أزمة البروتين الحيوانيّ في سوريا والبدائل المقترحة
المهندس الزراعيّ: سامر كعكرلي
إن أيّة أزمةٍ أو حربٍ تجتاح بلداً ما في العالم لا بدّ من أن تنتهي، طال الزمن بها أم قصر. وعادةً ما تظهر بعد الحروب، والأزمات المرافقة لها، أزماتٌ من نوعٍ جديد، وخاصةً عندما تسبّب تلك الحروب تدميراً للبنى التحتية والاقتصاد المحليّ. ومن أهمّ القضايا التي ستواجه أصحاب القرار في البلدان المنكوبة أزمة تأمين الغذاء الصحيّ لمواطنيهم، فبعد الحرب تكون مصادر تأمين الغذاء إما مدمّرةً أو غير مجهّزةٍ لتوفير حاجات المواطنين.
ويعتبر البروتين الحيوانيّ من العناصر الغذائية الهامّة التي قد يصعب تأمينها في ظلّ تلك الظروف، وذلك بسبب ما يحتاجه هذا العنصر الغذائيّ من بنىً تحتيةٍ لإنتاجه.
أهمية البروتين الحيوانيّ للإنسان
يعدّ البروتين الحيوانيّ المصدر الرئيسيّ لبناء جسم الإنسان وصحّته. وتأتي أهميته من قيمته الحيوية، لاحتوائه على الأحماض الأمينية المعقّدة والمفيدة للنموّ والصحّة، وهي أنسب المواد الغذائية لبناء الأنسجة. ويعدّ البروتين أساسياً لتكوين العضلات. ويمكن القول باختصارٍ إنه ضروريٌّ في تركيب ووظيفة كلّ الخلايا الحية. ولكن مشكلة البروتين، ولاسيما الحيوانيّ، أنه لا يمكن تصنيعه داخل جسم الإنسان، أو تخزينه، ولذلك يجب أن يكون استهلاكه منتظماً ومتواصلاً.
وتعدّ اللحوم البيضاء والحمراء، والبيض، والحليب ومشتقاته، المصدر الرئيسيّ للبروتين الحيوانيّ. إلا أن مادتي البيض والحليب فقيرتان بهذا النوع من البروتين، ولذلك فإنه من الصعوبة الاعتماد عليهما فقط لتأمين حاجة الجسم من هذه المادّة. ويقدّر احتياج الإنسان يومياً من البروتين بصورةٍ وسطيةٍ بـ/1/ غرام لكلّ /1/ كغ من جسم الإنسان. وهذا ينطبق على الذكور والإناث. فإذا اعتبرنا أن متوسط وزن الإنسان 75 كغ، يكون بذلك احتياج الإنسان إلى البروتين الحيوانيّ 75 غ/ يوم، أي ما يعادل /27.3/ كغ سنوياً.
وتتمثل أعراض نقص البروتين في جسم الإنسان البالغ بفقدان الوزن، والتعب، والقلق، وانخفاض مقاومة الأمراض. أما عند الأطفال فيؤدّي إلى بطء النمو.
واقع استهلاك البروتين في سوريا
بعد إيضاح أهمية البروتين الحيوانيّ، لا بدّ لنا من استعراض واقع استهلاك هذه المادة الهامّة من قبل المواطن السوريّ على مدار السنوات الخمس الأخيرة. فمن تقارير المجموعة الإحصائية الزراعية السورية يتبين لنا ما يلي:
العام |
لحوم دواجن (طن) |
لحوم حمراء* (طن) |
أسماك (طن) |
مجموع اللحوم (طن) |
عدد السكان (ألف نسمة) |
حصة الفرد بالسنة كغ/فرد/سنة |
النقص في حصة الفرد كغ/فرد/سنة |
2007 |
173448 |
278939 |
17880 |
470267 |
22160 |
21.22 |
6.13- |
2008 |
178869 |
256191 |
15590 |
451650 |
22831 |
19.78 |
7.57- |
2009 |
182195 |
261168 |
14406 |
457769 |
23492 |
19.61 |
7.74- |
2010 |
189745 |
228340 |
12770 |
430855 |
24195 |
17.81 |
9.54- |
2011 |
179077 |
257913 |
7114 |
444104 |
25004 |
17.76 |
9.59- |
*اللحوم الحمراء مجموع لحوم الأبقار والأغنام والماعز.
*تمت إضافة 500 ألف نسمةٍ كمتوسط أعداد الأخوة الفلسطينيين اللاجئين في سوريا.
وعند التدقيق في هذه الأرقام الإحصائية وتحليلها يتبيّن لنا أن سوريا مقبلةٌ على عوَزٍ شديدٍ بالبروتين الحيوانيّ، إذ تبلغ نسبة النموّ السنوية في هذه السلعة الغذائية /1.11/ بالقيمة السالبة، أما معدل النمو السكانيّ فقد بلغ /2.56/ بالقيمة الموجبة. وفي حال استمرّت نسبة النموّ بهذا التراجع، ونسبة النموّ السكانيّ بالارتفاع، فإن على سوريا في عام 2025 مضاعفة إنتاجها من اللحوم، لكي تصل إلى المعدّل العالميّ لحصّة الفرد من هذه المادة الغذائية. مع العلم أن الأرقام الإحصائية الواردة أعلاه تمّ جمعها قبل بدء الحرب في سوريا، والتي أدّت إلى توقّف الكثير من مشاريع الإنتاج الحيوانيّ عن العمل، الأمر الذي أدّى حتماً إلى انخفاضٍ كبيرٍ في إنتاجية سوريا من اللحوم الحمراء.
ولعلّ المتابع لحركة أسعار السوق في سوريا خلال الأزمة يلاحظ الارتفاع الكبير في أسعار اللحوم الحمراء؛ فقد وصل سعر الكيلو غرام الواحد من لحوم الأبقار إلى /1700/ ليرةٍ سورية، بعد أن كان سعره حوالي /450/ ليرةً قبل الأزمة، كما وصل سعر الكيلو غرام الواحد من لحوم الضأن إلى حوالي /2200/ ليرة، بعد أن كان حوالي /600/ ليرة، ووصل سعر صدر الفروج إلى /1000/ ليرة، وكان قبل الأزمة لا يتجاوز /250/ ليرة سورية.
ولذلك يجب على صانعي القرار في الشأن الزراعيّ لسوريا المستقبل اتخاذ إجراءاتٍ فوريةٍ وعاجلةٍ لتفادي الوصول إلى مرحلة العوز الغذائيّ للبروتين. ومن الإجراءات المقترحة لذلك: وضع خطةٍ وطنيةٍ للنهوض بواقع البادية السورية، التي تعدّ الموطن الطبيعيّ لأغنام العواس، علماً بأن سوريا تملك كادراً كبيراً قادراً على هذه المهمة، تمّ تهميشه خلال عشرات السنين. بالإضافة إلى تشجيع الاستثمارات الوطنية والأجنبية الخاصّة في قطاع الإنتاج الحيوانيّ، وتقديم كافة التسهيلات لها، ومنحها الدعم اللازم من قروضٍ وأراضٍ تتملكها الدولة، بشكلٍ مجانيٍّ أو بأسعارٍ رمزية.
كما لا بدّ من دعم إنتاج الأعلاف الضرورية لتطوير قطاع الثروة الحيوانية، والتي تعدّ العمود الفقريّ لتشغيل تلك المشاريع. بالإضافة إلى دعم قطاع الطبابة البيطرية، لما له من دورٍ هامٍّ في تطوير قطاع الإنتاج الحيوانيّ، وذلك عن طريق رفع المستوى العلميّ للأطباء البيطريين، ورفدهم بالخبرات الوطنية والدولية، ورفع مستوى معيشتهم لتلائم ظروف عملهم الشاقة.
وتبرز الحاجة إلى البدء باعتماد أنواعٍ خاصّةٍ من الحيوانات الزراعية، تكون مخصّصةً لإنتاج اللحوم، والابتعاد عن الحيوانات ثنائية الغرض مثل أبقار الفريزيان والهولشتاين. فمن المعروف أن تلك الأنواع مخصّصةٌ لإنتاج الحليب واللحوم، ولذلك فإن مردودها من اللحوم قليل، إذا ما قورنت بالأنواع المخصّصة لإنتاج اللحوم فقط. فضلاً عن ضرورة دعم قطاع الثروة الحيوانية بالبحوث العلمية التي تهدف إلى زيادة الإنتاجية، وتطبيق أحدث الطرق العلمية الصحيحة لذلك.
بدائل غذائيةٌ للسوريين
بالإضافة إلى كلّ الإجراءات السابقة، لا بدّ من محاولة توجيه السوق الاستهلاكيّ المحليّ لأنواعٍ أخرى، قد تكون غير رائجةٍ، من اللحوم. ومن المعروف أن تغيير العادات الاستهلاكية هو من الأمور صعبة التحقيق، ولكنه غير مستحيل، ويتطلب جهوداً مضنيةً تشارك بها كافة الجهات، سواءً الرسمية أو منظمات المجتمع المدنيّ.
وفي هذا السياق تعدّ لحوم النعام من البدائل المناسبة لتحقيق الغاية المرجوّة من تغيّر العادات الاستهلاكية، وذلك لعدّة أسبابٍ أهمّها أن لحم النعام من اللحوم الحمراء، ونسيج الألياف فيها يشبه لحوم الأبقار، مما يجعله مرغوباً عند المستهلك السوريّ إذا قورن باللحوم البيضاء. كما أن لحم النعام له نكهةٌ مميّزة، وهو ما جعله من أفخر أنواع اللحوم. ويمكن حفظه في الثلاجة لمدّةٍ طويلة، نظراً لعدم وجود الدهون التي تؤدي إلى فساد اللحم.كما أن إنتاجية النعام من اللحوم كبيرةٌ إذا قورنت بإنتاجية الأبقار، وذلك من ناحية مدّة الحمل وعدد الأبناء في السنة وكمية اللحوم الناتجة. ويوضح الجدول التالي هذا التفوّق للنعام مقارنةً مع الأبقار:
وجه المقارنة |
النعام |
الأبقار |
مدّة الحمل والتفريغ |
42 يوم |
280 يوم |
عدد الأبناء في العام |
20- 50 |
1 – 2 |
معامل التحويل الغذائيّ |
1 / 2 |
1 / 5 |
كمية اللحم الناتج بالكيلوغرام |
995 |
250 |
النوع |
كولسترول /ملغ |
طاقة /كالورى |
دهن /غرام |
بروتين / غرام |
لحم نعام |
58 -54.1 |
97 – 82.5 |
2 – 0.85 |
22 – 18.6 |
أفخاذ دجاج |
73 – 70.6 |
140 – 96.6 |
3 – 3.30 |
27- 16.7 |
صدور دجاج |
56 – 54.4 |
120 – 93.5 |
1.02 – 2.56 |
25.9 – 19.6 |
ديك رومي |
62.1 – 59 |
135 – 88.4 |
3 – 1.36 |
25 – 18.9 |
أفخاذ أبقار |
77 – 55.3 |
240 – 191.3 |
15 – 13.3 |
21 – 16.9 |
ضأن صغير |
74 – 65 |
205 – 181 |
13 – 9.87 |
22 – 17.9 |
يضاف إلى ما سبق ذكره أن مناخ وطبيعة سوريا ملائمان لتربية طيور النعام، خاصةً وأن تربيتها تعدّ عمليةً سهلةً وغير مكلفة، فبإمكان أيّ شخصٍ البدء بإقامة مشروع تربية نعام، إذ لا تحتاج مزارع النعام إلى منشآتٍ كبيرة، ويمكن تربية قطيع النعام على مساحةٍ من الأرض بأقلّ التكاليف الممكنة ولا يتأثر إنتاجها بذلك.
كلّ الأسباب التي تمّ ذكرها سابقاً ستجعل من لحوم النعام لحوم القرن الواحد والعشرين، بعدما احتلت لحوم الأبقار هذه المكانة في القرن العشرين. فلماذا الانتظار حتى تسبقنا باقي الدول إلى مثل تلك المشاريع، ونصبح دولة مستوردةً لهذه السلعة، بدلاً من أن نكون دولةً مصدّرةً لها؟