فيلم (الخبز والتوليب) لسيلفيو سولديني
شاركني خبزي ومشربي.. شاركني أيضاً زهر التوليب
عمار عكاش
يبدأ الفيلم بمشهدٍ لدليلٍ سياحيٍّ يتحدّث عن التراث الرومانيّ الإغريقيّ (حضارة العقل) مفخرة كلّ إيطاليٍّ، ولكن كاميرا المخرج تدحض كلامه، فحياة ورثة هذه الحضارة، والمغلفة بهالة الحداثة والمتع السهلة، تزخر بالضجيج والسوقيّة والنزعة الماديّة.
بطلة الفيلم روزألبا (امرأةٌ أربعينيةٌٌ) ترافق ولديها المراهقين وزوجها في رحلةٍ سياحيّةٍ، تتخلف عن الباص لدى توقفه في محطة استراحةٍ بسبب فقدانها لإحدى مجوهراتها في الحمّام (رمزٌ للجمال الاصطناعيّ). ولا يلاحظ أفراد عائلتها تخلّفها عن الباص مباشرةً، في إشارةٍ هادئةٍ إلى فتور علاقاتنا. تلوّح البطلة للسيّارات في الطريق معتزمةً اللحاق بالباص، لكنها تقرّر لاحقاً زيارة فينيسيا للمرّة الأولى في حياتها.
لا يقدّم الفيلم مدينة فينيسيا السياحيّة الهوليوديّة، بل شوارع ضيّقةً بسيطةً، أبنيتها متّشحةٌ بالسواد؛ مكانٌ مفعمٌ باللامعقول والتنوّع وانعدام الروتين، يخبّئ في جنباته أناساً غريبي الأطوار ذوي نزعاتٍ بوهيميّة. تلتقي روزألبا بنادلٍ يدعى فيرناندو، يقدّم لها غرفةً في بيته. وفي اليوم التالي تستيقظ لتجده أعدّ لها الفطور وأرفقه برسالةٍ دمثةٍ وزهرة توليب. فرناندو شخصٌ وحيدٌ ذو ميولٍ انتحاريّةٍ تخلق روزألبا رعشةً جديدةً في حياته. ينمو حبٌّ هادئٌ بينهما يقوم على المشترك والتلقائيّ.
تلتقي روزألبا جارةً وصديقةً جديدةً تعمل في التجميل والمسّاج، اسمها غراتسيا، ممسوسةً بشيء من الجنون وحالمة. تصادف روزألبا بائع أزهارٍ فوضويّاً وتقنعه أن يقبلها للعمل بجملةٍ شاعرية: "أبي كان بستانيّاً، لذا فإبهامي أخضر". وتبدأ بالعزف على الأوكورديون الذي ورثتْ حبّه عن جدّتها. يعرض الفيلم صورة زوج روزألبا ميمّو؛ رجلٌ حادّ الطباع، نرجسيٌّ ويخونها، لكنه لا يبدو سبباً أساسياً في تبني نمط حياتها الجديد، فالفيلم لا يسعى إلى تقديم مبرّرٍ أخلاقيٍّ لهجر البطلة عائلتها، كدَأْب الكثير من الأفلام الأمريكيّة،فكلّ هذه التحوّلات ليست إعادة اكتشافٍ للذات؛
إذ تبدو البطلة واعيةً لذاتها التي دجّنتها مؤسّسات الحياة الحديثة (العائلة، العمل...)
لكنّها تقرّر أن تمضي وراء مشاعر الحنين إلى الذات المحجوبة التي تنتابنا بغتةً لكننا نقمعها عادةً، كبقايا من أحلامٍ مراهقاتيّةٍ، لننتقل إلى ما نسمّيه نضجاً.
يستأجر ميمّو، الذي يعمل في تأثيث الحمامات، سبّاكاً اسمه كوستانتينو، مولعاً بالروايات البوليسيّة، للبحث عن زوجته، بعد أن افتقدها لأداء واجبات المنزل. ينتهي المطاف بكوستانتينو إلى الوقوع في غرام غراتسيا، أخصائية المسّاج. ويقول لها، بعد لقاءٍ قصيرٍ: "قضيت أجمل لحظاتي حياتي معك. كنت أعلم أنك في مكانٍ ما. والآن، وقد عثرت عليك، أعرف ما هي السعادة". يصارح فيرناندو روزألبا بحبّه أيضاً، وينتهي الفيلم نهايةً سعيدة.
لا يتحدّث (الخبز والتوليب) عن أزماتٍ جنسيّةٍ أو عاطفيّةٍ، بقدر ما هو فيلمٌ يحتفي بجماليّات الحياة الصغيرة وتفاصيلها. يتحدّث عن اكتشاف الأشياء السارّة العفويّة، بقالبٍ كوميديٍّ. يقول إن الحياة قصيرةٌ وتستحقّ أن تعاش، لكن ليس بالطريقة السوقيّة الشائعة... ربما نغامر ونصفه بكلمةٍ فضفاضة: إنه فيلمٌ يتحدّث عن الحياة!!
مشاهد من الفيلم ؛
الترجمة غير متوفرة