info@suwar-magazine.org

حوار مع البروفسور أغناطيوس غوتيريث عن الاستعراب والتأثيرات الحضارية بين الغرب والشرق

حوار مع البروفسور أغناطيوس غوتيريث عن الاستعراب والتأثيرات الحضارية بين الغرب والشرق
Whatsapp
Facebook Share

 

البروفسور أغناطيوس غوتيريث  دي تيران غوميث بينيتا من مواليد عام 1967 م في مدريد الإسبانية، درس اللغة العربية وآدابها في كلّ من الجامعتين (جامعة القاهرة عام 1993 وجامعة دمشق عام 1994م، قدّم رسالة الدكتوراه عام 2000 م تحت مسمى "العلاقات الطائفية في لبنان وسوريا من حقبة التنظيمات العثمانية إلى نهاية القرن العشرين".

وهو أستاذ في التاريخ المعاصر واللغة والأدب العربي في العالم الإسلامي بقسم الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة أوتونوما بمدينة مدريد.

ترجم كتب عدّة من اللغة الإسبانية للعربية وأيضا من اللغة العربية للإسبانية بالإضافة إلى  روايات عربية لروائيين عرب مثل إدوارد الخراط وإبراهيم الكوني والبرغوثي وغسان كنفاني وبهاء طاهر وغيرهم الكثير، بما في ذلك ترجمات للشعراء أمثال محمود درويش وسميح القاسم ودواوين لمحمد الماغوط وسعدي يوسف وغيرهم، وترجم العديد من الأعمال الأدبية الإسبانية ل اللغة العربية كـ"رحلة علي باي إلى المغرب" (2005)م، وكانت له مشاركة في "أسبنة" كتاب "تاريخ الأدب الإسباني المعاصر" (2006)م.

كما كتب عدّة مقالات رأي في الأدبين العرب والإسباني منها: "اليمن.. مفتاح العالم العربي المنسي" 2014م، "نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب" لشهاب الدين التيفاشي، "الروض العاطر" (مدريد، 2015)م، وشارك مع مجموعة من الباحثين الإسبان في دراسةٍ عن الثقافة واللغة العربية في إسبانيا عام 2016م، و"الثورات العربية.. مسيرة متواصلة" 2017 م، وساهم في نقل "رسالة للجواري والغلمان" للجاحظ 2018م إلى اللغة الإسبانية.

 

ذكرت في إحدى حواراتك أنّ العربية بالنسبة لعدد كبير من الإسبان هي لغة منسية وبذات الوقت أشرت إلى أنّ نسبة عالية من المجتمع الإسباني تجهل التراث الأندلسي بالمطلق، كيف استطعت و أنت أحد المستعربين الربط بين الحضارة العربية والتراث الأندلسي في هذه الحالة ؟

 

أريد أن أقول أنّ اللغة العربية عنصر أساسي في تكوين اللغة الإسبانية ، اللغة الإسبانية اليوم مشتقة من اللغة اللاتينية ولكن اللغة العربية أرفدتها وأغنتها وأثرتها بالكثير من الكلمات والتعابير وحتّى الأنماط اللغوية .

المواطن الإسباني بحكم التدريس والتعليم الذي يتلقاه في المدرسة اليوم وهذه الحقيقة لا أعرفها جيداً ولا يمكنني أن أقول أن المواطن الإسباني لا بدّ أن يتعلّم اللغة العربية حتّى يعرف اللغة الإسبانية، ولكن لا بد أن يعرف أنّ اللغة العربية وكذلك الحضارة العربية جزء لا يتجزّأ من الثقافة الإسبانية واللغة العربية عنصر كبير جداً ومرتبط باللغة اللاتينية وطبعاً إذا كنّا نتحدث عن أهمية اللغة العربية والثقافة العربية لا بدّ أن نتحدّث أنّ الأندلس والحضارة الأندلسية بقيت في الكثير من المناطق الإسبانية لمدد زمنية ممتدة جدّاً وطويلة بلغت في بعض الحالات ال 8 قرون، وأقصد تحديداً الجزء الجنوبي وبالأخص منطقة غرناطة وبالتالي اللغة العربية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بهذه الحقيقة الأندلسية ومساهمة الأندلسيين في تكوين الهوية الإسبانية الأولى ولذلك لا بدّ أن يكون هناك ترابطاً عضويّاً بين اللغة العربية والثقافة العربية الإسلامية وتجلياتها المحدّدة والواضحة على شبه الجزيرة الإيبيرية تمثيلاً بالأندلس، وما يحدث اليوم أنّ المواطن الإسباني يجهل الدور الكبير الذي أدّته الحضارة الأندلسية وبالتالي ليس عنده آليات ومقوّمات حتّى يكوّن ترابطاً بين حقيقة اللغة العربية والأندلس من جهة وبين المفهوم الأندلسي وتراثه و الهوية الإسبانية المعاصرة.

 

تطرّقت سابقاً أنّ المجتمعات المسلمة أكثر ارتباطاً بالدين من مثيلاتها الأوروبية، وأنّ المسيحيين كانوا أكثر تعصّباً من الأندلسيين أنفسهم أي بمعنى كان هناك رؤية متديّنة على نقيض الدول الإسلامية التي كانت تُعتبر مصدراً للعقلانية، ما موقفك من هذه الفكرة وخاصّةً أنّ الكثير من السياسيين والمثقّفين ادّعوا أن الإسلام بمثابة كيان عدواني و دخيل؟

 

 فيما يخص مسألة التبيُّن، الحضارة المسيحية القديمة وتحديداً في العصور الوسطى كانت حضارة متبينة وكذلك الحضارة العربية الإسلامية كان للدين دور كبير وحضور قوي للغاية  فيها، والفارق بين الحضارتين أنّ الحضارة المسيحية كانت متعصبة بالمعنى المتديّن أي بمعنى كانت تريد أن تكون هناك مرتبة دينية مختصّة أو متميّزة للطبقة المسيحيّة وتحديداً الكاثوليكية في الدول الكاثوليكية وفيما بعد الدول البروتاستانتية، ونحن نتحدّث قبل الانشقاق الإيديولوجي في كنف كنيسة روما ولا يمكن أن نتحدّث عن الكاثوليك قبل هذا الانفصال وبالتالي كانت هذه الحضارة المسيحية مبنية على معنى التمييز، هناك طبقة هي الطبقة الدينية المتدينة ورعايا هذه الطبقة هم الذين يحتلّون المرتبة الأولى وهناك ملاحقة وإقصاء للأديان الأخرى على هذا الأساس، بينما الحضارة الإسلامية كما عرفناها في العصور الوسطى وعندما نتحدّث عن العالم العربي (ربما من القرن السابع حتّى القرن العاشر والحادي العشر) أي تقريباً ما يتوافق مع العصور الوسطى بالمعنى الأوروبي، كنّا نرى هذه الحضارة منفتحة على الأديان التوحيدية الأخرى - لا أقول الأديان غير التوحيدية ولكن الأديان الأخرى وبشكل رئيسي الدين اليهودي والدين المسيحي - وكان هناك مفهوم أكثر انفتاحاً وتفتّحاً واتساعاً من قبل الدين الإسلامي فيما يتعلّق بالتعاون والعلاقة مع الأديان الأخرى، ولم تكن هناك مفاهيم متعلّقة بالاضطهاد أو بالإقصاء بل على العكس تماماً كانت هذه الحضارة الإسلامية تحتلّ فيها الأديان الإسلامية المرتبة الأولى بعيداً عن التعارض والإقصاء، ولم تكن تفرض التمييز والدونية على الأديان الأخرى، وبالتالي هنا أنا أنطلق من مفهوم التديّن الإيجابي بالنسبة للحضارة الإسلامية المتميزة بالقيم الدينية التي تحاول أن تستوعب في الوقت نفسه الأديان الأخرى ولا يمكنني القول أنّ المسيحية واليهودية كانتا على مستوى الدين الإسلامي ذاته، فالدين الإسلامي كان دين الدولة وهذا الدين لم يكن يقصي الأديان الأخرى وبالمقابل الحضارة المسيحية المتديّنة كانت تنظر نظرة دونية معارضة متناقضة للأديان الأخرى.

