أزمة المياه في سوريا شبح قديم تفاقمه الحرب
أزمة المياه تضفي لوناً جديداً على معاناة السوريين
(1)
جورح. ك. ميالة
لا تقتصر معاناة المدنيين في سوريا على القصف اليوميّ الذي يتعرّضون له من قوّات النظام، بل تمتدّ إلى صعوباتٍ تصل حدّ العجز على تأمين المتطلبات الأساسية للحياة، كالطعام والشراب والصحّة والتعليم، وتفاقم مشكلة قلّة المياه وصعوبة الحصول عليها. كلّ هذا بسبب الأزمة الإنسانية المفتوحة، وإن كانت على درجاتٍ متفاوتةٍ، وتختلف بين مناطق سيطرة المعارضة ومناطق النظام.
الكهرباء المفقودة شرطٌ للمياه
يرتبط وصول مياه الشرب إلى منازل الحلبيين بوجود الكهرباء، فمعظم البيوت بحاجةٍ إلى مضخّاتٍ تعمل على سحب المياه إلى الخزّانات المنزلية.
تقول السيدة أم عمر، من حيّ الميدان بحلب، لمجلة "صور": "بيتي في الطابق الخامس. والماء لا يصل إلينا بدون الكهرباء. والكهرباء الحكومية مقطوعةٌ بشكلٍ متواصلٍ، تأتي كلّ ثلاثة أيامٍ حوالي ساعتين وتغيب أحياناً أسبوعاً كاملاً. وعندما تأتي تكون المياه مقطوعةً، فهي تزورنا ساعتين كلّ أسبوع. والكهرباء الخاصّة (الأمبيرات) لا تصل إلى شارع بيتنا. يومياً يذهب ابني عمر إلى جامع الميدان ليأتي من هناك بمياه الشرب".
وتضيف: "عندما تصل المياه الحكومية إلى المنازل نشغّل المولدة لسحب المياه وتخزينها. يكلفنا تشغيل المولدة لمدة 4 ساعاتٍ 400 ليرةٍ سورية".
وتختم أم عمر كلامها بحسرة: "تخيّل يا ابني؛ بـ 2015 والناس وصلوا عالقمر من خمسين سنة، مندفع مشان نعبّي شوية ميّ للشرب. نحنا من وين بدنا نجيب مصرات!!".
أما صلاح سكر، المقيم في منطقة الإسماعيلية الواقعة تحت سيطرة النظام أيضاً، فيقول للمجلة: "أمشي يومياً حوالي 4 كم ذهاباً وإياباً لجامع أبو بكر الصديق في الجميلية لتعبئة مياه الشرب. منذ شهرين أصيب حوالي عشرين شخصاً بحالات إسهالٍ شديدٍ، لنكتشف بعد يومين أنها بسبب تلوّث مياه هذا البئر".
ويضيف: "دفعت الحادثة شيخ الجامع إلى أخذ عيّنةٍ من المياه وتحليلها في أحد المخابر الخاصّة، ثم أحضر موادّ معقِّمةً من مديرية المياه لتصبح ملائمة للشرب".
وفي ظلّ انقطاع المياه المتواصل عن المدينة رجعت عاداتٌ قديمةٌ كان الحلبيون قد نسيوها قبل اندلاع الأزمة الإنسانية، كحفر الآبار وتجميع مياه الأمطار.
عن هذه الأساليب يتحدّث الناشط الإعلاميّ علاء الدين الحلبي لمجلة "صور" قائلاً: "لا تسير اليوم في شارعٍ من شوارع أحياء الفرقان وحلب الجديدة إلا ويطربك صوت حفارة الآبار. يكلّف حفر المتر الواحد حوالي 5000 ليرةٍ سوريةٍ شرط توافر المازوت. يدفع صاحب البئر من كلّ خمسة آلافٍ 1500 ليرةٍ للشرطة والبلدية من أجل غضّ الطرف عن حفر البئر، لأنه عملٌ مخالفٌ للقانون".
ويضيف: "التكلفة الإجمالية للبئر حوالي 400 ألف ليرةٍ على أدنى تقدير، يشترك على دفعها سكان البناية. ثم تأتيك التكاليف الأخرى، كشراء مولّدةٍ، والمازوت لتشغيل الغطّاس لضخّ المياه. ندفع وسطياً حوالي 3 إلى 4 آلاف ليرةٍ شهرياً لتأمين وصول المياه إلى بيتنا".
وتزامناً مع هذه الظروف، انتشر بيع المياه بالصهاريج والسيارات المتنقلة، بعدما توقفت هذه السيارات عن بيع المحروقات، بسبب قلتها في المدينة.
وعن هذا الموضوع يتحدّث المهندس محمد برّو: "أغلب هذه المياه مجهولة المصدر، تُعبّأ من الآبار المنتشرة في المدينة والريف القريب. لا نعرف إن كانت ملوثةً أم لا، لذلك يتوجب على مديرية المياه ومحافظة حلب ترخيص عمل هذه الصهاريج والإشراف على نظافتها وبيعها، كحلٍّ بديلٍ للأزمة التي تعاني منها المدينة منذ أكثر من عامين".
ويعدّ الوضع في مدن طرطوس واللاذقية وقلب العاصمة دمشق والسويداء أفضل من باقي سوريا، رغم وجود بعض الصعوبات. إذ يقول محمد الطرطوسي لمجلة "صور": "تأتي الكهرباء في طرطوس لمدة ساعتين وتنقطع لساعتين، وبالتالي نستطيع تأمين المياه. ولكن الأمر ازداد صعوبةً هذا العام. قبل اندلاع الأزمة لم نكن نفكّر بهذه الحاجيات البسيطة".
المناطق المحرّرة واقعٌ أكثر سوءاً
تقول أم محمد، من بلدة الحراك بريف درعا، لمجلة "صور": "يستهلك تأمين المياه لاستحمام طفلي الصغير أربع إلى خمس ساعاتٍ كلّ مرّة. عليّ جلب المياه من النبع أو سحبها يدوياً من البئر، ثم إشعال الحطب لتسخينها، بسبب انقطاع الكهرباء وقلة المحروقات والغاز وارتفاع أسعارها".
تضيف أم محمد: "يصل سعر صهريج الماء إلى أربعة آلاف ليرة. ورغم أنها كبريتيةٌ، وغير صالحةٍ للشرب، نضطرّ إلى استخدامها".
استطاع المجلس المحليّ بدرعا، رغم قلة الموارد، إعادة تأهيل بعض الآبار ذات المياه الصالحة للشرب، لتقديمها مجاناً للمواطنين. ويحذّر أحمد الحراكي، أحد موظفي المجلس، من صعوباتٍ مقبلةٍ، وخصوصاً في فصل الصيف، بسبب قلّة الأمطار، ما ينعكس على القدرة التخزينية للآبار، وبالتالي سيتعرّض الأهالي لظروفٍ أقسى، على حدّ قوله.
ويضيف: "تُضعف قلّة المخابر المختصّة بتحليل المياه من إمكانية مراقبة المياه وتلوثها".
الحاجة أمّ الاختراع
يجهد أهالي ومزارعو غوطة دمشق، المحاصرون منذ أكثر من عامين، لابتكار طرقٍ جديدةٍ توفّر مياهاً أكثر جودةً ونظافةً، علّها تساعدهم على مقاومة حصارٍ يحيط بكلّ تفاصيل الحياة.
يقول أبو صالح، المزارع في غوطة دمشق، لمجلة "صور": "تغيّر محصولي الشتويّ، وأصبح أقلّ جودةً. وانخفض الإنتاج. لم تنمُ أغلب الخضار بشكلٍ صحيحٍ. ورقة البقدونس صغيرةٌ، وتصدر عنه رائحةٌ كريهةٌ بسبب قذارة المياه التي أروي بها. غالباً ما أقوم بنقعه بالملح وتعقيمه قبل استخدامه".
ويضيف: "ليس لدينا أيّ حلٍ آخر. علينا الاستمرار بالعمل والحياة كي لا نموت جوعاً. تكلفة ساعة السقاية بالمياه النظيفة بين 4 و5 آلاف ليرةٍ، ولا قدرةٍ لأيّ أحدٍ على دفعها".
اعتمد بعض المزارعين على الطاقات المتجدّدة من أجل جرّ وسحب المياه، كاستخدام الطاقة الحركية المولَّدة من الدراجة الهوائية. يقول أبو محمد دبّرها لمجلة "صور": "وصلتُ مضخّة المياه إلى عجلة دراجةٍ هوائيةٍ، كبديل عن الكهرباء. تؤمّن حركتي على دوّاسات الدراجة سحب المياه من عمق ستة أمتار".
ويضيف ساخراً: "صحي يا أخي أمّنت ميّ للبيت، بس والله نحفنا بعد الركبة على هالبسكليت. ما حاجتنا جوع، إجانا شي ينحّفنا أكتر".
ويلجأ بعض المزارعين، القريبين من الأنهار والسواقي في الغوطة الشرقية، إلى صناعة النواعير البدائية وتثبيتها على النهر من أجل توليد الكهرباء، لتشغيل المضخّات لسقاية المزروعات. وعن هذا الموضوع يقول أبو محمد: "بعدما ركّبتُ الناعورة على النهر القريب من أرضي استطعتُ زراعتها وتأمين خضارٍ نظيفةٍ لبيتي".
واقع المخيمات في مناطق داعش
تعيش مئات العائلات في مخيّماتٍ عشوائيةٍ، بُنيت بتعاون أهالي القرى، في ريف حلب الشرقيّ وفي ريف الرقة، الواقعة تحت سيطرة داعش.
يقول محمد سفروني: "في بداية نزوحنا من السفيرة، جنوبيّ حلب، لجأنا إلى المزارع المحيطة بمنطقة مسكنة. وبعد تأسيسنا للمخيم أمدّتنا وحدة تنسيق الدعم ACU بالحمّامات وخزّانات المياه المتنقلة، إضافةً إلى تجهيزاتٍ لتعقيم المياه. ولكن قصف قوّات النظام دفعنا إلى الانتقال نحو الأماكن الأكثر أمناً، تاركين هذه الأشياء".
ويضيف: "بعد سيطرة داعش على مسكنة، منعتْ عمل جميع المنظمات الإغاثية بحججٍ شتى، كما منعتْ دخول المساعدات. نضطرّ اليوم إلى جمع مياه الأمطار وجلب المياه من بعض الينابيع. ونعيش بدون حماماتٍ ومراحيض".
انعكاساتٌ صحيّة
يقول الدكتور كمال حصرومي لمجلة "صور": "تنعكس أزمة المياه وقلتها وتلوّثها على صحّة المواطن بشكلٍ مباشرٍ وغير مباشر، وصل إلى التهديد بانتشار الأوبئة والقمل والجرب والتهاب الكبد الوبائيّ".
ويضيف حصرومي: "وصلت نسبة الإصابة بالقمل في بعض مدارس حلب وريفها إلى مئةٍ بالمئة، ما استدعى إعلان حالة الاستنفار من المنظمات الطبية ووحدة تنسيق الدعم من أجل تطويق هذا المرض الذي تحول إلى وباءٍ في بعض المناطق، والذي يعود سبب انتشاره بهذه الكثافة إلى قلة وسائل النظافة وقلة الاستحمام والمياه الملوثة".
وينصح الدكتور حصرومي الأمهات "باعتماد طرق الجدّات القديمة في تعقيم المياه، كتمريرها على طبقاتٍ من الحصى النظيف لإزالة الشوائب، ثم ترقيدها، وغليها لمدة عشر دقائق، ثم ترقيدها مرّةً أخرى، واستعمالها".
