا يقتصر هذا الحال على المناطق والمحافظات غير الآمنة، بل يطال المواطنين في جميع المناطق والمحافظات، ولكن بنسبٍ متفاوتة. فحكومة النظام السوريّ، برئاسة وائل الحلقي، تعد بحلولٍ أقصاها أيامٌ لكلّ هذه الأزمات، فتمتدّ الحلول معها لأشهرٍ وأحياناً لسنين. لكن، رغم ذلك، فقد بثّ الحلقي أكبر جرعة أملٍ في نفوس السوريين حين قال إن 2015 هو عام التفاؤل.
أما الحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة فأدهشت الكثيرين حينما نُقل عنها قبل أيامٍ خبرُ إفلاسها، وإبلاغُها الموظفين بأنهم سيعملون بشكلٍ طوعيّ.
وكذلك، فإن حال السوريين الرازحين تحت حكومة الإدارة الذاتية التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطيّ ليس أحسن. ويعتبر الحال في ظلّ داعش هو الأسوأ، لأن قطع الرأس وتطبيق الحدّ هو الحلّ الوحيد لأيّ تمرّدٍ على فرض الضرائب أو الزكاة، أو غيرها من القوانين التي يفرضها داعش على الحياة المعيشية للسوريين.
والمصيبة أنّ كلّ فئةٍ سياسيةٍ تستهدف الأخرى بمعيشة المواطن؛ فالمعارضة تقطع الكهرباء عن ريف حلب للضغط على حكومة النظام السوريّ، والنظام متَّهمٌ بقطع وسائل الإمداد عن المناطق الخاضعة لعملياته العسكرية، والإدارة الذاتية لا حول لها ولا قوّة أمام الحصار المفروض عليها، أما داعش فتدّعي أنها تنفذ تعليمات "القرآن والسنة"، اللذين لا تعلوهما سلطة.
مجلة صوَر تصحبكم في بانوراما الأزمات التي مرّت على المواطن السوريّ في 2014 في المحافظات السورية القابعة تحت إدارة أربع حكوماتٍ... والبداية مع حكومة وائل الحلقي:
المازوت... "قرارٌ فاسد"
قراراتٌ كثيرةٌ اتخذتها حكومة وائل الحلقي في عام 2014، كانت سبباً في تدهور الحالة المعيشية للمواطن. فارتفاع الأسعار طال كل شيء، إذ رفعت الحكومة أسعار المحروقات والخبز والطحين والسكّر والرزّ والماء والكهرباء. وما زاد الطين بلةً أن ارتفاع الأسعار تزامن مع ندرة المواد وفقدانها.
فمثلاً، أصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قرارين، يقضي الأوّل برفع سعر ليتر المازوت الحرّ الخاصّ بالتدفئة من 60 ليرةً سوريةً إلى 80 ليرة، ويقضي الثاني برفع سعر ليتر البنزين من 120 إلى 140 ليرة.
وفي نهاية الشهر، تمّ تخفيض سعر البنزين، إثر تخفيضه عالمياً، ليصبح سعر الليتر الواحد منه 135 ليرةً بدلاً من 140.
أما المازوت المباع لفعّاليات القطاع الخاصّ فحدّدت الوزارة سعره بـ150 ليرةً لليتر الواحد، ثم عادت لتخفضه في نهاية العام إلى 140 ليرةً أيضاً، بعد نداءاتٍ كثيرةٍ أطلقها اتحاد غرف الصناعة السورية لتخفيض السعر، بعد أن تجاوز السعرَ العالميّ بنحو 30% ولا يزال.
وبذلك تكون الوزارة قد حدّدت سعرين للمحروقات، أحدهما خاصٌّ بالمواطنين والثاني بفعّاليات القطاع الخاصّ. وهذا ما تسبّب في زيادة أزمة المازوت، إذ لجأ الصناعيون إلى تأمين هذه المادّة بالطرق المختلفة، بالسعر الرخيص الذي يباع للمواطن، وهو 80 ليرةً، وأصبح التسعير المنتشر في السوق عند حدود 150 فقط.
وعندما انتبهت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك إلى المشكلة، أعلنت أن توحيد تسعيرة المازوت هو شغلها الشاغل. ثم عاد رئيس الحكومة ليشير إلى بابٍ للفساد فتحه إقرار تسعيرتين للمحروقات، مشيراً إلى أن حكومته ستعمل على توحيد سعر المحروقات لاحقاً.
الكهرباء والماء والخبز:
وفي منتصف العام 2014 أصدرت وزارة الكهرباء قراراً برفع سعر الكهرباء لمختلف الأغراض. وكان الارتفاع بنسبة 70% إلى 150% للشرائح المنزلية فوق الـ800 كيلو واط. ولم ترتفع التعرفة بالنسبة إلى الاستهلاك دون 800 كيلو واط. ولا تتعلق المشكلة برفع سعر الكهرباء بقدر ما تتعلق بالتقنين الطويل، الذي يمتدّ لنحو 22 ساعةً في بعض المناطق، حتى الآمنة منها، لأسبابٍ مختلفةٍ ساقتها وزارة الكهرباء، منها نقص الغاز اللازم لتشغيل محطّات توليد الكهرباء، والاعتداءات على هذه المحطات بشكلٍ عامّ.
وفي الشهر ذاته، رفعت حكومة وائل الحلقي سعر المياه. ورفعت أيضاً أسعار بيع السكّر الأبيض والرزّ وفق البطاقات التموينية "بونات" إلى 50 ليرةً للكيلو غرام، بعد أن كان الكيلو بـ25 ليرة.
وأتى هذا القرار عقب يومٍ من تحديد سعر ربطة الخبز بـ25 ليرةً، بعدما كانت بـ15 ليرةً، وسعر الكيلو بـ15 ليرةً، بعدما كان بـ9 ليراتٍ، أي بنسبة ارتفاعٍ تصل إلى 67%.
كما ارتفع الدولار إلى ما يقارب 220 ليرةً في السوق السوداء، في نهاية العام، لترتفع -بناءً عليه- أسعار الخضار والسلع الغذائية والمواصلات بنسبة 35% كحدٍّ أدنى.
مفارقة:
كثيرةٌ هي معاناة المواطنين في المناطق التابعة لسيطرة النظام، لكن جلّ هذه المشكلات يتمحور حول أسعار المحروقات وندرتها. وأكّد كثيرون أن تعامل الحكومة مع الأزمات ينمّ عن عدم اكتراثها. كما عبّر كثيرون عن تشاؤمهم من المستقبل، فقال أحد المستطلَعين: "طالما أن هيكلية الحكومة على حالها، فالأمور تتجّه نحو الأسوأ".
واستغرب آخر مما اعتبره "مفارقةً"، حين افتتح رئيس الحكومة مجمّعاتٍ سياحيةً بدمّر وطرطوس، في حين لم تحلّ الحكومة مشكلة الكهرباء والغاز. بل، وفوق ذلك، طالبَ وزير المالية إسماعيل إسماعيل المواطنين بالتقشف. ولم يستبشر المستطلَع بالحالة الاقتصادية إلا في حال توقف آلة الحرب والبدء فعلاً بإعادة الإعمار.
وقال ثالث: "إن الاقتصاد في بلدنا ليس أكثر من مسمّى". مبيّناً أن المواطن وحده من يعاني الأزمات، وأن المسؤولين منفصلون عن الواقع. متوقعاً أن عام 2015 سيكون الأسوأ، طالما أنه لا يوجد برنامجٌ اقتصاديٌّ واضحٌ تسير عليه الحكومة.
أداء "المعارضة":
وبالانتقال من حكومة وائل الحلقي إلى الحكومة السورية المؤقتة برئاسة أحمد طعمة، نجد أن الوضع لا يختلف كثيراً؛ فأسعار المحروقات ارتفعت بسبب ضربات التحالف وسيطرة داعش على حقول النفط شرق البلاد، في دير الزور والحسكة. فوصل سعر ليتر البنزين في حلب إلى 400 ليرةٍ سوريةٍ، وجرّة الغاز إلى 4500 ليرة، فيما يتراوح سعر ليتر المازوت بين 100 و150 ليرة.
ولا يقتصر الأمر على المحروقات، بل تعاني مناطق المعارضة من عوزٍ كبيرٍ في الخبز. فقد كشفت وزارة المالية في الحكومة السورية المؤقتة عن أزمة قمحٍ لتأمين رغيف الخبز. كما تحدّثت منظمة الأمن الغذائيّ العالميّ (فاو) عن 6.3 مليون سوريٍّ يعانون من أزمةٍ متفاقمةٍ في الحصول على الدقيق والخبز.
والذي زادَ المعاناةَ إعلانُ برنامج الأغذية العالميّ عن إيقاف مساعداته عن 1.7 مليون لاجئٍ سوريٍّ، ثم استئناف هذه المساعدات بشكلٍ مؤقتٍ، بعد ورود مبالغ أسهمت فيها بعض الدول العربية وحملاتٌ فيسبوكيةٌ لدعم اللاجئين السوريين.
وفي مقابل كلّ ذلك بدت الحكومة المؤقتة عاجزةً عن فعلّ أيّ شيءٍ، لدرجة أنها أعلنت إفلاسها. وتفوّقت عليها حكومة الحلقي لجهة الاستمرار في صرف رواتب الموظفين، والتعاقد مع دولٍ "صديقةٍ" لتأمين المواد الأساسية، رغم كلّ الحصار والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
وتشتدّ المعاناة:
ذات المشاكل المعيشية التي حدّثنا عنها السوريون في المناطق الآمنة، سمعناها من السوريين في المناطق التي يسمّونها "محرّرة"، وتقع تحت إدارة الحكومة المؤقتة، لكن بنسبٍ مضاعفة. فالكثير من السكان في المناطق الشمالية يعانون من أزماتٍ في الكهرباء والاتصالات والطرقات، وارتفاع أسعار الأعلاف والمازوت.
وأفادنا أحد المزارعين أن سعر برميل المازوت وصل إلى 22 ألف ليرةٍ، ويصل سعر طن السماد إلى نحو 50 ألفاً، ما وضع المزارع أمام واقعٍ حرجٍ للغاية. كما تصل إيجارات المنازل في إعزاز إلى 35 ألف ليرة.
الإدارة الذاتية... حصارٌ من هنا وهناك:
وبالانتقال إلى حكومة الإدارة الذاتية، فقد تجلّت المعاناة الكبرى خلال 2014 في كوباني، حيث مارس تنظيم داعش الحصار عليها. ولم يكن هذا الحصار هو الأوّل، إذ أمضت المنطقة معظم العام المنصرم تحت حصارٍ فرضته مجموعاتٌ مسلّحةٌ محسوبةٌ، حينها، على جهاتٍ كثيرةٍ، بحجّة استهداف حزب العمال الكردستانيّ (PKK).
وحاول السكان اختراق الحصار عبر تهريب موادّ غذائيّةٍ من تركيّا. لكن هذه المحاولات اصطدمت، في معظم الأحيان، بتشدّدٍ أمنيٍّ تركيّ.
ورغم ذلك، تسير الحياة داخل عفرين بطريقةٍ منظّمةٍ. ويواجه السكان انقطاع الكهرباء بالاشتراك في مولّدات الكهرباء الضخمة التي تنتشر بكثرة. فيما مياه الشرب مقطوعةٌ أيضاً، وباتت الآبار هي البديل الوحيد. إضافةً إلى الغلاء الفاحش في أسعار المواد. وما زاد الطين بلةً أن السكان لم يستطيعوا تصريف محصول الزيتون، علماً أن الاقتصاد المحليّ في كوباني يعتمد على زراعة الزيتون بالدرجة الأولى.
أسوأ قرار... اللاقرار:
وباستطلاعٍ قامت به "صور" لآراء بعض القاطنين تحت حكومة الإدارة الذاتية، تكرّرت الأحاديث عن عدم التوافق بين الموارد والرواتب وبين متطلبات العيش، في حين كانت الحكومة تتعامل بلا مبالاةٍ، وعجزت عن حلّ المشاكل.
وقالت جاندا غساني إن "البطالة في ازدياد، والأسعار في ارتفاع. والكهرباء مقطوعة. والأطفال يتسرّبون من المدارس. وقد أثّرت الكهرباء على جميع فئات المجتمع، من المزارع إلى الطبيب. ولم تقم الحكومة بأيّ شيءٍ حيال أزمات الغاز والخبز والمواصلات، ولم تهتمّ بوضع المعابر بين سوريا وتركيا، وكانت بعيدةً عن اقتصاد الشعب".
ورأى آخرون أن أسوأ قرارٍ اتخذته الإدارة الذاتية هو عدم اتخاد القرار لجهة الحدّ من ارتفاع الأسعار وأزمات الكهرباء والنقل وغيرها.
الأسوأ عند "داعش"
ظروفٌ اقتصاديةٌ لا تقلّ حدّةً، تلك التي يعانيها السكان الخاضعون لسلطة تنظيم داعش في سوريا. إذ يفرض التنظيم قوانين وقراراتٍ بشأن العمل في النفط وتكريره، ويسيطر على أغلب المنشآت النفطية في دير الزور والحسكة شرق سوريا، ويتحكّم باقتصاد المناطق التي يسيطر عليها، ويصدر قراراتٍ تضيّق الخناق أكثر على المواطنين؛ مثل رفع أسعار النفط الخام، وإجبار التجّار والعاملين في النفط على شرائه بالدولار حصراً، ومنع العمل بتكرير النفط في أغلب قرى وبلدات المنطقة الشرقية. وأدّت الغارات الجوّية التي يشنّها التحالف إلى فقدان العديد من الموادّ الغذائية، وبالتالي إلى ارتفاع الأسعار، وعزّزت السوق السوداء.
وارتدّت القوانين التعسّفية والقرارات الصارمة التي يفرضها داعش على أصحاب الأعمال والمشاريع الصغيرة. فقد فرض التنظيم على التجّار وأصحاب المعامل في مناطق سيطرته بريف حلب الشماليّ الشرقيّ "دفع الزكاة" عن طريق "ديوان الزكاة" التابع له.
ولا يوفّر داعش وسيلةً إلا ويضغط بها على الأهالي، حتى أنه قطع الإنترنت والاتصالات الخليوية والكهرباء، حينما قام بتحويل القسم الأكبر من الطاقة الكهربائية التي تنتج من سدّ الفرات إلى مناطق أخرى في ريف المدينة، ما اضطرّ أهالي المدينة إلى شراء الكهرباء من المولّدات التابعة للتنظيم.
وأمام تخاذل الحكومات الأربع، سواءً حكومة وائل الحلقي أو أحمد طعمة أو الإدارة الذاتية أو داعش، عن حلّ 8 أزماتٍ قلبت حياة السوريين رأساً على عقب منذ 4 سنواتٍ، لم يبقَ أمامهم سوى انتظار الفرج من السماء، كما يردّد أغلبهم.