 

أقررت سابقاً أن الإنتاج الإسلامي والأمازيغي بما في ذلك العربي باقٍ في إسبانيا إلى الآن، أنت كمستعرب كيف يمكنك تأكيد ذلك عبر الطرح العلمي الموضوعي، ماهي الأدلة على توثيق ذلك؟.

 

لدينا أدلة وبقايا ومخلّفات تؤكّد ذلك بدءاً بالآثار المعمارية والأنماط المعمارية التي استُخدِمت في أيام الأندلس وما زالت موجودة وشاهدة حتّى الآن، وانتهاءً بالكثير من الممارسات والآليات والتقنيات التي طوّرها العرب والأمازيغ الأندلسيين في مجال الفلاحة على سبيل المثال والري وسقاية المزارع وهذا موجود وواضح. وكذلك نجد في المناطق التي امتدت فيها الحضارة الإسلامية لمدة زمنية طويلة جداً مأكولات وطقوس وعادات وسنن تذكّرنا بالتراث والتاريخ الأندلسي وهذا واضح للعيان، وكما أقول يتضّح ذلك أكثر في المناطق التي كانت ملتصقة بالحضارة الإسلامية لفترة زمنية ليست بقصيرة وتحديداً في إقليم أندلوسيا أو الأندلس (كيفما نسميه نحن)، وسوف تشاهدون في أماكن كثيرة وفي قرى ومدن ما يدلّ على البقاء الإسلامي وهنا لا أقصد بقاء قصر الحمراء أو الجامع الأموي في قرطبة والقصر في إشبيليا على سبيل المثال بل هناك مبانٍ وعمارات ومنشآت مدنية ودينية تدلّ على ذلك وكذلك حتى الممارسات اليومية وعادات كثيرة أخرى تدل على التأثير الواضح للحضارة الإسلامية في هذه الأماكن أو أماكن أخرى في إسبانيا.

 

الكثير من الأيديولوجيات تحول دون الاعتراف بفضل العلوم والمعارف العربية على الثقافات الأوروبية، كيف يمكن تصحيح الرؤى المغلوطة حول ذلك عبر ظاهرة الاستعراب؟ وهل يمكن اعتبارها نزعة عدوانية؟

 

المشكلة الأساسية في نظري أنّ هناك انتقاد يقول بأنّ الحضارة الغربية بدأت من أيام الإغريق(اليونان) وأنّ أُسس الحضارة الغربية المسيحية كما نعرفها اليوم تعود إلى أيّام الأغارقة والحضارة اليونانية وعلى هذا الأساس تمّت صياغة هذه الثقافة الغربية عن طريق التغاضي عن كلّ ما يرتبط ويمتّ بصلة بحضارات أخرى سبقت الحضارة الإغريقية، ولا بدّ أن نقول أنّ الحضارة الإغريقية أدّت إلى تطوّرات كثيرة وأبدعت إبداعاً لا يمكن التنكّر له ولم تكن حضارة قد جاءت من العدم بل على العكس أخذت من الحضارات السابقة السامية من حيث الإيديولوجيات الدينية وهناك أساطير وخرافات مهمّة جدّاً في هذا المجال ونعرف جيّداً أهمية المهن الأسطورية في الثقافة الإغريقية والعديد من هذه الأساطير قادمة من الحضارات الصينية الفينيقية البابلية أو حتّى الفارسية، وكذلك فيما يتعلق بالرياضيات والعلوم فإن الأغارقة لم يُخلَقوا من العدم بل طوروا ثقافاتهم وكانت أساسياتهم العلمية سابقة في ذلك وكذلك في مجال المعمار والهندسة والفلكيات. لكن المشكلة في المفهوم الأوروبي هي ماهية الحضارة وأنّ الحضارة الغربية متأتية من هذه المقومات الإغريقية الصرفة ولا تأخذ بعين الاعتبار السوابق التاريخية لها ولذلك لا بدّ أن نواجه هذا التفكير الذي يعيد كلّ شيء إلى البيئة الأوروبية بالأساس وهي البيئة الإغريقية حتّى وإن سلّمنا بأنّ البيئة  التي نتحدّث عنها في الألفية الأولى قبل الميلاد هي بيئة أوروبية وهذا كلام نشك فيه أنّهم يحاولون خلق هذه الفكرة المتمثّلة بالقول بأنّ الحضارة الإغريقية القديمة هي حضارة غربية وطبعاً هذا قول يسبق الحدث والواقع لأنّ الحضارة الغربية في تلك الفترة لم تكن لا غربية ولا شرقية ويحاولون أن يقولوا للناس أنّ الحضارة الغربية نابعة من الحضارة الإغريقية وهذه الحضارة كانت متواجهة ومتعادلة مع الحضارة الشرقية التي تمثّلها وكانت تمثّل الحضارة الفارسية في تلك الفترة، نتحدّث مثلاً عن القرن الرابع أو الخامس أو السادس قبل الميلاد تحديداً أيام اسكندر المقدوني، فهذه الفوارق التاريخية غير صحيحة أي بمعنى نحن ننطلق من أساس غير صحيح وغير نقي من الناحية التاريخية والثقافية، هذه النظرة التي يجب أن نغيّرها من الأساس ثمّ أنّ هناك مسألة أخرى تتعلق بالاعتقاد بأنّ العرب نقلوا ولم يبدعوا وأنّ بلادهم الكبرى أخذوا من الإغريق وعرفوها أو أضافوها إلى العلوم الإنسانية العالمية، حيث جاء الأوروبيون وأخذوا الثقافة الإغريقية عن طريق العرب وهذا غير صحيح لأنّ العرب أيضاً أفادوا وأيضاً أبدعوا كما أنّهم أخذوا من حضارات أخرى ولكنّهم أيضاً استفادوا وأفادوا وبالمعنى أنّهم خلقوا أموراً جديدة وليس فقط قاموا بدور الممثّل وطبعا الممثل في آخر المطاف وأوله والنقل من الحضارة الغربية الإغريقية.

 

كما هو متداول في العصر الحديث أو الجديد أنّ الصحافة تسوّق لأفكار الإسلاموفوبيا وتعمل على انتقائها هدفها التحامل والخوف من الإسلام و النظر إليه على أنّه قوة جيوسياسية، ما رأيك و خاصّة أن تلك النظرة إلى الإسلام انتقدت على نطاق واسع؟

 

المشكلة أولاً أن الإسلاموفوبيا ليس جديداً وهو موجود منذ قرون من الزمن ولكن بصيغ ونماذج وأنماط مختلفة ومتجدّدة، فالصحافة اليوم مارست هذه الرؤية الدونية والتنقيصية للحضارة الإسلامية العربية لأسباب سياسية وإيديولوجية وهناك نقطة لا بدّ أن نأخذها بعين الاعتبار وهي أنّ الحضارة الإسلامية شكّلت فترة من الزمن العدو الرئيسي والعقبة في بعض الحالات في وجه الاستعمار والتوسّع الأوروبي، طبعاً الأوروبيون في النهاية تمكّنوا من السيطرة على الكثير من الدول العربية والمجتمعات العربية والإسلامية كذلك لأنّ أوروبا كانت القوة المستعمرة ليس فقط في العالم العربي وإنّما بالنسبة لحضارات أخرى سواءً في افريقيا أو آسيا وأمريكا الشمالية والجنوبية، إلّا أنّ الحضارة الإسلامية والعقيدة الإسلامية كقوة إيديولوجية أفرزت مقوّمات وحركات فعلية وثقافية وسياسية وحتّى عسكرية واجهت الغرب مواجهةً واضحة والآن لاحظنا ذلك إلى حدٍّ كبيرٍ في غزّة وفيما يتعلق بفلسطين وكيف تحوّل هذا الخوف من الإسلام مرادفاً لنوع من الحرب الحضارية بين الغرب والحضارة العربية الإسلامية التي تحاول القضاء على الغرب وهذا كلام سخيف جداً، بل على العكس الحضارة الغربية متمثلةً بالاستعمار ليس شيئاً يشرّف الحضارة الغربية وهذا الاستعمار هو الذي حاول القضاء على الإسلام كأنظمة إيديولوجية فكرية لأنّه كان يريد الاستفادة بشكل كامل من الموارد الموجودة في الوطن العربي وكذلك في العالم الإسلامي، وبالتالي هذا الإسلاموفوبيا موجود إلى حد كبير، وما نراه في الصحف الغربية ولا سيما في اليمينية المتطرفة منها تعكس هذه الرؤية التي ترى في الإسلام عدوّاً.

 

ماذا تخبرنا عن مؤسسة الاستعراب الإسبانية في الوقت الحالي؟

 

وفيما يتعلق بالاستعراب الإسباني اليوم فهو قديم وأقدم المدارس الاستعرابية الاستشراقية موجودة في أوروبا وهذا بحكم الاحتكاك الأندلسي المسيحي الذي كان موجوداً في القرون الوسطى وبالتالي هذا الاستعراب كان مبنيّاً في الأساس على الدراسات اللغوية والترجمة وثم انتقل إلى الدراسات الاجتماعية والسياسية والتاريخية ويمكن أن نقول أنّ الاستعراب الإسباني يتميّز بفترة بعيدة مديدة من الزمن بالاهتمام الفقهي اللغوي والأدبي والاهتمام المتعلّق بتاريخ الأندلس وهذا شيء يميزه وربما اليوم بحكم الواقع فإنّ الكثير من الدراسات الاستعرابية هنا توجّهت إلى الدراسات السياسية المعاصرة ولكن في الأساس الاستعراب مدرسة عنيت وتعنى بالأساس بالدراسات الأدبية واللغوية والتاريخية الأندلسية.

 

بعض الروّاد من المجتمع الإسباني درسوا وتعلّموا الإسبانية لتأكيد وجود المسيحية قبل الإسلام و خاصّة أنّهم عاشوا في زمن النزعة العسكرية رافضةً التعدّدية الفكرية، كيف تقيم موقفهم المؤيّد والداعي لنصرة عقيدتهم؟

 

 ليست المسألة كذلك ولا يمكن تصوّرها على هذا الأساس وإنّما المقصود أنّ الدين المسيحي كان موجود قبل الإسلام وأتذكر أنّ الفتح الإسلامي قد تمّ في القرن السابع بعد الميلاد وكانت هناك مؤسسة رسمية بالدين المسيحي في إسبانيا وكانت هناك مشاكل عند بعض الطوائف المسيحية وطوائف انشقت من الطائفة الرئيسية وهناك من يعارض الطائفة الأخرى وكانت هناك مساحات إيديولوجية وعقائدية بين بعض المسيحيين وهذا شيء معروف جداً ليس فقط في التاريخ المسيحي وإنّما في التاريخ الإسلامي نفسه، ولكن ما نريد أن نقوله أنّنا نحن المؤرخون والتاريخيون الإسبان نرفض ما يقوله أولئك الذين يتنكّرون لأيّ دور في الأندلس في بناء الهوية الإسبانية المعاصرة وأنّ الحضارة الأندلسية الإسلامية فُرِضت على إسبانيا وهي عنصر غريب دخيل على الثقافة الإسبانية أو أنّ الثقافة الإسبانية المعاصرة لا تدين بشيء للثقافة العربية الأندلسية، ولكننا شئنا أم أبينا لا يمكن نكران الوجود الأندلسي دور في تاريخ إسبانيا ولا يمكننا قول أنّ تاريخ إسبانيا بدأ بعد طرد المسلمين واليهود من غرناطة، وكذلك سيطرة المسيحية على الأقليات والمناطق الإسبانية غير صحيح.

 

صف لنا مدى تقبّل المجتمع الإسباني للمستعربين، وكيف تتعامل المجتمعات الأوروبية مع اللغة العربية وما مدى تأثير الاستعراب الإسباني على الفكر الأوروبي؟

 

إنّ بقاء الدراسات الاستعرابية الإسبانية ودور ومكانة المستعربين في الثقافة الإسبانية اليوم فأعتقد أنّ اليوم هذا الدور صغير وقليل وربما قلّ في السنوات الماضية ويمكن أن نصف الأسباب بالأسباب العامة والتي تشكّل إطاراً يتعلّق بتراجع العلوم الإنسانية واهتمام الناس بقضايا أخرى لا علاقة لها بالأدب واللغة والتاريخ وكلّ شيء مرتبط بالنظرة العامّة، نجدها في مجتمعات محدّدة إزاء قضايا متعلقة باللغة والأدب، ولكن دور الاستعراب ما زال مهمّاً وهناك أمور كثيرة يمكن أن يعملوا فيها وهي متعلقة بتحقيق المخطوطات الأندلسية وبإعادة النظر للتاريخ الأندلسي العريق والتغلغل في مفهوم العلاقة الحضارية بين أوروبا والدول العربية على سبيل المثال والعلاقات المتوسطة وللمستعربين آداء بارز في هذا المجال.

 

ضمن كتاب " الإسلام والغرب... حوار حضاري" والذي يضم أوراق الندوة التي نظمها مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في مايو 2011  وكنت أحد الخبراء المشاركين فيها، كيف ترى المقاربة ما بين المجتمعات المسيحية والإسلامية من خلال "النموذج الأندلسي وسبل توظيفه لتفعيل الحوار الإسلامي المسيحي الحديث"؟

 

طبعاً مفهوم الأندلس عند الكثير من العرب مرتبط بالأمجاد والإحساس بأنّ هناك شيء مفقود وأنّ الأندلس كانت تمثّل صفحة بارقة ولامعة في تاريخ العرب وطبعاً رؤيتنا وإحساسنا لا ينطلق من هذا الأساس وإنّما من الشعور بأنّ هذه الفترة كانت تدلّ على أنّ هناك عناصر ممكنة و إمكانيات واضحة لتأسيس علاقة بنّاءة بين الحضارة المسيحية الأوروبية والحضارة العربية الإسلامية ونحتفظ أنّ الأندلس إلى حدّ كبير كانت عبارة عن محاولة للتعايش لصالح كلّ الأطراف المعنية، ولذلك ها هو الاختلاف الكبير بصرف النظر عن رؤية جهات أخرى تؤمن بأنّ الأندلس كانت كارثة .

 

كما هو معلوم أنّ الاستعراب ظهر أثناء ازدهار الحضارة العربية في الأندلس في الفترة ( 1100 – 1500م )، ويقول المستعرب خوسيه ميغيل بويرتا "في إسبانيا نطبّق مفهوم الاستعراب على الدراسات التي أنجزت على الثقافة العربية والأندلسية بعد سقوط الأندلس، والتي بدأت في منتصف القرن الـ18 الميلادي على يد العالم اللبناني القسيس ميخائيل الغزيري (1710-1791م)، ومجموعة من العلماء الإسبان". كيف ترى اتجاه الحركة الاستعرابية خلال هذه الفترة؟

 

لا بد أن نقول وخصوصاً أيام العصور الوسطى وصحيح كما يقول الأستاذ خوسيه أنّ الاستعراب بمعناه الدقيق بعد سقوط غرناطة في العام 1492 م ولكن ربما نتحدّث عن الاستعراب بالمعنى الواسع جداً والعريض وهو الاستعراب الذي كان موجوداً أيّام الأندلس في الديانة المسيحية القشتالية حيث كانت هناك مدارس ومراكز لتعلّم اللغة العربية ودراسة العلوم الدينية الإسلامية وأذكر على سيبل المثال بعض المدارس التي يوجد فيها مَن يمكن أن نصفهم بالمستعربين الذين يترجمون النصوص العربية ويقرؤونها وهناك من اتصل من الطبقة الكهنوتية بالدراسات الإسلامية لأسباب إيديولوجية وهذا قبل سقوط غرناطة أي أنّ هذه الأمور كانت موجودة، وكذلك القرآن ترجم باللغة اللاتينية في إسبانيا قبل سقوط غرناطة فبالتالي الاستعراب كان موجوداً بهذا المعنى ولكن هذا صحيح من حيث المعنى الأكاديمي الصحيح الاستعراب بدأ بعد تلك المناسبة وأيضاً في القرن الثامن عشر مع الأستاد الغزيري وأيضاً غيرهم من الذين جاؤوا من الشرق وكانوا يهتمون بالمخطوطات العربية، إذاً من هذه الناحية لا بدّ أن نقول أنّ الاستعراب الإسباني الأقدم والأكثر أهمية في أوروبا، ومن هذا المنطلق ربما جاء في القرن التاسع عشر مدارس استشراقية في ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وروسيا وتفوقت على الاستعراب الإسباني من حيث العطاء والأهمية والنفوذ، لكن للأسف كان هذا النفوذ متعلقاً بالكثير من الأمور بالمدّ الاستعماري، صحيح أنّ الاستعراب الإسباني جزء منه خدم المصالح الاستعمارية الإسبانية ولكن ليس بالكثافة والخصوصية التي تميّز بها الاستعراب والاستشراق في البلدان الأوروبية الاستعمارية الأخرى في القرن التاسع عشر.

 

يقول البروفيسور أغناطيوس فيراندو "أنّ بعض المستعربين في بعض مراحل الحركة الاستعرابية كانت متركزة على معرفة "الآخر" بصفته عدوّاً غازياً من أجل مكافحته والقضاء على آثاره الثقافية والفكرية والدينية في شبه الجزيرة الإيبيرية". هل توافقه الرأي، وكيف؟.

 

ذكرت أنّ الاستعراب كان موجوداً قبل سقوط غرناطة في أواخر القرن الخامس عشر أي أنّ الاستعراب كمنظومة سياسية رسمية أو غير رسمية ربما غير مهتم بها ولكن لها وجود، فهي موجودة قبل خروج العرب من الحزب في الأندلس وليس من النظم فيما طرد اليهود والعرب سمح لهم بالبقاء لمدة قرن ونيف وهذا صحيح بأنّه في الأول كان الهدف الرئيسي التصدي لما كانوا يسمونه الغزاة العرب والمسلمون ولكن الوظيفة الأساسية للمدرسة الاستعرابية  وتحديداً الاستشراق في أوروبا وفي الدول الأوروبية الاستعمارية الكبيرة كانت تبرير عملية الاستعمار والسطو على الأراضي العربية الاسلامية، طبعاً لم يكن يعرفون هذا الوجود الإسلامي على أراضيهم وكذلك الاستعراب الإسباني عندما أخد ملامحه المعاصرة في القرن التاسع عشر لم يكن هناك داع لمعاودة قراءة التاريخ والتأكّد من أنّ الفتوحات العربية تلك كانت للاحتلال وإنّما كان الهدف الأساسي مرافقته في الحملات الاستعمارية والتبرير، بمعنى آخر أنّ هناك حضارة دونية غير متطوّرة وبالتالي يحتاج إلى الهيمنة الثقافية والاقتصادية والسياسية من قبل الأوروبيين وحتّى نقول أنّ الديانة الإسلامية لا ترتقي إلى مستوى الديانة المسيحية وأنّ الحضارة الإسلامية لم تكن لها الإنجازات التي حقّقتها الحضارة المسيحية ..

إسبانيا كان لها مستعمرات في شمال افريقيا وكانت لها تجارب في القرون الوسطى مع دول عربية في المنطقة بدءاً بدولة المغرب نفسها وفي الجزائر وفي بعض الفترات بتونس، أيّ أن هناك علاقة ارتباط بين النزاع المسلّح العربي الإسباني في المنطقة وهذه الدراسات حاولت بطريقة أو بأخرى التبرير والتأسيس لمدرسة تبرّر الاستعمار، ولكنّني أعتقد أنّه الاستعراب الإسباني متوسّع ومتنوع ولكن هناك تيارات واتجاهات لا علاقة لها بالتلوّن السياسي ولم تكن تريد هذه الأوساط التبرير أو استساغة أيّ شيء، على العكس كانت هذه التيارات تهتم بالأدب واللغة والنصوص الأندلسية القديمة بالمرتبة الأولى.

 

هل ساهمت الحملات الصليبية المرافقة بشعارات ذات نعرات روحية في مدّ الانشقاق والانقسام داخل الكنائس، هل كان ذلك مرتبطاً بدوافع اقتصادية؟

 

لا بدّ أن نقول أنّ هذه الكنائس كمنظمات رسمية سواءً كانت الكاثوليكية في روما أو الأمريكانية في بريطانيا أو القسطنطينية في ألمانيا وفرنسا ودول أوروبية أخرى في الشمال، هذه المنظمات ولا سيما في القرن التاسع عشر كانت مشاركة في عملية الاستعمار في الدول الافريقية والآسيوية والعربية التي تمّت السيطرة عليها وجاءت هذه المؤسّسات لإضافة صيغة الشرعية وشرعنة هذه العمليات الاستعمارية وبالتالي لا يمكن أن نتحدّث عن الانشقاقات داخل الكنائس ربما هناك مواقف متعارضة فيما يتعلّق بسبل معاملة السكّان الأصليين أو هل نتمادى في الاسترقاق وفي تجارة الرق أوهل يمكن أن نطبّق هذه القوانين الشديدة على هذه البلاد أو تلك ولكن لم يكن هناك بالأساس وجهات نظر متعارضة فيما يتعلق بالعمل الاستعماري كعمل أساسي، الانشقاقات والرؤى المختلفة بدأت في القرن العشرين مع إزالة ظواهر الاستعمار وبالتالي هناك بعض الكنائس والتيارات داخل الكنائس التي تدعو إلى محاربة الاستعمار الجديد و القديم أو النيوكوليانيلية والمدرسة التحريرية الاقتصادية الجديدة وهذا ما رأيناه في المدرسة الكاثوليكية بين التيارات التي تدعو إلى التحرير وإعادة الاعتبار للسكان الأصليين الذين سُلبت حقوقهم وهذه التيّارات التي تؤيّد بشكل أو بآخر النزعة الرسمية المؤسساتية التي تدعو إلى الإبقاء على نوع من الإشراف المباشر على الدول التي كانت مستعمرات سابقاً أدّت إلى توترات داخل هذه الكنائس وكذلك اليوم نرى الأمر نفسه فيما يتعلّق بفلسطين حيث داخل الكنائس المسيحية تيارات ومواقف مختلفة فهناك من يؤيد مشروع الصهيونية وهناك من يعارضه ويدعو إلى مواقف أكثر إنسانية، وهناك الكنيسة الإنجيلية في الولايات المتحدة التي تؤيّد الصهيونية تأييداً كاملاً ولكن هناك تيارات داخل الكنيسة الكاثوليكية لا تفعل ذلك.

و أذكر حالة اسرائيل لأنّها تمثّل حالة الاستعمار الجديد.

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard