أماكن الاعتقال في سوريا وما يجري فيها من تنفيذٍ لأحكام إعدام دون ضماناتٍ إجرائية
عاصم الزعبي
يعدّ ملفّ الانتهاكات المتعلقة باعتقال واختطاف السوريين من أخطر الانتهاكات التي تعيشها سوريا منذ بداية الثورة. وهو، في الوقت ذاته، من أكثر الملفات الشائكة التي يصعب التعامل معها في الوقت الراهن وحتى في المستقبل.
وربما تزيد خطورة هذا الملفّ حتى عن ملفّ الضحايا. وتأتي هذه الخطورة، مقارنةً مع الملفات الأخرى المتعلقة بحقوق الإنسان، باعتباره يخلو من المعلومات اللازمة المتعلقة بضحاياه، وما يترتّب على ذلك من اعتباراتٍ قانونيةٍ وسياسيةٍ، وحتى اجتماعيةٍ، فيما بعد. لأنه عند توثيق حالة ضحيةٍ قتلت بالرصاص أو القصف فهنا نعرف أن هذا الشخص قد سقط بالرصاص أو القصف، ومن الجهة المسؤولة عن هذا الفعل. أي يمكن تكوين فكرةٍ عن الجريمة الحاصلة وأركانها، ما يسهّل عملية الملاحقة والمحاكمة فيما بعد. وحتى بالنسبة إلى أهل الضحية وذويه يمكنهم التعامل مع الواقعة، رغم قسوتها، على مبدأ الأمر الواقع. أما الحالات التي تتمثل بالخطف والاختفاء القسريّ، وهي كثيرةٌ في سوريا، فهي حالاتٌ تتميز بصعوبة جمع المعلومات ومعرفة مصير الضحية. إذ إن هناك آلاف الأشخاص من المفقودين والذين تعرّضوا للخطف والاختفاء القسريّ. وبالتالي فإن متابعة هذه الانتهاكات تصبح شبه مستحيلةٍ في ظلّ الأوضاع الحالية.
وتترك مثل هذه الانتهاكات آثاراً تمتدّ سنواتٍ وعقوداً في أحيانٍ كثيرةٍ. كما حصل سابقاً مع المختفين قسرياً في أحداث الثمانينات، إذ ما يزال ملفّ هؤلاء غامضاً إلى اليوم، وما تزال أسرهم تجهل مصائرهم، بما يخلّفه ذلك من آثارٍ نفسيةٍ وتعقيداتٍ ومشاكل قانونيةٍ واجتماعيةٍ لها علاقةٌ بالأسرة والأحوال الشخصية، من زواجٍ ومواريث.
إحصاءٌ لعدد مراكز الاعتقال والتعذيب المعروفة في سورية:
تعدّ كلّ الفروع الأمنية في المحافظات مراكز للاعتقال والتعذيب. وعدد الفروع في كلّ محافظةٍ خمسة:
- المخابرات الجوّية. وهي أسوأ هذه الفروع على الإطلاق.
- المخابرات العسكرية. وتلي الجوّية من حيث السوء والوحشية.
- المخابرات العامة (أمن الدولة).
- الأمن السياسيّ.
- الأمن الجنائيّ.
وتتوزّع لهذه الفروع في المناطق مفارز، وفي كلّ منطقةٍ أربع مفارز هي أيضاً مراكز للاعتقال والتعذيب. فلو كان في كلّ محافظةٍ أربع مناطق فقط، يكون العدد الإجماليّ لمراكز الاعتقال والتعذيب 70. يضاف إليها مراكز الاعتقال والسجون وعددها على الأقل 13. ليصبح العدد الإجماليّ لمراكز التعذيب والاعتقال المعروفة 83 مركزاً.
وبعد اندلاع الثورة في سوريا تحوّلت معسكرات الجيش والمطارات العسكرية والثكنات ومعامل الجيش إلى مراكز للاعتقال بسبب الزيادة الكبيرة في عدد المعتقلين، إضافةً إلى أنه يتمّ إخفاء الكثير من السجناء في هذه الأماكن لإبعادهم عن أماكن الاعتقال الرسمية خوفاً من مراقبة المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان.
ومن ناحيةٍ ثانيةٍ بدأت تطفو إلى السطح أماكن اعتقالٍ خاصّةٌ، ومنها أماكن سرّيةٌ، لبعض فصائل المعارضة المسلحة وبعض الفصائل المتشدّدة، وفي مقدمتها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، حيث يتم احتجاز المدنيين ومقاتلي فصائل المعارضة المسلحة ويجري تعذيبهم بحجّة الدين.
عمليات الإعدام في أماكن الاعتقال:
ثبت مؤخراً، عن طريق الصور المسرّبة للمعتقلين الذين قضوا في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوريّ، أن نسبةً كبيرةً من هؤلاء المعتقلين تمّ إعدامهم بشكلٍ مباشرٍ دون عرضهم على القضاء، ودون أن يتمتعوا بأدنى حقوق التقاضي المعروفة، أو أن تصدر في حقّهم أحكامٌ شكليةٌ بالإعدام، خصوصاً من المحكمة الميدانية العسكرية التي لا تتمتع بأية صفةٍ قانونيةٍ أو ولايةٍ قضائيةٍ لمحاكمة ناشطين أو مدنيين سلميين.
وتجري عمليات الإعدام بشكلٍ كبيرٍ في فرع الأمن العسكريّ 215 المعروف بفرع الموت، وفرع الأمن العسكريّ 227 المعروف بفرع المنطقة. كما يتمّ في سجن صيدنايا العسكريّ ما بات يعرف بحفلات إعدام يومي الاثنين والخميس من كلّ أسبوعٍ، كما أفاد بذلك معتقلون خرجوا من هناك وتقاطعت شهاداتهم لتجزم بحصول هذه الإعدامات الأسبوعية.
وتؤدّي هذه المعلومات إلى أن النظام السوريّ يرتكب جريمة حربٍ جديدةً تضاف إلى سجلّ جرائمه الموثقة ضد الإنسانية، وهي الجريمة المتمثلة في إصدار أو تنفيذ حكم الإعدام بدون ضماناتٍ إجرائيةٍ، وفق المادة الثامنة من نظام روما الأساسيّ الناظم لمحكمة الجنايات الدولية. وهي جريمةٌ متكاملةٌ من حيث كيفية ارتكابها ومكانه وأسبابه.
أركان هذه الجريمة:
1: أن يصدر مرتكب الجريمة حكماً على شخصٍ أو أكثر أو ينفّذ فيهم أحكاماً بالإعدام.
2: أن يكون هذا الشخص أو الأشخاص إما عاجزين عن القتال أو مدنيين أو مسعفين أو رجال دينٍ ممن لم يشاركوا فعلاً في القتال.
3: أن يكون مرتكب الجريمة على علمٍ بالظروف الواقعية التي تثبت هذه الصفة.
4: ألا يكون ثمة حكمٌ سابقٌ صادرٌ عن محكمةٍ، أو أن تكون المحكمة التي أصدرت الحكم لم تشكّل بصفةٍ قانونيةٍ، أي أنها لم توفّر ضمانتَي الاستقلال والنزاهة الأساسيتين، أو أن المحكمة التي أصدرت الحكم لم توفر الضمانات القضائية الأخرى المسلّم عموماً بأنه لا غنى عنها بموجب القانون الدوليّ.
5: أن يكون مرتكب الجريمة على علمٍ بعدم وجود حكمٍ سابقٍ أو بعدم توفّر الضمانات ذات الصلة، وبضرورة هذه الضمانات أو كونها لا غنىً عنها للمحاكمة العادلة.
6: أن يصدر السلوك في سياق نزاعٍ مسلحٍ ذي طابعٍ غير دوليٍّ، أو أن يكون مقترناً به.
7: أن يكون مرتكب الجريمة على علمٍ بالظروف الواقعية التي تثبت وجود نزاعٍ مسلح.
إن مراكز الاعتقال التابعة للنظام السوريّ ذات طبيعةٍ فريدةٍ لكونها سجوناً ومحاكم في الوقت نفسه، ترتكب فيها أبشع أنواع الإعدام. ويحدث ذلك على مرأىً ومسمعٍ من المجتمع الدوليّ الذي لم يستطع، بكلّ هيئاته المعروفة، التوصّل إلى صيغة قانونٍ أو قرارٍ دوليٍّ يضع حدّاً لمثل هذه الانتهاكات غير المسبوقة.