المياه حقٌ طبيعيٌّ للإنسان
تحدّد الفقرة 1 من المادة 11 من شرعة حقوق الإنسان، التي وقّع عليها النظام السوريّ، أنّ للإنسان الحقَّ في تأمين مستوىً معيشيٍّ كافٍ يضمن له الكرامة الإنسانية والحياة، ومن ضمنها الماء. وجاء في الفقرة 1 من المادة 11 أنّ "الحقّ في الماء هو حقٌّ لا يمكن فصله عن الحقّ في أعلى مستوىً من الصحّة الجسمية".
وتشدّد المواد 11 و12 على أنّه: "ينبغي عدم تفسير كفاية الماء تفسيراً ضيقاً يقتصر على الناحيتين الكمية والتكنولوجية، بل تنبغي معالجة الماء كسلعةٍ اجتماعيةٍ وثقافيةٍ لا كسلعةٍ اقتصاديةٍ بالدرجة الأولى. كما ينبغي أن تكون طريقة إعمال الحقّ في الماء مستدامةً، تضمن إمكانية إعمال ذلك الحق للأجيال الحالية والمقبلة".
وتركّز الاتفاقية على أنّه يتوجّب على الدول الموقّعة ضمان التمتّع بالحقّ في الماء دون تمييزٍ (الفقرة 2 من المادة 2)، وعلى قدم المساواة بين الرجل والمرأة (المادة 3). كما تحظر العهدة أيّ تمييزٍ يقوم على العرق أو اللون أو الجنس أو السنّ أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسيّ أو غير السياسيّ أو الأصل القوميّ أو الاجتماعيّ أو الثروة أو النسب أو العجز البدنيّ أو العقليّ أو الحالة الصحية (بما في ذلك فيروس نقص المناعة المكتسب/الإيدز) أو الميول الجنسية أو المركز المدنيّ أو السياسيّ أو الاجتماعيّ أو أيّ مركزٍ آخر يرمي أو يؤدّي إلى إبطال أو إعاقة التمتع على قدم المساواة بالحقّ في الماء أو ممارسة هذا الحقّ.
وتنوّه الشرعة بالفقرة 12 من التعليق العام رقم 3 (1990) إلى أنه حتى في الأوقات التي تشتدّ فيها القيود على الموارد، تجب حماية الأفراد الضعفاء في المجتمع باعتماد برامج هادفةٍ منخفضة التكلفة نسبياً.
***
(2)
المياه في سوريا، أزمةٌ قديمةٌ تتفاقم
دمارٌ في البنية التحتية وخططٌ مستقبلية
نتيجة استمرار العمليات العسكرية في سوريا، يصعب على المهتمّين والمنظمات الدولية البدء بالقيام بدراساتٍ دقيقةٍ حول خسائر البنية التحتية، والتي تعدّ الأكبر من النواحي المادية والزمنية والاستراتيجية، بسبب تكاليفها الباهظة، وارتباطها باستقرار الوضع السياسيّ وعودة الأمن، وبالثقة الدولية بالحكومات القادمة، إضافةً إلى ارتباطها بتعقيدات الدول المانحة والتمويل الدوليّ. كما أن انقسام سوريا اليوم إلى عدّة مناطق نفوذٍ، بين النظام والمعارضة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، يجعل أيّ نشاطٍ استطلاعيٍّ أو إحصائيٍّ صعبَ التنفيذ في الوقت الحاليّ.
يقول المهندس محمد البكور لمجلة "صور": "على سبيل المثال، لا يستطيع أحدٌ تقدير خسائر مشروع خان طومان بريف حلب، والمكوّن من سدٍّ تجميعيٍّ ومن قناة مياهٍ قادمةٍ من سدّ الفرات، إضافةً إلى محطة معالجة مياه صرفٍ صحيٍّ، لريّ ما يزيد عن 20 ألف هكتارٍ من الأراضي المزروعة جنوبيّ حلب".
وعن دمار البنى التحتية بشكلٍ عامٍّ، يتابع البكور قائلاً: "طال التخريب خطوط إمداد المياه والصرف الصحيّ وخزانات المياه الرئيسية وشبكات الريّ، خصوصاً في ريفي حلب وإدلب ودير الزور والرقة والحسكة. كما دُمّرت المضخّات والمولدات الرئيسة، والتي كانت قد كلّفت حكومة النظام سنواتٍ من العمل وعشرات ألوف الدولارات لتأمينها، نتيجة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه سابقاً".
وتقدّر وزارة الريّ التابعة لحكومة النظام خسائر قطاع المياه المباشرة بحوالي 20 مليار ليرةٍ سوريةٍ، و14 ملياراً كخسائر غير مباشرة. في حين يرى البكور أنّ الخسائر أكبر من ذلك بكثير، ويضيف موضحاً: "كيف تقدّر حكومة النظام خسائر قطاع المياه بهذه الأرقام، والكلفة البدائية لمشروعٍ واحدٍ، وهو سدّ خان طومان، تبلغ 9 مليار ليرةٍ حسب أرقام الحكومة نفسها".
خسائر إضافيةٌ
لا تقتصر خسائر هذه القطّاعات على الدمار والكلفة المادية العالية، بل تتعدّى ذلك إلى خسارتها خبراء وعاملين ومدرّبين، إضافةً إلى خسارة البيانات المتعلقة بالمشاريع والعاملين فيها.
يقول البكور: "خسرت سوريا مئات المهندسين والكفاءات المدرّبة والمؤهلة. من نجا منهم من الموت فرّ إلى الخارج باحثاً عن فرصٍ أفضل للحياة. وهذه من أكبر الخسارات، فالثروة البشرية هي الأهمّ".
يقول المهندس صلاح الدين عروق، من مدينة دير الزور، لمجلة "صور": "في بداية الأحداث تمّ إحراق ذاتية الخدمات الفنية بالمدينة. وحتى الآن لم أستطع تحصيل تعويضي التقاعديّ من الوزارة في دمشق، بحجّة أنني لا أملك وثائق تثبت سجلي الوظيفيّ وذاتيتي".
الأزمة موجودةٌ قبل 2011
تقع سوريا في نطاق المناطق الجافة وشبه الجافة. وتتفاوت نسبة الهطولات المطرية فيها بين مكانٍ وآخر، فبينما تتجاوز 1000 مم في المرتفعات الجبلية، تتناقص إلى أقلّ من 100 مم في البادية.
وتُقسم المصادر المائية في سوريا إلى مياهٍ سطحيةٍ متمثلةٍ بالأنهار المشتركة مع دول الجوار، وأنهارٍ داخليةٍ بعضها دائم الجريان وبعضها موسميّ، إضافةً إلى المياه الجوفية التي تؤمّن حوالي 3,3 مليار مترٍ مكعّبٍ من المياه.
كما تتوافر في سوريا مصادر مائيةٌ أخرى، كمياه الصرف الصحيّ المعالجة. إذ تقول أرقامٌ تقديريةٌ إن 29,2% من إجمالي مياه الصرف الصحيّ تنقّى ويعاد استخدامها، 34,6% منها تستخدم للزراعة والباقي يستخدم لأغراضٍ صناعيةٍ وبشرية. ورغم كلّ هذه الأرقام فقد صدرت تحذيراتٌ كثيرةٌ من خطورة الوضع المائيّ في سوريا قبل انطلاقة الأزمة الحالية. فقد ذكر تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2009، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أنّ سوريا في المرتبة 13 من بين 20 دولةً عربيةً من حيث نصيب الفرد من الأمطار. كما أن نصيب الفرد السنويّ من استهلاك المياه هو 300 مترٍ مكعّبٍ، مما يجعلها تحتلّ المرتبة التاسعة من الدول العربية.
