الاغتصاب في السجون السورية وتوصيفه في القانون الدوليّ والسوري
عاصم الزعبي
(العالم يتكلم عن السلاح الكيماويّ كأداةٍ للإبادة الجماعية في سوريا. وأنا أقول إن اعتقال النساء وتعرّضهنّ للاغتصاب أخطر من السلاح الكيماويّ، فالموت أهون علينا من التعرّض للاغتصاب)..
كلماتٌ اختزلت بها سيدةٌ سوريةٌ تعرّضت للاعتقال في سجون النظام السوريّ ما شاهدته بعينها من عمليات اغتصابٍ تعرّضت لها معتقلاتٌ سورياتٌ، ووصفت عظم المأساة التي تحدث في الأقبية المظلمة.
فمع تصاعد وتيرة الصراع في سوريا بدأت تظهر شهاداتٌ مختلفةٌ عن عمليات الاغتصاب التي تتعرّض لها النساء في سجون النظام السوريّ، أو خلال المداهمات التي يقوم بها الجيش والقوّات الأمنية السورية للأحياء وللمناطق المدنيّة.
ما لا يقلّ عن 6500 امرأةٍ وفتاةٍ، بعضهنّ دون السنّ القانونيّ، لا يزلن معتقلاتٍ في سجون النظام السوريّ، إذ يتمّ اعتقال ما بين 5 – 11 امرأةً شهرياً. ولا يمكن الوصول إلى إحصائيةٍ دقيقةٍ لأعداد المعتقلات، كما لا يمكن تحديد إحصائيةٍ دقيقةٍ لعدد النساء اللواتي تعرّضن للاغتصاب. ويعود ذلك لأسبابٍ متعدّدةٍ منها تكتّم القسم الأكبر من هؤلاء النساء، لأسبابٍ اجتماعيةٍ منها نظرة المجتمع وردّة فعل الأهل السلبية في الغالب، إضافةً إلى محدودية المعلومات المتوافرة في هذا الخصوص.
الاغتصاب في القانون الدوليّ:
اعتبر القانون الدوليّ الاغتصاب جريمةً من جرائم الحرب، وجريمةً ضد الإنسانية. وعدّها اعتداءً جسيماً على مبدأ الحماية الذي قرّرته اتفاقيات جنيف لعام 1949، خصوصاً الاتفاقية الرابعة للمدنيين.
كما أن الاغتصاب، وجرائم العنف الجنسيّ الأخرى، وردت ضمناً وحُرّمت في العديد من الاتفاقيات الدولية بعد اتفاقيّتي لاهاي، ومنها الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، والعهد الدوليّ للحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الدولية الخاصّة بالرقّ وبالممارسات الشبيهة به، أو غيرها.
كما اعتبر الاغتصاب نوعاً من أنواع التعذيب الجسديّ أساساً، ونوعاً من أنواع المعاملة المهينة والحاطّة بالكرامة، مما يسبّب معاناةً كبيرةً وألماً وأضراراً جسديةً وصحيةً ونفسية.
ويبقى التوصيف الأدقّ لجريمة الاغتصاب ما جاء في ميثاق روما الناظم لمحكمة الجنايات الدولية، الذي صنّف الاغتصاب كجريمةٍ ضد الإنسانية، وجريمة حربٍ. ولكلٍّ من هاتين الجريمتين أركانها القانونية.
أولاً: أركان جريمة الاغتصاب كجريمةٍ ضدّ الإنسانية وفق المادة السابعة من نظام روما:
1: أن يعتدي مرتكب الجريمة على جسد شخصٍ بأن يأتي سلوكاً ينشأ عنه إيلاج عضوٍ جنسيٍّ في أيّ جزء من جسد الضحية، أو ينشأ عنه إيلاج أيّ جسمٍ أو أيّ عضوٍ آخر من الجسد في شرج الضحية أو في فتحة جهازها التناسليّ، مهما كان ذلك الإيلاج طفيفاً.
2: أن يُرتكب الاعتداء باستعمال القوّة، أو بالتهديد باستعمالها، أو بالقسر من قبيل ما ينجم عن الخوف من تعرّض ذلك الشخص أو الغير للعنف أو الإكراه أو الاحتجاز أو الاضطهاد النفسيّ أو إساءة استعمال السلطة، أو باستغلال بيئةٍ قسريةٍ، أو يُرتكب الاعتداء على شخصٍ يعجز عن التعبير عن حقيقة رضاه.
3: أن يُرتكب السلوك كجزءٍ من هجومٍ واسع النطاق أو منهجيٍّ موجّهٍ ضدّ سكانٍ مدنيين.
4: أن يعلم مرتكب الجريمة أن هذا السلوك جزءٌ من هجومٍ واسع النطاق أو منهجيٍّ موجّهٍ ضدّ سكانٍ مدنيين، أو أن ينوي أن يكون هذا السلوك جزءاً من ذلك الهجوم.
ثانياً: أركان جريمة الاغتصاب كجريمة حربٍ وفق المادة الثامنة من نظام روما:
1: أن يعتدي مرتكب الجريمة على جسد شخصٍ بأن يأتي سلوكاً ينشأ عنه إيلاج عضوٍ جنسيٍّ في أيّ جزءٍ من جسد الضحية، أو ينشأ عنه إيلاج أيّ جسمٍ أو أيّ عضوٍ آخر من الجسد في شرج الضحية أو في فتحة جهازها التناسليّ، مهما كان ذلك الإيلاج طفيفاً.
2: أن يُرتكب الاعتداء باستعمال القوّة، أو بالتهديد باستعمالها، أو بالقسر من قبيل ما ينجم عن الخوف من تعرّض ذلك الشخص أو الغير للعنف أو الإكراه أو الاحتجاز أو الاضطهاد النفسيّ أو إساءة استعمال السلطة، أو باستغلال بيئةٍ قسريةٍ، أو يُرتكب الاعتداء على شخصٍ يعجز عن التعبير عن حقيقة رضاه.
3: أن يصدر السلوك في سياق نزاعٍ مسلّحٍ ذي طابعٍ غير دوليٍّ، ويكون مقترناً به.
4: أن يكون مرتكب الجريمة على علمٍ بالظروف الواقعية التي تثبت وجود نزاعٍ مسلح.
الاغتصاب في قانون العقوبات السوري:
أورد قانون العقوبات السوريّ جريمة الاغتصاب في الباب السابع منه، المخصّص لبحث الجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة. وقام بتحديد عقوباتٍ على هذه الجريمة وفق عدّة مواد، منها المادتان 489 – 490.
المادة 489:
1: من أكره غير زوجه بالعنف أو بالتهديد على الجماع عوقب بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنةً على الأقل.
2: ولا تنقص العقوبة عن إحدى وعشرين سنةً إذا كان المعتدى عليه لم يتمّ الخامسة عشرة من عمره.
المادة 490:
يعاقَب بالأشغال الشاقة تسع سنواتٍ من جامع شخصاً غير زوجه، لا يستطيع المقاومة بسبب نقصٍ جسديٍّ أو نفسيٍّ، أو بسبب ما استعمل نحوه من ضروب الخداع.
وبتطبيق أركان الجريمة، وفق القانونين الدوليّ والسوريّ، على ما يجري في السجون السورية هناك انطباقٌ على جرائم الاغتصاب التي تجري في هذه السجون. ولكن ما يزال من يقوم بهذه الجرائم دون ملاحقةٍ أو عقابٍ بسبب استمرار العمل بالمادة 16 من القانون 14 لعام 1969، التي تعطي حصانةً لرجال الأمن في حال ارتكابهم جرائم.
إذاً، جريمة الاغتصاب من أكثر الجرائم سوءاً بحقّ المجتمع ومن يتعرّض لها، لما فيها من إيذاءٍ للنفس البشرية، لترافقها بالعنف الذي يؤدّي إلى أذىً جسديٍّ ونفسيٍّ بمختلف أنواعه.