info@suwar-magazine.org

في الساحل السوريّ: الرجال يتشاجرون من أجل الوقود، والنساء يعُدْنَ لجمع الحطب

في الساحل السوريّ: الرجال يتشاجرون من أجل الوقود، والنساء يعُدْنَ لجمع الحطب
Whatsapp
Facebook Share

 

 

جورج. ك. ميالة

 

تشهد المنطقة الوسطى والساحلية حالةً من التململ والاحتجاج، بسبب قلّة مادة المازوت، وخصوصاً في محافظتي طرطوس وحماة، حيث تقع يومياً عشرات الحوادث الصغيرة التي تدلّ على مدى احتقان الوضع، كان آخرها مشاجرةٌ حصلت بين سائقٍ في كاراج طرطوس وعناصر الشرطة.

 

يقول أحد شهود العيان على الحادثة: "بدأت المشكلة بمشادّةٍ كلاميّةٍ بين السائقين في كاراج طرطوس الرئيسيّ وعناصر الشرطة، بسبب انعدام المازوت الذي يشغّل سيارات الأجرة إلى ريف طرطوس. وتطوّرت المشادّة إلى عراكٍ بالأيدي، ما استدعى تدخّل عناصر من فرع الأمن العسكريّ، لحلّ المشكلة".

 

ويضيف شاهد العيان: "حاول عناصر الأمن العسكريّ تهدئة السائقين وامتصاص غضبهم، عن طريق تأمين (تنكة) مازوتٍ لكلّ سيارة أجرةٍ (سرفيس) في الكاراج، ولكن سرعان ما عاد الوضع إلى حاله بعد يومين".

وبعد ازدياد الضغط الشعبيّ، قرّر محافظ طرطوس توزيع (تنكة) مازوتٍ (20 لتراً) لكلّ سيارةٍ أسبوعيّاً.

يقول أبو محمد، السائق على خطّ اللاذقية-طرطوس، لمجلة "صور": "تنكة المازوت تشغّل السيارة لمسافة 200 كم، والمسافة بين طرطوس واللاذقية حوالي 65 كم، وبالتالي فإن (تنكة) المازوت لا تكفي سوى ليومٍ واحد، سابقاً كنت أسافر أربع مرّاتٍ في اليوم إلى اللاذقية، أما اليوم فبالكاد أستطيع السفر لمرّةٍ واحدة".

 

 

في حين اشتكى أحد الموظفين في معمل الإسمنت: "منذ عشرة أيامٍ ارتفعت أسعار المواصلات، لتصل إلى 350 ليرةً سورية، بسبب ندرة المازوت. سابقاً كنت أدفع 75 ليرةً، أجرةً للسرفيس، للوصول إلى بلدتي وادي العيون".

ويتساءل الموظف: "راتبي في اليوم 900 ليرةٍ سورية. كيف سأدفع 700 ليرةٍ منه أجور مواصلات، لأصل إلى عملي يومياً؟".

كما تأثرت محافظة حماة جرّاء أزمة المحروقات الخانقة، فتوقفت الكثير من سيارات الأجرة التي توصل الموظفين من مدن ريف حماة، كمحردة ومصياف والسقيلبية، إلى المدينة. وسجّلت مديريات المدينة تغيّب الكثير من موظفي الريف، بسبب عدم وجود سياراتٍ تنقلهم إليها.

 

 

تقول حنين، الطالبة في جامعة حمص: "الأسبوع الماضي لم أستطع أن أسافر من مدينتي مصياف إلى جامعتي. انتظرتُ أربع ساعاتٍ حتى وجدت سيارةً تأخذني إلى حمص. السيارات قليلةٌ جداً. وإن وُجدتْ فأجرة نقل الراكب حوالي 400 ليرةٍ سورية".

 

النظام يتخبّط في تأمين المحروقات

في العام الماضي، عاش النظام على استيراد النفط من الخارج، بعدما فقد السيطرة على أغلب منابع النفط في سوريا. ولجأ إلى شراء المازوت من الجزائر في النصف الأوّل من عام 2013، لكنه توقف عن ذلك نتيجة عدم ملاءمة المازوت الجزائريّ لتشغيل وسائل النقل في سوريا.

ثم قام النظام، في الأشهر الماضية، باستيراد مشتقات النفط من إيران. وكان يستورد منها شهرياً 70 ألف طنٍّ من المازوت و40 ألف طنٍّ من البنزين. ولكن هذه الكميات توقفت في شهر تموز الماضي، بسبب امتناع الخط الائتمانيّ الإيرانيّ عن تمويل توريد النفط إلى سوريا، لعدم قدرة النظام على سداد ديونه لإيران.

يقول المهندس النفطيّ، محمد جمول، لمجلة "صور": "كان النظام السوريّ يعتمد، بشكلٍ أساسيٍّ، على إيران في تأمين النفط. ولكن الاستيراد متوقفٌ الآن بشكلٍ كامل، ما انعكس بشكلٍ سريعٍ على حياة المواطن، وأصبح من النادر هذه الأيام أن تجد المازوت في محطات الوقود في حماة وحلب وحمص".