وعن هذه الأرقام يقول المهندس محمد البكور: "رغم المياه التي يظن الكثيرون أنها غزيرةٌ في سوريا، تبقى حصّة الفرد الواحد أقلّ بكثيرٍ من عتبة ندرة المياه، المحدّدة بـ 1000 مترٍ مكعّبٍ للفرد الواحد سنوياً، حسب دراسات المنظمات الدولية، والتي يصل متوسطها العالمي إلى 6750 متراً مكعباً سنوياً".
المياه وسياسة النظام السوريّ
فاقمت السياسات الحكومية لنظام الأسدين الأب والابن من تدهور الوضع المائيّ في سوريا، بهدر الموارد المائية وعدم التخطيط العلميّ طويل الأمد، أو دعم الزراعات التي تحتاج إلى كمياتٍ كبيرةٍ من المياه، كزراعة القطن، دون أية دراسةٍ واقعيةٍ للإمكانات الموجودة.
كما أنّ تقلبات النظام السياسية، وتحالفاته التي رسمت من أجل تحقيق مصالحه الضيقة، دون النظر إلى المصالح الاستراتيجية العليا لسوريا، لعبت دوراً كبيراً في هدر الثروات. فعندما تتحسّن العلاقات السياسية مع دول الجوار كان النظام يقوم بإعطائها الكهرباء والماء، دون النظر إلى الحاجة الداخلية وإلى مخاطر الموضوع.
وعن هذا يقول المهندس البكور: "في الماضي، عندما كانت العلاقات السياسية جيدةً مع الأردن ولبنان، وعندما كان حافظ الأسد -أو بشار الأسد- راضياً بشكلٍ شخصيٍّ عن الحكومة في البلدين، كان يأتي أمرٌ لرئيس الوزراء بضخّ المياه إليهما، دون النظر في وجود إمكانيةٍ لتحقيق ذلك، أو إن كان هناك فائضٌ عن حاجة الشعب السوريّ. في كثير ٍ من الأوقات كانت المياه تُقطع عن دمشق لعدّة أيامٍ بينما تتوافر في الأردن بشكلٍ منتظم".
خططٌ مستقبلية
وضعت مجموعة اقتصاد سوريا، المؤلفة من 300 خبيرٍ سوريٍّ في مختلف المجالات، عام 2013، خطةً لإعادة إحياء هذا القطّاع الحيويّ فور سقوط النظام. واعتمدت الخطة على الخبرات المحلية والمعطيات الدولية والمحلية في رسم ما ينبغي فعله، وفق ما يلي:
خطةٌ إسعافيةٌ قصيرة الأمد: تمتدّ لستة أشهرٍ. بكلفةٍ تقديريةٍ تبلغ 1,2 مليار دولارٍ. تعتمد على إعادة تشغيل كلّ ما يتعلق بمياه الشرب، وإعادة تشغيل محطّات المعالجة، والتركيز على إيصال المياه خاليةً من أيّ تلوثٍ، والعمل على إيصالها إلى الأراضي الزراعية بغية إعادة الدورة الزراعية.
خطةٌ متوسّطة الأمد: تمتدّ لعامين. بكلفةٍ تقريبيةٍ قيمتها حوالي 2 مليار دولارٍ. تعتمد على استكمال المشاريع التي تمّ البدء بها سابقاً، والعمل على دعم مشاريع الاستصلاح الزراعيّ، وخصوصاً في منطقة حوض الفرات، إضافةً إلى إعادة التعاون والثقة مع المنظمات الدولية المائية، وزيادة الخبرات وتطوير البحث العلميّ.
خطةٌ بعيدة الأمد: تمتدّ لعشر سنواتٍ. بكلفةٍ إجماليةٍ تبلغ 2 مليار دولارٍ. يتمّ العمل فيها على تنفيذ مشاريع نوعيةٍ، كجرّ المياه إلى العاصمة دمشق من خارج المحافظة، ومتابعة مشروع ريّ نهر دجلة. كما تتضمّن أبعاداً سياسيةً، كإرجاع الحقوق التاريخية في المياه لأصحابها من دول الجوار. وأخيراً، العمل على نشر التقنيات الحديثة ذات الاقتصادية العالية والصديقة للبيئة.