عبد الرحمن الكواكبي: تشريح الاستبداد وتأصيل الحرية
فريق صور
طالما شغل الاستبداد بال المفكرين والكتاب في مجال علم الاجتماع السياسي، وأفردوا الكثير من الكتب والمؤلفات حول ماهيته وأسبابه والدوافع الكامنة خلفه، ويمكننا اعتبار المفكر السوري عبد الرحمن الكواكبي، أحد أشهر الكتاب الذين كتبوا حول هذا الموضوع، في كتابه «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد»، الذي يعد من أهم الكتب العربية في القرن التاسع عشر.
أدرك الكواكبي، في بداية حياته وعمله في الصحافة الرسمية، أنها لا تستطيع حمل قيم الحرية وروح المقاومة التي يؤمن بها، كونها تنطق باسم السلطان، مما دفعه لأن يؤسس هو وزميله، السيد هشام العطار، أول جريدة مستقلة، وهي «الشهباء»، حاول من خلالها تقديم الفكر التنويري والنقد الموجه ضد السلطات العثمانية، التي أغلقت هذه الجريدة بعد عددها الخامس عشر.
ولد الكواكبي سنة 1855، لعائلة لها شأن كبير في مدينة حلب، التي كانت تزدهر بالعلوم والفقهاء والعلماء، ودرس الشريعة والأدب وعلوم الطبيعة والرياضات، في المدرسة الكواكبية، التي تتبع نهج الشريعة في علومها، وكان يشرف عليها ويدرّس فيها والده، مع نفر من كبار العلماء في حلب.
لم يكتفِ الكواكبي بالمعلومات المدرسية، فقد اتسعت آفاقه أيضاً بالاطلاع على كنوز المكتبة الكواكبية، التي تحتوي مخطوطات قديمة وحديثة، ومطبوعات أول عهد الطباعة في العالم، فاستطاع أن يطلع على علوم السياسة والمجتمع والتاريخ والفلسفة، وغيرها من العلوم.
تنقل الكواكبي بين العديد من الوظائف الرسمية، فكان كاتبًا فخريًّا للجنة المعارف، ثم مُحرِّرًا للمقالات، ثم صار بعد ذلك مأمور الإجراءات (رئيس قسم المحضرين)، وكذلك كان يشغل منصب عضو محكمة التجارة بولاية حلب، بالإضافة إلى توليه منصب رئيس البلدية.
غير أنه أحس أن السلطة تقف في وجه طموحاته، فانصرف إلى العمل بعيداً عنها، حيث اتخذ مكتباً للمحاماة، كان يستقبل فيه الجميع من سائر الفئات ويساعدهم، ويحصّل حقوق المتظلمين عند المراجع العليا، وقد كان يؤدي عمله في معظم الأحيان دون أي مقابل مادي.
استمر الكواكبي بالكتابة ضد السلطة التي كانت في نظره تمثل الاستبداد، كما أنه شكل النوادي الإصلاحية والجمعيات الخيرية التي تقوم بتوعية الناس، وقد دعا المسلمين لتحرير عقولهم من الخرافات، وقسم الأخلاق إلى فرعين: فرع يخدم الحاكم المطلق، وفرع يخدم الرعية أو المحكومين، ودعا الحكام إلى التحلي بمكارم الأخلاق لأنهم الموجهون للبشر، كما دعا إلى إقامة خلافة عربية على أنقاض الخلافة التركية، وطالب العرب بالثورة على الأتراك، بعد أن حمّل الحكومة التركية المستبدة، مسؤولية الحال الذي وصل إليه الناس في ذاك الزمن.
وعُرف الكواكبي بمقالاته التي تفضح فساد الولاة، فلم تستطع السلطة تحمل جرأته في النقد. مما دفعه الى السفر والقيام بجولات في العديد من الدول والمدن الاسلامية، واستقر في مصر التي كانت خارج سيطرة السلطان العثماني. وهناك ذاع صيته وأصبح واحداً من أشهر العلماء، يكتب ويدعو إلى النهوض والتقدم بالأمة ومقاومة الاستبداد، وهو الأمر الذي أدى إلى اغتياله على أيدي عملاء السلطان العثماني عبد الحميد، وذلك في عام 1902م.
ألف عبد الرحمن الكواكبي العديد من الكتب، من أهمها طبائع الاستبداد وأم القرى، كما ألف "العظمة لله" و"صحائف قريش"، وقد فقد مخطوطان مع جملة أوراقه ومذكراته ليلة وفاته. وله الكثير من المخطوطات والكتب والمذكرات التي طبعت. وما زالت سيرة وكتب ومؤلفات عبد الرحمن الكواكبي مرجعاً هاماً لكل باحث.