مواليد سوريا في دول اللجوء.. لا أوراق رسميةً، ومستقبلٌ مجهول
تخاف هبة، ذات السبعة والعشرين عاماً، من استمرار الحرب في سوريا، وأن يكبر رضيعها عامر بدون أيّة جنسيةٍ يحملها، بعد أن وضعته منذ ثمانية أشهرٍ، في أحد مشافي مدينة أنطاكيا التركية.
قبل خروجها من المشفى حصلت على شهادة ولادة. وبعد أيامٍ استخرجت للطفل بطاقة لاجئ (كيملك)، لتأمين الرعاية الصحية له في المشافي التركية. وهذه البطاقة هي الشيء الوحيد الذي يثبت وجوده في الحياة.
منذ ستة أشهرٍ، تحاول جاهدةً أن تسجّل مولودها في دائرة النفوس بإدلب. وبعد عدّة محاولاتٍ، ودفع رشاوى وصلت إلى خمسمئة دولار، لم تفلح في ذلك، لأن النظام يشترط وجود أحد الأبوين لإكمال عملية التسجيل.
تقول هبة لمجلة "صور": "هكذا يحارب النظام الأسديّ من هتف للحرية: لا جنسية لأطفاله. لا يكتفي النظام بمحاربتنا، بل يحارب أبناءنا الذين ولدوا في ظلّ الثورة والحرب".
77% من المواليد السوريين في لبنان بدون أوراق:
يواجه اللاجئون السوريون في لبنان صعوباتٍ في تسجيل أبنائهم، إذ تقدّر أرقامٌ غير رسميةٍ أنّ 77% من المواليد الجدد غير مسجّلين بشكلٍ نظاميٍّ، ما يدفع الكثير من الآباء لاتّباع طرقٍ محفوفةٍ بالمخاطر وغير قانونيةٍ، كالعودة إلى سوريا في المراحل الأخيرة من الحمل، أو دفع رشاوى للموظفين السوريين، لتسجيل المواليد وكأنهم ولدوا في سوريا.
يقول محمد عبّارة، من مدينة القصير، والمقيم حالياً في قضاء عكار: "إن امتلك الأبوان جوازات سفر، وهذا نادر، لأن أغلب السوريين اللاجئين في لبنان دخلوا بطريقةٍ غير شرعية، تطلب السلطات اللبنانية عقد زواجٍ مسجّلاً لدى السجلّ المدنيّ، ومصدّقاً من وزارة الخارجية في سوريا، أو عن طريق سفارة النظام في بيروت. زوجتي وضعها قانونيّ، لكنني منشقٌّ عن الجيش، لا أملك أي وثيقة، حتى الهوية الشخصية".
آلاف الأطفال بدون آباء:
يومياً، يولد العشرات من الأطفال السوريين بدون آباء. وغالبية الزوجات لا يمتلكن سوى عقد زواجٍ شرعيٍّ، مكتوبٍ عند الشيخ وموقّعٍ من شاهدين. ما يجعل هؤلاء الأطفال يدفعون أثماناً مضاعفةً، فأغلب القوانين الحالية في دول الجوار لا تعترف بوجودهم قانونياً، خصوصاً في ظلّ عدم إمكانية حصول الزوجة على شهادة وفاةٍ رسميةٍ للأب. وفي حال انتهاء الأزمة السورية، ستواجه هؤلاء النسوة مشاكل كبيرةً، بسبب عدم إثبات النسب من جهة الأب.
كما تواجه الكثير من نساء سوريا، ممن غيّب أزواجهن في سجون النظام، مشاكل في تسجيل مواليدهنّ. تقول فاطمة، من مدينة عربين، لمجلة "صور": "اعتقل زوجي في نهاية عام 2011، وأنجبت ابني عندما كان في السجن. اليوم لا أستطيع تسجيل طفلي الذي بلغ الثالثة من العمر، بسبب عدم معرفتنا لمصير والده، إن كان ميتاً أو على قيد الحياة".
أكرادٌ بدون جنسيةٍ ينقلونها لأبنائهم:
تقدّر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أنّ ما يقارب 10% من اللاجئين السوريين الأكراد في العراق عديمو الجنسية. فقد أجبرت "الدولة الإسلامية" الكثير منهم على الفرار من سوريا قبل أن يتمكنوا من طلب الحصول على الجنسية، أو لأنه لم يكن لديهم الحقّ في طلبها، نظراً لعدم تسجيلهم مطلقاً لدى النظام السوريّ.
يقول شيرو محمد، من مدينة المالكية، لمجلة "صور": "ولدت ونشأت دون جنسية. تزوجت في كردستان العراق، وأنجبت طفلةً دون جنسيةٍ أيضاً. يبدو أنه مكتوبٌ علينا وعلى أبنائنا أن نعيش ونموت دون أية ورقةٍ تثبت وجودنا!".
فيما يقول عمر، وهو أحد اللاجئين عديمي الجنسية: "لم أتمكن من تسجيل زواجي في سوريا، رغم أن زوجتي سورية، ولديها وثيقة إثبات جنسيتها". ويضيف قائلاً، بمزيجٍ من الحزن والاستسلام للواقع: "بالطبع فإن أطفالي من المكتومين أيضاً".
ماذا على الآباء السوريين فعله؟
حول الوضع القانونيّ للمواليد السوريين في تركيا، يقول المحامي غزوان قرنفل لمجلة "صور": "بدايةً يجب حصول الوالدين على وثيقة ولادةٍ من المشفى. ثانياً؛ في حال امتلاك الأبوين جوازات سفرٍ نظاميةٍ صادرةٍ عن النظام وليست مزوّرة، بإمكانهما تسجيل المولود في القيود التركية، وفي السفارة السورية التابعة للنظام بإسطنبول. أما من لا يملك جواز سفرٍ، ولديه مشاكل أمنية مع النظام، فلا يستطيع تسجيل المولود لدى الحكومة التركية. وسواء امتلك الأبوان جوازات سفرٍ أم لم يمتلكا، فبإمكانهما تسجيل أبنائهما لدى اتحاد المحامين الأحرار، الذي يمنحهما وثيقة إخراج قيد، تبقى محفوظةً لحين توافر اعترافٍ قانونيٍّ دوليٍّ بالحكومة السورية المؤقتة وبالائتلاف الوطنيّ".
واقعٌ يؤدّي إلى كوارث مستقبلية:
يصعب على الأطفال اللاجئين، الذين لم يتمّ تسجيل ميلادهم في بلد اللجوء، الحصول على الخدمات، مثل الرعاية الصحية والتعليم. وعن طريق توثيق صلة الطفل ببلده الأصليّ أو جنسيته، يصبح تسجيل الميلاد أيضاً عاملاً مساعداً على وضع أساسٍ لعودته إلى سوريا في يومٍ من الأيام.
وسيواجه الأطفال غير المسجّلين مشاكل كبيرةً عند عبور الحدود بطرقٍ شرعيةٍ. وتبرز تخوّفاتٌ لدى الأمم المتحدة من صعوبة حصول هؤلاء الأطفال على الوثائق السورية والهويات الشخصية في المستقبل، وبالتالي حرمانهم من جميع حقوقهم المدنية. وإن لم يستطع الطفل العودة إلى سوريا، فإنه سوف يكبر ويحرم من التعليم وفرص العمل والسفر، ما يجعله إنساناً "غير مسجّلٍ" في جميع دول العالم!
جهودٌ للأمم المتحدة:
بموجب القانون الدوليّ، يعدّ تسجيل المواليد حقاً لكلّ الأطفال، لأنه يثبت الهوية القانونية للطفل ونسبه، كما يعدّ إثباتاً للعمر.
وقد أطلقت المنظمات الدولية ذات الشأن، وعلى رأسها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، حملةً دوليةً جديدةً بعنوان: "أنا أنتمي". وتهدف، خلال السنوات العشر القادمة، إلى وضع حدٍّ لمشكلة انعدام الجنسية لدى الملايين حول العالم، وخصوصاً السوريين. وتطالب الحملة جميع المنظمات المعنيّة بالضغط على دول اللجوء، من أجل تسجيل المواليد الجدد بطريقةٍ نظاميةٍ، لضمان حق الحياة في المستقبل.
لكن، حتى اللحظة، تبقى جميع القوانين الدولية والإنسانية بحقّ المولود السوريّ في دول اللجوء معطلةً، حتى توافر اعترافٍ قانونيٍّ بالحكومة السورية المؤقتة. ويبقى مستقبل الطفل السوريّ مرتبطاً بالصراعات السياسية ومصالح الدول.