فيلم "القطع".. خطوةٌ جديدةٌ على طريق الاعتراف بمذابح الأرمن
يوسف شيخو
يبدو واضحاً للمتابع أن ملفّ المذابح المرتكبة بحقّ الأرمن، خلال الحرب العالمية الأولى، ظلّ بعيداً عن اهتمامات العاملين في أوساط الفن السابع، ولم يحظَ بحقّه في عالم السينما، خلافاً لحوادث تاريخيةٍ أخرى، لعلّ أبرزها "الهولوكوست"، الذي أصبح مادةً لعشرات الأعمال السينمائية. وعليه، يمكن البحث في أسباب تجاهل الملف الأوّل وتناول الثاني إلى حدّ الاستهلاك، من باب اعتراف الألمان، حكومةً وشعباً، بحقيقة المجزرة، وإدانتها، فيما ظلّ التطرّق إلى موضوع "الإبادة" ضد الأرمن عام 1915 ضمن "التابوهات" التركية.
وليس خافياً أن الحديث عما جرى للأرمن خلال حكم الإمبراطورية العثمانية يعدّ من أكثر المواضيع حساسيةً في تركيا، إذ يعتقد الكثير من الأتراك أن هذه المسألة تحوّلت إلى مناسبةٍ تُستغلّ للدعاية المناهضة لأنقرة. والحال أن اتهامات الأتراك تلك طالت الدورة (36) لمهرجان القاهرة السينمائيّ الدوليّ، والتي أثارت جدلاً بعد افتتاحها بعرض فيلم "القطع" للمخرج التركيّ-الألمانيّ فاتح أكين، وهو أوّل عملٍ لمخرجٍ من أصولٍ تركيةٍ يتناول المجازر التي تعرّض لها الأرمن في عهد العثمانيين. علماً أن العمل عُرض أخيراً في المسابقة الرسمية لمهرجان البندقية، كما كانت مشاركته منتظرةً في الدورة الأخيرة لاحتفالية "كان"، أو على الأقلّ كان مرشحاً ليعرض في المهرجان. لكن، قبل إعلان التشكيلة الرسمية، نُقل عن أكين أنه يفضّل عدم المشاركة "لأسبابٍ شخصية".
ترفض الدولة التركية مصطلح "الإبادة"، فيما يرى مؤرّخون أن تلك المذبحة تعدّ أوّل "إبادةٍ" جماعيةٍ في القرن العشرين، ويقدّرون عدد قتلى الأرمن بـ1.5 مليون. كما يصرّح مخرج فيلم "القطع" أن "إبادة الأرمن" شيءٌ طارده طوال حياته، مذ كان مراهقاً، ومذ سمع عنها للمرّة الأولى. ويضيف أكين أن "الإبادة عبءٌ عاطفيٌّ هائلٌ، لأنها أُنكرت وأُهملت. وكونها تابو جعلني أهتمّ بها أكثر فأكثر. وكلما كنت أطّلع على تفاصيلها كنت أدرك مدى كونها تابو". لكنه يعتقد أن الدولة التركية مستعدّةٌ اليوم للتحدث عن هذه القضية، أو أنها، على الأقل، "أتاحت المجال للآخرين كي يتكلموا عن الإبادة".
وسط هذا الجدل، يؤكد أكين، المتعاطف مع قضية الأرمن، أن كلّ شيءٍ في الفيلم موثّقٌ ويرتكز على معطياتٍ تاريخيةٍ لا يمكن التشكيك في صحّتها. وفي مقارنته، يرى أن "المحرقة (الهولوكوست) كانت محض عنصرية، بمعنى أنه كان ينبغي محو اليهود من الوجود. بينما لم تكن رغبة الأتراك قتل كلّ الأرمن، بل التخفيف من حضورهم في بعض المناطق، والتقليل من شأنهم في مناطق معينة.. النازيون لم يكونوا يقبلون أن يتحوّل اليهود إلى مسيحيين، بينما أُجبر الأرمن على اعتناق الإسلام" (وهؤلاء يسمّون في تركيا "دومنيه").
وقبل أن يبدأ بتصوير "القطع"، الذي أدّى الدور الرئيسيّ فيه الممثل الفرنسيّ-الجزائري طاهر رحيم، كان أكين يفكر بمشروعٍ عن الصحفي التركيّ-الأرمني هارنت دينك، الذي اغتيل من قبل قوميين أتراك. لكنه لم يجد ممثلاً تركياً يقبل الدور، خوفاً من ردّة فعل القوميين، كما صرّح المخرج لصحيفة "آغوس" التركية-الأرمينية، ما دفعه إلى التخلي عن مشروعه، والاكتفاء بتصوير فيلمٍ حول قضية الأرمن.
وبعد هذا الحوار الصحفيّ، نشر القوميون المتطرّفون تهديداتٍ على الإنترنت لصحيفة "آغوس"، ووصفوا طاقمها بالأرمن "الفاشيين" والمثقفين "الهدّامين". وليست ردّة الفعل هذه فريدةً من نوعها، فحين صدور رواية "لقيطة إسطنبول" للتركية أليف شفق، في عام 2006، والتي تعرض جانباً من مذابح الأرمن، اعتبر البعض أن الكاتبة "تشتم الهوية الوطنية" في روايتها. وبالفعل، حُكم عليها بالسجن ثلاث سنواتٍ في عام 2007، لكن تمّ العفو عنها بعد ذلك، وأسقطت عنها التهم الموجهة إليها.
وعلى خطا "القطع"، الذي كلف 15 مليون يورو، وصُوّرت مشاهده في ألمانيا وكوبا وكندا والأردن، تعمل الممثلة الهوليوودية كيت وينلسيت على تصوير عملٍ سينمائيٍّ يتطرق لقضية "الإبادة الجماعية" ذاتها، يحمل عنوان "فراغٌ في داخلي" (Hole in my Soul)، ويتحدّث عن قصة حبّ ممرضةٍ أرمينيةٍ، تقوم بدورها وينسليت، ويشاركها البطولة الممثل مارك ولبيرغ. ومن المقرّر أن يُعرض الفيلم في الذكرى المئوية الأولى لأحداث عام 1915.
شاهد نبذة عن الفيلم ؛