info@suwar-magazine.org

فيلم ساحرة الحرب: War Witch

فيلم ساحرة الحرب: War Witch
Whatsapp
Facebook Share

 
(ومازال أطفال الحرب جنودها وشهداء الذاكرة)

 

عمار عكاش 



سمعنا الكثير عن أطفال الحرب في افريقيا أولئك الذين يحملون سلاحاً يفوق طول قاماتهم الصغيرة، وربما أسرفت خيالاتنا في تصوّراتٍ نمطيّة عن أفريقيا السوداء موطن البدائيين والمتوحّشين، والقارة التي يطحنها الجوع والحروب الأهلية.

 


فيلم ساحرة الحرب كفيل بتحطيم هذه الصورة؛ قصّة طفلة تبلغ من العمر 14 عاماً تسرد على طفلها الذي لم يولد بعد حكايتها كجندية تقاتل مع المتمردين، يحافظ المخرج الكندي Kim Nguyen بحرفيّة عالية على التوازن ما بين التأثير النفسي الوجداني في المشاهِد عدم الغرق في نزعة عاطفيّة مبالغ بها، وهي مطبّ الكثير من الأفلام التي تتناول فظائع الحروب. يبدو المنحى الواقعيّ بشكل خاص من خلال تقنيّة التصوير التي تكاد تقارب الأفلام الوثائفيّة في بعض لحظات الفيلم كأنها عين مراقب خارجي يلتقط مشاهداته.

 

فالفيلم يبدأ دون مقدمات، يدخل المتمردون قرية الطفلة كونوما  الممثلة  ( Rachel Mwanza) ويجبرها المتمرّدون على قتل والديها بعد تهديدها بتعذيبهم مالم تطلق النار عليهما، هي أول رصاصة تطلقها في جسدٍ حيّ وهي لحظة عبورها للبرزخ بين عالم الطفولة وعالم الحرب الذي يحكمه الدم والعنف وتموت فيه العواطف، فتقول البطلة كونوما في إحدى المشاهد " كان عليّ أن أتعلم دفع دموعي لتصعد إلى رأسي ". وفي إحدى المعارك يلقى جميع رفاقها حتفهم، لتكون الناجية الوحيدة، فيعتقد الجميع بأنها تمتلك قوىً سحريّة، وتُرقَّى لتصبح " ساحرة حرب" ويؤمن المتمردون انها تستطيع تحديد موقع القوات الحكومية المتربّصة بهم في الأدغال، يتبرّك بها قائد المتمردين الذي يتخذها لاحقاً خليلةً له.

ورغم ان المخرج يشير إلى ان الفيلم تجري أحداثه في بلد أفريقي يقع جنوب الصحراء الكبرى.

 

يظهر قائد المتمردين وبحوزته حجر كولتان وهو معدن خام ثمين يعتبر إحدى المواد الثمينة التي تغذي موارد الصراع في الكونغو، وهي إشارة غير مباشرة لربّما لأسباب الحروب التي تطحن أفريقيا.


الجانب الواقعي للفيلم لا يستولي على الفيلم كليّةً إنما يبقى جانب رمزي أيضاً ، يظهر في تكرار مشهد الموتى الذين يزرون كونوما كلما شربت "الحليب السحري" وهي مادة مخدرة مستخلصة من نسغ إحدى الأشجار، فيزورها والداها يكسو جلود أجسادهما لونُ رماديّ؛ الرماديّ اللون الذي يميل إلى الكآبة ويحيل في المسيحية إلى الحداد والتوبة. إنها ذاكرة شهود الحرب التي لا تموت تبقى مثل كعب أخيل مقتلهم وجرحهم المفتوح.

 

 

سرد الفيلم يأتي من خلال تقنية الفلاش باك أشبه بمونولوج داخلي بين كونوما التي تبلغ من العمر 14 عاماً وتسرد لطفلها الآتي قصتها كمقاتلة في صفوف المتمردين وبين كونوما التي كانت طفلة بريئة عمرها 12 عاماً، هذا المونولوج تعبير فنّي متقن عن هذا الصراع الدائم الذي يعيشه الناجون من الحروب حين يبدؤون بالعودة إلى الحياة المدنيّة، فتبدأ وحوش الذاكرة بزيارتهم من حينٍ لحين ، فصدمة الحرب والعودة إلى حياة هادئة بسيطة صراع يلازم كل شهود الحرب، ربما فقط شهداؤها هم من يصعدون إلى السماء آمنين مطمئنين.

 

في المشهد الأخير للفيلم تصعد كونوما مع طفلها عربة نقل تقلّ ركاباً تفيض وجوههم طيبةً رغم القهر، يبتسمُ الركّاب لصوت الطفل في بارقة أمل لحياةٍ جديدة ربّما يعيشها جيل جديد ، فيما تنام كونوما مكدودةً على أرضيّة السيارة وقد سُلبِتْ منها طفولتها للأبد وترتفع الكاميرا رويداً رويداً عن وجه الطفلة مع أغنية هادئة لتترك  سؤالاً خجولا  ربما لم يعد ذي قيمة كبيرة في أيامنا: إلى متى ؟

 

 

 

 

مشاهد من الفيلم؛

الترجمة غير متوفرة

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard