info@suwar-magazine.org

"الأخضر" يأكل الليرة ويشعل السوق

"الأخضر" يأكل الليرة ويشعل السوق
Whatsapp
Facebook Share

الدولار لن ينخفض عند 200 ليرةٍ بعد اليوم

"الأخضر" يأكل الليرة ويشعل السوق... ودواليب أسعار الصرف تقف عند الصفر

اقتصاديٌّ: المركزيّ الذي أثبت فشله داخل مملكته.. لن يكون قادراً على التدخل في لبنان

سوريون يحمّلون ميالة وعلوش مسؤولية تدهور الليرة...

الأمن السوريّ يصادر الدولارات على خطّ دمشق بيروت

درغام: المصرف المركزيّ استنزف احتياطياً نقدياً استغرق جمعه 20 عاماً

عاصي: كلام الحلقي غير واقعيٍّ ولا اقتصاديّ

 

رغد البني

 

"الأخضر يشتعل" عبارةٌ يتداولها صيارفة دمشق منذ أن ناطح الدولار حاجز 250 ليرةً.

تحوّل الدولار، الذي يعرف بـ"الأخضر"، هذه المرّة من ضحيةٍ إلى مفترسٍ، فأكل الليرة والسوق معاً. فقد انفلتت الأسعار عن عقالها، لدرجة أن البقدونس صار يسعّر بالدولار. ولترتفع، مع ارتفاعات الأسعار، درجة حرارة المستهلك إلى حدّ الحمى.

يأتي هذا في وقتٍ يحاول فيه مصرف سورية المركزيّ، بشكلٍ ماراثونيٍّ، الحدّ من تدهور الليرة. لدرجة أن البعض اعتبر أن حاكم المركزيّ، أديب ميالة، قد مال عن رشده حينما أعلن أنه سيتدخل في سوق بيروت لضبط أسعار الصرف هناك. ولما لم يفلح في ذلك، لجأ إلى مصادرة دولارات الناس على الحواجز والطرقات، وخفّض من قيمة الحوالات المسموح لشركات الصرافة الاحتفاظ بها وبيعها، في حملةٍ بائسةٍ للملمة دولاراتٍ فرّط بها قبل أن تبدأ الأزمة، ولا يزال...

"صوَر" تستعرض في هذا الملف واقع سعر الصرف في سورية، وأسباب ارتفاعه، وتأثيره على المواطن، والمحاولات المبذولة لكبح جماحه...

الليرة تساوي صفراً:

تحوّلت الأرقام على شاشات نشرات أسعار الصرف إلى أصفارٍ في شركات الصرافة العاملة في دمشق وريفها، فالدولار مقابل الليرة يساوي صفراً وكذلك اليورو وبقية العملات الأجنبية... ليس لأن العملة السورية احترقت بأكملها، بل لأنه لم يعد مجدياً لشركات الصرافة أن تبيع الدولار بالسعر الذي حدّده البنك المركزيّ، ويصل إلى ما يقارب 220 ليرةً وفق سعر التدخل، في حين أن السعر الحقيقيّ في السوق يصل إلى 250 ليرةً.

وليست شركات الصرافة فحسب، بل إن المواقع المتخصّصة بنشرة أسعار الصرف امتنعت عن نشر أسعار الصرف مقابل الليرة، حتى لا يتهمها حاكم البنك المركزيّ، أديب ميالة، بأنها تشوّش على سعر الصرف. واستبدلت أيضاً الأصفار بكلّ الأرقام، وكأنها تعلن وصول الليرة السورية إلى حتفها.

وزاد من اشتعال الصورة قيام مصرف سورية المركزيّ برفع سعر صرف الليرة أمام الدولار ليتعدّى 203 ليراتٍ، في محاولةٍ منه لمجاراة سعر الصرف في السوق، بعد أن ارتفع إلى 254 ليرةً.

ولتخسر الليرة السورية في ظلّ هذا المشهد نحو 76% من قيمتها أمام الدولار منذ بداية الأزمة، وفقاً للسعر الرسميّ، و78% من قيمتها وفقاً لسعر التدخل، و80% من قيمتها وفقاً لسعر السوق السوداء. ما يعني أن فرق الخسارة بين السوقين النظاميّة والسوداء هو 3% فقط، حسب ما بيّن محللٌ ماليٌّ لـ"صور".

تلفيقٌ في الوجه:

يعتقد العديد من السوريين، ممن أصبحوا خبيرين بتحليل سعر الصرف لكثرة الحديث في هذا الموضوع، أن سبب تدهور الليرة يعود إلى مضاربة التجار أولاً، وإلى إجراءات البنك المركزيّ، وإلى ارتفاع سعر المازوت ثالثاً، وإلى الحرب رابعاً.

وفي استطلاعٍ أجرته "صور" طلب أحد المواطنين من البنك المركزيّ عدم التدخل في سوق الصرف، لأن تدخله يعني تدهور السعر أكثر.

ورأى آخر أن تهديدات قائد جيش الإسلام، زهران علوّش، لدمشق لها أثرها المهمّ في ارتفاع سعر الدولار.

وبدا التأثير الجليّ لارتفاع سعر الدولار على الأسواق مباشرةً، فقد ارتفعت أسعار السلع والمواد الغذائية بنسبة 45% دفعة واحدة. ويختلف سعر السلعة الواحدة بين سوقٍ وآخر، حسب درجة التأثير النفسيّ في الأسواق
وحاولت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك التنصّل من مسؤوليتها في رفع الأسعار بعد أن أصدرت قراراً برفع سعر المحروقات، لدرجة أن وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، حسان صفية، دعا كلّ الفعاليات الاقتصادية المنتشرة في المحافظات إلى السعي إلى تخفيض أسعارها بما يتناسب مع انخفاض سعر مادة المازوت للقطّاع الخاصّ، كما قال.

وأعقبت كلام الوزير موجةٌ من الغضب، فقد اعتبر الكثيرون أن الحكومة صارت تلفّق على الناس مواجهةً، فهي التي رفعت سعر ليتر المازوت من 80 إلى 125 ليرةً دفعة واحدة، حينما قامت بتوحيد سعر المحروقات بين القطّاعين العام والخاصّ.

كما أن سعر ليتر المازوت لا يقلّ عن 150 ليرةً، كحدٍّ أدنى، في كازيات دمشق، نظراً لعدم توافره. ما يجعل كلام الحكومة مثيراً للاشمئزاز.

بدورهم، يؤكّد التجار أن ارتفاع الأسعار سببه ارتفاع سعر الصرف، وارتفاع أجور شحن البضائع، وارتفاع سعر المازوت. ويلقون السبب في كلّ ذلك على الحكومة التي أسهمت في رفع أسعار كلّ هذه المواد، إضافةً إلى تأثيرات الأزمة في السوق.

 

"كلامٌ غير واقعيٍّ":

ومن المستهلك والتاجر إلى وجهة النظر الرسمية؛ فحكومة الحلقي لا تبدي قناعتها بتحليلات المواطن والتاجر معاً، وتسوق أسباباً أخرى لارتفاع سعر الصرف، هي أبعد عن الواقع، حسب مراقبين. إذ يؤكد رئيس الحكومة، وائل الحلقي، أن لا حجّة للتجار بربط أسعار الموادّ بسعر صرف الليرة، لأن المواد متكدّسةٌ ومتوافرةٌ في مستودعاتهم، وليست لها علاقةٌ بارتفاع أسعار الصرف.

ويردّ عضوٌ في غرفة تجارة دمشق، في تصريحٍ لـ"صور"، بالقول: إن السوق يعاني نقصاً في بعض الموادّ. والتجار ليست لديهم مستودعاتٌ لتكديس البضائع أصلاً، لأن هذه المستودعات في المناطق الساخنة.

وكذلك ترى وزيرة الاقتصاد السابقة، لمياء عاصي، أن كلام الحلقي غير اقتصاديٍّ وغير واقعيّ؛ فالتجار، في كلّ دول العالم، يحسبون بضائعهم في المستودعات بحيث تكون القيمة النقدية لها قادرةً، في المستقبل القريب، على شراء نفس الكمية من البضائع على الأقلّ، بالإضافة إلى هامش ربح. وعدا ذلك يعتبر التاجر نفسه في حالة خسارة، حسب عاصي.

ولا يتوقف الحلقي عند ما سبق فحسب، بل يبدو أبعد ما يكون عن الواقع حينما يربط ارتفاع سعر صرف الليرة السورية بإقبال التجار والصناعيين الكبير على شراء الدولار نتيجة تنامي حركة الإنتاج في المدن الصناعية، حسب قوله.

ويأتي كلام الحلقي في وقتٍ تبدو فيه أهمّ مدينةٍ صناعيةٍ، في الشيخ نجار بحلب، مدمّرةً بالكامل رغم محاولات ترميمها، إضافةً إلى مدينة دير الزور الصناعية أيضاً، فيما تبدو الحركة الصناعية في مدينتي عدرا وحسياء في حدودها الدنيا.

مصادرة الدولارات:

منذ بداية الأزمة والبنك المركزيّ يعقد الجلسات تلو الجلسات للتدخّل في سعر الصرف. وفي كلّ مرّةٍ يضخّ ملايين الدولارات في الأسواق، من خلال السماح لشركات الصرافة بالتصرّف بنسبةٍ من الحوالات الواردة إليها، بدأت من 30% وانخفضت إلى 10% بعد الارتفاع الهائل للدولار، وذلك ضمن الإجراءات التقليدية وغير التقليدية التي يعلن عنها.

وآخر مفاجآت حاكم مصرف سورية المركزيّ، أديب ميالة، هي إعلانه التدخل في سعر الصرف في بيروت، لأنها تتسبّب في تدهور الليرة، حسب قوله.

ولكن، وعقب أسبوعٍ من هذا الإعلان، لم ينخفض الدولار بل وصل إلى ما يزيد عن 250 ليرةً. وعليه لم يجد المصرف المركزيّ السوريّ سوى القوّة للحدّ من تدهور الليرة، حين قامت الضابطة الأمنية بحملةٍ شعواء على أسواق المرجة والحريقة، وبدأ الأمن السوريّ بتفتيش المارّة في هاتين المنطقتين بحثاً عن الدولار، ثم قام بمصادرة الدولارات من المواطنين عند الحواجز الممتدّة بين دمشق وبيروت، علماً أنه يحقّ للسوريّ، وفق قرارٍ صادرٍ عن مجلس النقد والتسليف، اصطحاب 1500 دولارٍ معه إلى لبنان.

ومن جهةٍ ثانيةٍ فإن لبنان يطلب، لدخول أراضيه من سورية، أن يحوز القادم مبلغاً لا يقلّ عن ألف دولارٍ، ما يعني أنه لا يمكن دخول بيروت من دون دولار.

وعليه تساءل محللٌ ماليٌّ في تصريحه لـ"صور": كيف للبنك المركزيّ أن يتحكّم في سوق بيروت وهي ليست تحت سيطرته، ولن يكون فاعلاً فيها بالشكل المراد؟ معتبراً أن سوق بيروت ليست أكثر من أداةٍ تنفيذيةٍ لتدهور سعر الصرف، وأن المركزيّ، الذي أثبت فشله في سوقه المحلية، لن يكون قادراً على النجاح خارج حدوده، خاصةً وأن اللعب على المكشوف في سوق بيروت.

وأضاف: إن جزءاً من الليرات السورية الموجودة في سوق بيروت خرجت عن أنظار المركزيّ. وإن الذين يريدون شراء دولاراتٍ من المركزيّ السوريّ في بيروت هم من يمتهنون لعبة المضاربة، وقد سجّلوا نقاط ربحٍ كثيرةً على المركزيّ.

الليرة... مشكلةٌ لم تخلقها الحرب:

ليست الحرب وحدها وتداعياتها المختلفة هي من تسبّب في تدهور الليرة، بل إن اجراءاتٍ عدّةً اتخذها المركزيّ أسهمت هي الأخرى في عدم قدرة الليرة السورية على التحمّل. ويلخّص المحلل الاقتصاديّ دريد درغام هذه الأمور بالقول: إن السياسة النقدية لمصرف سورية المركزيّ لم تعزّز التنمية ولم تقوِّ الليرة؛ إذ إنه قام في الفترة السالفة بتمويل أكبر قدرٍ من المستوردات دون وضوحٍ في أولوية القطاعات القادرة على تنمية غيرها. وقام بفكّ الارتباط بين الاستيراد والتصدير، وسمح للمصدّرين بالتصرّف في إيراداتهم من العملة الأجنبية دون أيّة قيود. كما سمح ببيع أيّ "مواطنٍ" راغبٍ وقادرٍ على شراء 10 آلاف دولار شهرياً دون سؤاله عن الأسباب، ما تسبّب باستنزاف الاحتياطيّ، الذي كان يقارب 18 مليار دولارٍ، استغرق جمعُه عقدين من الزمن.

ويتحدّث درغام عن المفارقة في التعامل إزاء سعر الصرف في الأزمات، مقارناً بين ما يفعله مصرف سورية المركزيّ وبين ما يتوجّب عليه فعله، فيقول: في الأزمة تتعدّد أسعار الصرف عادةً، ويُحصر بيع الاحتياطيّ الرسميّ عادةً بالسعر المنخفض لشراء المواد الأساسية وتأكيد كبح التضخم. مشيراً إلى أن ما حصل هو العكس؛ فالمصرف المركزيّ صار يبيع الدولار لأيٍّ كان، بدلاً من تخصيص ما تبقّى للسلع الأساسية، ثم يقوم بنشر أسماء الذين تجاوزا المبالغ المخصّصة لشراء الدولار، بعد أشهرٍ من شرائهم آلاف الدولارات. مؤكّداً أن ما يحدث هو نتيجةٌ طبيعيةٌ لغياب الانسجام بين المعنيين برسم مستقبل الاقتصاد.

 

لن تنخفض عن 200 ليرة:

وحتى لا تبدو الصورة شديدة السوء، فإن الليرة السورية كانت قد انخفضت العام الماضي إلى حدودٍ أكثر مما هي عليه اليوم، فقد وصلت إلى نحو 300 ليرةٍ أمام الدولار، ثم عادت لتكسب بعضاً من قيمتها، لتصل إلى نحو 150 ليرةً قبل أن تعود إلى الارتفاع مؤخّراً، ما يعني أنه يمكن تدارك هبوط الليرة أكثر. لكنها، بطبيعة الحال، لن تنخفض بعد اليوم عن 200 ليرةٍ، لأن مصرف سورية المركزيّ ثبّتها عند ما يقارب هذا الحدّ في نشرة السعر الرسميّ الصادرة عنه.

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard