info@suwar-magazine.org

بالحطب وملابس البالة يستعدّ السوريون لشتاء هذا العام

بالحطب وملابس البالة يستعدّ السوريون لشتاء هذا العام
Whatsapp
Facebook Share

 

لبنى سالم

 

كان تساقط المطر، للمرّة الأولى هذا العام، مفاجئاً لأبي عطا. وما هي إلا عدّة دقائق حتى استطاع الرجل الأربعينيّ أن يجمع بضائعه من قارعة الطريق، ويركض بها إلى داخل المبنى المجاور ليحميها من البلل. بدأ أبو عطا وكافة الباعة، في اليوم التالي، برفع أغطيةٍ أشبه بالخيم على الأرصفة، لحماية البضائع من تساقط أمطار الشتاء. يُعرب أبو عطا عن استيائه لاقتراب فصل الشتاء، إذ يتوجّب عليه بعد اليوم العمل في العراء، وتحمّل قسوة البرد لكسب الرزق، بعد أن تهدّم متجره كاملاً بالقصف.

تصف هيا الأحمد، إحدى المتطوّعات في الهلال الأحمر، شهور شتاء السوريين بأنها "كابوس، يقضونها بحثاً عن الدفء والملجأ، فيما يرى معظم سكان العالم فصل الشتاء فصلاً مفعماً بالحميمية والمشاعر الدافئة". وتوضح بأن "معظم النازحين لا تتوفر لديهم إلا الأغطية التي حصلوا عليها من المعونات، ولا يملك معظمهم ثمن الطعام حتى يفكروا بثمن التدفئة".

 

 

قطع الأشجار

لم تنجُ أشجار الزينة داخل المدن من عمليات جمع الحطب، إذ يقدم الكثير من السوريين اليوم على قطع أغصان الأشجار وجمعها وتيبيسها ثم بيعها في الأسواق. ولا يتطلب الأمر أكثر من منشارٍ وسلّمٍ وسيارةٍ لجمع الأغصان.

ويروي الأستاذ فادي، من مدينة حلب، أن "أكثر من عشر مجموعاتٍ بدأت حملةً لقطع رؤوس الأشجار في شوارع المدينة، مع اقتراب الشتاء. بعضهم من الموظفين التابعين لبلدية المدينة، الذين ينفّذون مهمّة تقليم الأشجار بشكلٍ جائرٍ جداً، والبعض الآخر من باعة الحطب الذين يتسابقون في جمع كمياتٍ أكبر قبل تساقط الأمطار". فقد توجّهوا لقطع الأشجار من المدن، لصعوبة التوجّه إلى الغابات والأحراش المحيطة بالمدينة، بسبب خطورة الاشتباكات وصعوبة التنقل. ويضيف أن شارع منزله قد خلا تماماً من اللون الأخضر خلال ساعات.

 

 

مدافىء الحطب

الاعتماد على الحطب للتدفئة هو الأكثر رواجاً في بيوت السوريين اليوم. إذ يفرض تدني المستوى الاقتصاديّ، وارتفاع أسعار المحروقات، على السوريين أن يبحثوا عن أوفر مصادر التدفئة، وهو ما دفع العديد من الناس إلى تعديل مدافئهم لتعمل على الحطب. يروي الأستاذ عماد غادري، من مدينة حلب، أن معظم سكان مدينته يقومون بإغلاق الحجرة السفلية للمدفئة، وإغلاق خزان الوقود، ووضع الحطب في الحجرة العلوية المقابلة للمدخنة.

ويضيف غادري أن "الأهالي تلقوا وعوداً بتوزيع المازوت بسعر 85 ليرةً للتر. مع هذا سيحتاج المنزل الواحد إلى 35 ألف ليرةٍ، أي 175 دولاراً على الأقلّ، لشراء مازوت الشتاء. وهو ما يفوق راتب أيّ موظفٍ في الدولة". ويشتكي من أن "أحداً لم يحصل على الحصّة كاملةً، رغم دفع كامل المبلغ خلال عملية التوزيع الماضية، إذ يتكفّل الموزّعون بسرقة ربع الكمية على الأقل".

وتترتب على استعمال الحطب في التدفئة المنزلية أضرارٌ صحيةٌ متعدّدة، لما يحمله غاز الاحتراق من نسبةٍ عاليةٍ من أول أكسيد الكربون، إضافةً إلى شوائب أخرى. ويوضح المهندس عبد الله أن "احتراق الحطب يتطلب مدافئ ذات مواصفاتٍ معينة، تمنع تسرّب دخان الاحتراق خارجها، والتي تعرف باسم (الشومونيه). إلا أنها لا توجد اليوم إلا في بيوت الأغنياء، فتكلفة بنائها تصل إلى مئات الألوف".

 

 

شتاء الفقراء

عادةً ما يتكبّد الفقراء العناء الأكبر في تحمّل المصاعب المعيشية. تروي السيدة حياة، وهي ربة منزلٍ لعائلةٍ نازحةٍ إلى أحد الأحياء الفقيرة في حلب، أن "جميع أطفالها يقضون النهار كاملاً في جمع كلّ ما يمكن أن يحترق من الكرتون والورق، بل وحتى البلاستيك في الأحوال الصعبة، ويأتون به إلى المنزل لإحراقه داخل المدفئة أو لطهي الطعام". وتفسّر سوء أحوالها المادية بأن أطفالها أيتام الأب، وبأنّ كل ما تجنيه من عملها لا يكفي لأكثر من توفير الطعام للأطفال الخمسة.

تُعرّض الظروف الجوّية القاسية الأطفال إلى خطر الإصابة بالعديد من الأمراض. ويشير الطبيب خالد إلى أن "حالات الأنفلونزا والتهاب القصبات والبلعوم باتت تصيب الأطفال بأعدادٍ كبيرةٍ جداً. وتساعد كثرة الأعداد في المدارس على انتشار العدوى بشكلٍ سريع". ويضيف أن "استنشاق دخان المواد غير المخصّصة للتدفئة المنزلية قد يعرّض الأطفال والكبار للإصابة بالأمراض التنفسية أو التحسّسية، بل والاختناق في بعض الحالات. وهو ما يجب توعيه الأهالي بمخاطره، ففي هذه الحالات يكون البرد أكثر أمناً من الدفء".

 

 

ملابس الشتاء

يعتمد الكثير من السوريين اليوم، بشكلٍ شبه كامل، على شراء الملابس المستعملة، من ما يعرف بسوق (البالة). ويروي أحد تجار البالة أن "التفاوت الكبير في الأسعار بين البضائع الوطنية والمستعملة دفع معظم السوريين إلى اللجوء إلى محلات البالة لشراء ملابس الفصل القاسي". ويضيف: "تتنوّع البضائع المستعملة؛ من الملابس الشتوية لجميع الأعمار، وصولاً إلى الأحذية والأغطية".

 وتشهد محلات الملابس المستعملة اليوم إقبالاً واسعاً جداً، ما دفع العديد من التجار إلى التحوّل إلى العمل بها بدلاً من البضائع الوطنية، التي سجّلت أسعاراً خياليةً مؤخراً، بسبب ارتفاع تكلفة إنتاجها ونقلها وتوزيعها في الأسواق. وتشير السيدة فاضلة أنها "استطاعت شراء أربعة معاطف شتويةٍ مستعملةٍ لأطفالها بسعر معطفٍ جديدٍ واحد". وتضيف أن "البضائع المستعملة أنقذت الكثيرين من الحرمان من شراء الملابس، لأن معظم الناس من الطبقات الفقيرة ومتوسطة الدخل يعتمدون عليها بشكلٍ تامّ".

 

 

بدائل السوريين

تفنّن السوريون في إيجاد البدائل والحلول للتأقلم مع طبيعة الحياة التي تفرضها ظروف الحرب عليهم. ويشير أحد الباعة في إدلب إلى أن جميع الوسائل البدائية عادت من جديد، بسبب عدم قدرة الأهالي على استعمال الوسائل الحديثة. ويوضح أن "العديد من الناس باتوا يعتمدون على استعمال مواقد (الكاز)، بسبب عدم توافر الغاز بشكلٍ دائم. بالإضافة إلى استخدام بطاريات السيارات لتوفير الكهرباء المنزلية بسبب انقطاع الكهرباء. والاعتماد على الشموع و(الليدّات) التي تعمل على البطاريات، إضافةً إلى الأبيال، لتوفير الإنارة".

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard