من سيرة الوليد
ملاذ الزعبي
-(1)-
خلال الصفّ الثاني الإعداديّ، غَدَرَنا أستاذ الرياضيات عبد المطلب بدخوله إلى الصفّ بشكلٍ مفاجئٍ في موعد بداية الحصة الدراسية؛ ففي تلك الأثناء كانت ثمّة معركةٌ حامية الوطيس تدور بين اثنين من زملائنا. كان الزميلان من أولئك البالغين باكراً، فارعَي الطول، مع شوارب كافيةٍ لتكتيف جملٍ قد يستخدمه السوريون بعد سنواتٍ للتنقل في داون تاون بيروت. فيما أنا، في ذلك الوقت، ما زلت غرّاً بريئاً، أشعر بالحيرة أمام صور العارضة التركية سيبل كان، ولا أفهم لماذا يفضّل أقراني وأبناء الحارة الأكبر سنّاً صورها التي تظهر شيئاً من صدرها.
المهمّ، انزعج الأستاذ عبد المطلب من المعركة الصفّيّة، وقرر معاقبة التلميذين سويّاً، وفق المبدأ التربويّ المستمدّ من معسكرات الصاعقة وقطعات القوّات الخاصة، والقائل: "العقوبةٌ جماعيةٌ والمكافأة فردية". امتنع أستاذنا بشدّةٍ عن الاستماع إلى رواية أيٍّ من الطالبين عن المعركة. أحدهما، وليد عزّت، كان مصرّاً أن يروي الحكاية من وجهة نظره، إلا أن أستاذ الرياضيات رفض حتى مجرّد السماح له بالكلام. ثم قام بتنفيذ عقوبةٍ بدت في حينها غريبةً عمّا اعتدنا عليه من فلقاتٍ للرجلين أو جلدٍ لليدين أو صفعاتٍ على الخدّين أو حتى ضرباتٍ بالقبضة على الرأس: سأل طالبين آخرَين شديدَي العزم قويَّي البنية أن يثبّتا المتعاركَين على التوالي، بينما تكفّل هو بجلدهما على مؤخراتهما بالكرباج بطريقةٍ تحمل بعداً إنسانياً عاماً، وتفهّماً خاصّاً لكون المعاقَبَين مراهقَين شقّا الأرض مؤخّراً وطلعا.
عقب نهاية تنفيذ العقوبة، اكتفى وليد عزّت بكلمةٍ واحدةٍ، فيما هو يتجنّب أن تلتقي نظراته المنكسرة والحاقدة أياً كان: "ماشي". وعاد إلى مقعده. راحت الأيام وأتت، واعتقدنا أن القصّة قد طويت كما طويت ملفاتٌ كثيرةٌ في هذا البلد. انتمى والد وليد إلى رعيل الفدائيين الفلسطينيين القدامى، وهو ما أتاح للابن الاطّلاع على بعض الأسرار العسكرية. في نهاية العام الدراسيّ قام وليد بصنع عبوةٍ ناسفةٍ بدائيةٍ، وزرعها تحت سيارة الأستاذ عبد المطلب السكودا. لكن، ولأن العبوة بسيطةٌ، فهي لم تتسبّب سوى ببعض الأضرار للسيارة. فيما لفلف مدير الإعدادية القصّة خشية أن يغيّب وليد في أقبية الأفرع الأمنية.
-(2)-
مع انتقالنا إلى الصفّ الثالث الإعداديّ بدأ وليد بالمواظبة على قراءة القرآن، ثم تحوّل في النهاية إلى إسلاميّ.
-(3)-
في سنتنا الأولى جامعياً عُثر على جثة وليد مشنوقاً بحمامات السكن الطلابيّ لمعهد الفي تي سي المهنيّ بالمزّة، وسُجّلت الحادثة انتحاراً.