 

 

طيران التحالف يمنع الوقود عن النظام

إضافةً إلى المصادر السابقة، فإن النظام اعتمد مؤخراً على شراء النفط من تنظيم الدولة الإسلامية، عبر وسطاء في السوق السوداء، ليصل إلى المدن الواقعة تحت سيطرة النظام. لكن تقارير حديثةً أفادت بأن إنتاج النفط في المنشآت التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية تقلّص إلى النصف، بسبب هروب المهندسين والتقنيين التابعين للتنظيم، إضافةً إلى استهداف طيران التحالف الدوليّ، في يومٍ واحدٍ، ما يزيد عن اثنتي عشرة مصفاة نفطٍ بدائيةٍ "فرّازة" بمحافظة دير الزور، ما تسبّب في دمارها وخروجها عن الخدمة.

ويؤكّد نشطاء من أبناء دير الزور أن إنتاج التنظيم من النفط انخفض من 150 ألف برميلٍ في اليوم إلى ربع هذا الرقم، بسبب تخوّف العاملين في المصافي البدائية، من أبناء العشائر، من استهداف طيران التحالف لهم.

كلّ الأسباب السابقة، إضافةً إلى تهريب النفط إلى دول الجوار، بسبب الفائض الربحيّ الذي يحقّقه (يبلغ سعر لتر البنزين في سوريا حوالي 100 ليرةٍ سورية، بينما يقدّر سعره في تركيا بحوالي 400 ليرة، ما يدفع المنتجين والمهرّبين إلى بيعه لدول الجوار)، جعلت أزمة المحروقات تطفو على السطح في حياة السوريين.

 

غلاء المحروقات هديّة النظام للسوريين

لم يكن عيد الأضحى ليمرّ بسلامٍ على السوريين، فالقصف اليوميّ المتواصل بشتى أنواع الأسلحة لم يشبع شرَه النظام تجاه شعبه، فأهداه ارتفاعاً في أسعار المحروقات بنسبة أكثر من 25%.

وبناءً على القرار الجديد، ارتفع سعر لتر البنزين من 80 ليرةً سوريةً إلى 140 ليرة، ولتر المازوت من 60 إلى 80 ليرة. ووفقاً لهذا القرار أصبح سعر صفيحة البنزين 2800 ل.س، وصفيحة المازوت 1600 ل.س.

يقول الأستاذ عز الدين، المدرّس في إحدى ثانويات مدينة حمص، لمجلة "صور": "كنا نتوقع زيادة الرواتب الشهرية، أو منحةً تعيننا على سداد تكاليف بداية العام الدراسيّ، لكن منحة النظام كانت زيادةً في أسعار المحروقات".

 

 

الشتاء على الأبواب.. وتخوّفاتٌ لدى المدنيين

يطلّ الشتاء على السوريين دون توقعاتٍ بإمكانية تشغيل وسائل التدفئة، فأغلب مناطق سوريا تعاني من انقطاعٍ للكهرباء يزيد عن 12 ساعةً في اليوم، ما يجعل الناس يبحثون عن بدائل، أهمها جمع الحطب و"نشارة" الخشب لاستخدامها في التدفئة.

أم علي، المرأة السبعينية من منطقة الشيخ بدر، تقول لمجلة "صور": "المازوت شبه معدوم. وعلى ما يبدو فإن الحكومة لن توزّع المازوت على المدنيين، كما فعلت في الأعوام السابقة. والكهرباء غير موجودة، وبالتالي لا نستطيع تأمين التدفئة بواسطة الكهرباء".

 

وتضيف أم علي: "منذ أكثر من شهرٍ ونصفٍ أخرج لجمع الحطب من الجبال، استعداداً لشتاءٍ ليس فيه مازوتٌ أو كهرباء!".

أما الأستاذ عز الدين فيقول: "لم أكن أتوقع أن أستخدم المازوت هذا العام في التدفئة، لقلّته وغلائه. فالمدفأة تحتاج إلى عشرة لتراتٍ يومياً، أي 600 ليرةٍ في اليوم، ولا قدرة لي على دفع هذا المبلغ. وبعد الارتفاع الأخير لأسعار المازوت، أصبحت التدفئة تكلّف 800 ليرةٍ يومياً، لذلك لا يعنيني الموضوع".

 

فيما يقول الدكتور محمد مدراتي، طبيب أمراض التنفس: "أتوقع تضاعفاً في أمراض المجاري التنفسية والصدرية هذا العام، وخصوصاً بين الأطفال والرضّع، نتيجة اعتماد كثيرٍ من السوريين على الحطب في التدفئة، ما قد يسبّب أمراضاً صدريةً مزمنةً، كالربو. الأمر الذي سيزيد من بؤس وشقاء الطفولة السورية، التي عادت حياتها إلى ما قبل خمسين عاماً من اللحظة".

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard