جيش الإسلام - علوش: نزعة التجريب العسكريّ والإفناء الذاتيّ
فادي.أ.سعد
بسقوط قذائف جيش الإسلام - زهران علوش على مناطق مدنيةٍ في دمشق تشهد الحرب السورية تحولاً دراماتيكياً جديداً، في سلسلة تحوّلاتها التي لا تنتهي، كما في كلّ الحروب المستعصية في التاريخ، لاسيّما تلك المركّبة سياسياً مذهبياً والمتراكبة محلياً إقليمياً دولياً.
في تحوّلها الأخير، وهذه المرّة من جانب المعارضة، تستمرّ الحرب السورية في تجريب خياراتٍ لا حدّ لها، في وقتٍ يصبح فيه التجريب خياراً مفتوحاً باتجاه اجتراح خلاصٍ أو حلٍّ للواقع الجحيميّ للسوريين مدنيين ومجموعاتٍ مسلحة...
ليس التجريب وقفاً على قوّات النظام العسكرية وميليشياته العسكرية المدنية، بل هو خيارٌ أمام القوّات التي تقاتله، وبعيداً عن المنطق والأخلاق؛ فكلّ محاولةٍ للحلّ هي أمرٌ مقبولٌ بالنسبة إلى عقل العسكريّ، وعقل السياسيّ أيضاً، مع فرق أن العقل العسكريّ قد يذهب باتجاه مساراتٍ غير منطقيةٍ بالنسبة إلى العقل السياسيّ، والعكس صحيح...
يذهب العقل العسكريّ إلى الانتحار، في مرّاتٍ كثيرةٍ، مقابل أملٍ أو وهمٍ بتغيير قواعد المعركة، أو أملٍ في وضع حدٍّ لها عبر الانتصار العسكريّ فحسب... وهنا، وفي الحال السوريّ الراهن، لا سيما في حال المجموعات العسكرية الإسلامية –ومن ضمنها جيش الإسلام- قد يكون الحلّ مرتجلاً بغير خطةٍ أو إستراتيجيةٍ عسكريةٍ قريبة أو متوسطة أو بعيدة الأمد. فضلاً عن اقتصار الحلّ على الجانب العسكريّ وحده، فلا خطّةً موازيةٌ سياسيةً أو إعلاميةً، ولا تنسيقاً مع مجموعاتٍ عسكريةٍ أخرى لها هدفٌ واحدٌ هو إسقاط النظام.
بهذا الأسلوب وواقع الحال يصبح العمل العسكريّ المعارض للنظام عملاً فردياً أو من جانب فصيلٍ عسكريٍّ واحدٍ، قد يتعارض مع خطّة أو "لا خطّة" باقي المجموعات "الصديقة". وهو ما رأيناه يتكرّر كثيراً، منذ أوائل سنة 2013، في غير مكانٍ من ريف دمشق، بحيث تعمل كلّ مجموعةٍ مقاتلةٍ ضدّ النظام لحسابها الخاصّ، أو لحساب جهاتٍ إقليميةٍ متزاحمةٍ على الوليمة السورية الساخنة، وبحيث يؤدّي القتال العفويّ الانفراديّ لكلّ مجموعةٍ على حدةٍ متعةً خاصّةً لقوّات النظام تؤمّن لها الانتصار العاجل أو الآجل، فلا خطّةً ولا قيادةً موحّدةً لقوّات المعارضة العسكرية بل أيضاً رفضٌ للتعاون بينها ولو على السبيل اللوجستيّ، كما لو كنا في مملكة الطوائف والإمارات المستقلة، مما يؤدي إلى تدمير هذه المجموعات العسكرية المعارضة واحدةً بعد الأخرى...
وفي شأن الرعاة الإقليميين المتنافسين على دعم المجموعات المقاتلة ضدّ النظام، يبدو لنا أن لهؤلاء مآرب غير إسقاطه، وغير انتصار الشعب السوريّ. بل ربما تقف مآربهم دون سقوط النظام ودون انتصار الشعب السوريّ، فضلاً عن انكشاف نوايا هؤلاء الرعاة تجاه الثورة السورية منذ وقتٍ مبكّر؟
لا بدّ هنا من مراجعة منطلقات وغايات جيش الإسلام منذ تكوينه حتى لحظة قراره الإعلاميّ الدعائيّ بإطلاق صواريخه على دمشق. المهمّ، هنا، أن نبحث عن مرجعية القرار عند جيش الإسلام؛ هل هو قرارٌ ذاتيٌّ داخليٌّ يخضع لعوامل الأرض الموضوعية، بحيث يراعي حاجات المعركة وحاجات الناس وآمالهم، ويراعي تطوّرات الوضع السياسيّ السوريّ السوريّ، والسوريّ الإقليميّ الدوليّ؟ أم هو قرارٌ خارجيٌّ يخضع لأهواء الراعي الدينيّ والماليّ وطموحاته بحيث يشارك في إدارة المعركة السورية السورية من باب هواجسه القومية الوطنية الخاصّة التي من ضمنها الحفاظ على نفوذه الإقليميّ في مواجهة متدخّلين إقليميين آخرين في سورية، وبما يتناغم على وقع التفاوض الإيرانيّ الأمريكيّ؟
بالعودة إلى جيش الإسلام و"إستراتيجيته" الجديدة، بدأ هذا الجيش بالإعلان عن إستراتيجيته بما يذكّر بأسلوب الحرب النفسية، معلناً أن صواريخه ستطال العاصمة دمشق في تاريخٍ محدّدٍ، طالباً من المدنيين عدم الاقتراب من مراكز النظام. وهو أسلوبٌ يذكّر بأسلوب المقاومة الحمساوية في فلسطين، وبأسلوب حزب الله في جنوب لبنان، تجاه إسرائيل.
وإذا كان جيش الإسلام يستلهم تجربة حماس وحزب الله فهو أمرٌ جيّدٌ من حيث المبدأ، لأنه يشير إلى أن هناك من يبحث عن فتح أفقٍ في العمل العسكريّ غير ما سلف وثبت عدم نجاعته، لكن استلهام أية تجربةٍ، مهما كانت ناجحةً، من غير أقلمتها بحسب ظرف الأرض والحالة السياسية، هو أمرٌ مكتوبٌ له الفشل الأكيد.
فإسرائيل شيءٌ والنظام الأسديّ شيءٌ آخر، ولبنان شيءٌ وسورية شيءٌ آخر. نبدأ من كون لبنان وحزب الله هما، قانونياً –بما يتعلق بقرارات الأمم المتحدة بحقّ حزب الله بالدفاع عن لبنان ضد إسرائيل- وسياسياً ودبلوماسياً ودعائياً، طرفٌ واحدٌ ضدّ إسرائيل. وثانياً أن لبنان كان متكاتفاً كلياً مع حزب الله، رغم الآراء المختلفة للفرقاء السياسيين وللأحزاب، غير أن الدبلوماسية كانت، إلى حدٍّ بعيدٍ، مساندةً لحزب الله في كلّ حروبه ضدّ إسرائيل. ثالثاً؛ حشدَ حزب الله وإيران، عبر آلةٍ دعائيةٍ عربيةٍ ودوليةٍ، ضد إسرائيل، مظهراً عدالة قتاله ضدّها.
وعدا الفرق بين وحشية كلٍّ من نظام الأسد وإسرائيل، لصالح الأوّل بالطبع، فبذكر ما سبق، مقارنةً مع وضع جيش الإسلام في مواجهة قوّات الأسد، سنجد الفارق الهائل، بل التناقض شبه التامّ بين الوضعين. وهو ما يعني خسارة جيش الإسلام لتجربته الجديدة في العمل العسكريّ، لمجمل الأسباب الواردة، وأهمها سببٌ أخيرٌ نذكره هنا، وهو سببٌ جوهريٌّ، مفاده أن جمهور الأرض (دوما والغوطة) التي يدافع عنها جيش الإسلام لا يؤيّد "إستراتيجيته" الجديدة فيما يبدو، كما كان جمهور الأرض (جنوب لبنان) يفعل تأييداً لحزب الله...
وبالعودة إلى العنوان، لا شكّ أن جيش الإسلام ليس من بدأ الحرب الأهلية السورية، فهذا المصطلح كان محلّ خلافٍ بين السوريين حتى وقتٍ قريبٍ، متراوحاً بين استخدامٍ نادرٍ في الكتابات والتصريحات السياسية وبين اعترافٍ مضمرٍ في صفوف كثيرين، لكنه بقي مصطلحاً نادر الاستخدام. ولكن التحوّل الذي دشّنه جيش الإسلام، باستهداف المدنيين علناً وعن سابق إصرارٍ، ربما يدشّن بدايةً معلنةً للحرب الأهلية السورية، ربما للمرّة الأولى منذ أربع سنوات..