حين تتحوّل الدول إلى مستودعٍ للجثث
لا يشبه الموت في بلادنا أيّ موتٍ؛ هو الأكثر وحشيةً على الإطلاق والأكثر بربريةً، فهو يعكس رغباتنا المكبوتة بطريقةٍ سينمائيةٍ حرقاً وذبحاً، أو قصفاً بالبراميل التي تسقط على رؤوس الناس. فلا مهرب من مناظر الدم والجثث التي تسقط في كلّ مكانٍ، والتي باتت صورها تستوطن عيوننا.
تراجيديا حرق الطيار الأردنيّ معاذ الكساسبة على يد تنظيم الدولة الإسلامية كانت الأكثر إجراماً ووحشيةً. واستطاعت داعش من خلالها أن تجرّ الأردن، كدولةٍ، إلى ردّ فعلٍ أقلّ ما يقال عنه إنه صبيانيٌّ بإعدام ساجدة الريشاوي انتقاماً.
في الوقت ذاته كان الموت يحصد أرواح الدمشقيين وأهل دوما، إثر مغامرةٍ طائشةٍ من زهران علوش بقصفه لدمشق بالصواريخ، مما أعطى النظام الحجّة لتدمير مدينة دوما بقصفها بالبراميل والصواريخ، وهو المعروف بأنه لا يحتاج إلى أيّ سببٍ ليدمّر أيّة مدينةٍ سورية. لندرك بعد كلّ هذا القتل والدمار إلى أيّ مستوىً من التوحّش وصل إجرام من يريدون إخضاع الناس لحكمهم.
الصدمة والذهول اللذان تخلّفهما الأعمال الإجرامية الموغلة في التوحّش يُفقدان الناس القدرة على المقاومة، ويجعلان الاستسلام لمشيئة مرتكبي الإجرام أمراً مسلّماً به. وهذا ما يصبو إليه كلٌّ من داعش والنظام السوريّ، من خلال الترويج للقتل والدمار بهدف نشر الإحباط وسدّ الآفاق أمام كلّ الآمال التي حملتها رياح التغيير إلى المنطقة. كما أن ذلك يخدم سياسات العديد من الدول التي كانت شعوبها تنتظر دورها في التغيير، غير أن التوحّش ورسائل الدم والذبح المتبادلة أسهمت في جعلها خائفةً من التغيير.
ولا يتوقّف الأمر عند النظام السوريّ وداعش وزهران علوش، بل هي حالةٌ متجذّرةٌ لدى كلّ المستبدين والشموليين في المنطقة. فما حدث في استاد الدفاع الجويّ بالقاهرة، من قتلٍ لمشجّعي فريق الزمالك من قبل الشرطة المصرية، لا يختلف عما ارتكبه داعش من إجرامٍ بحقّ العمال المصريين الأقباط في ليبيا.
صارت بلداننا مستودعاتٍ ومعارض للجثث الممثّل بها، تصدّر صور الموت والتوحّش إلى العالم بأسره. وبعد أن كان طموح شباب المنطقة بالتغيير يرتبط بحلمهم بأن تدخل بلدانهم التاريخ من باب الحرّيات والتقدّم والازدهار الاجتماعيّ والاقتصاديّ والعلميّ، دخلنا التاريخ من أحد أبوابه الخلفية؛ باب المجازر والخراب والوقائع الدموية التي سيحفظها التاريخ بالتأكيد، لفظاعتها التي لا تُنسى.
إنها البربرية بأوضح صورها: الذبح والقتل المتبادلان بين المجرمين، والضحايا دائماً هم الأبرياء.