info@suwar-magazine.org

السوريون على طريق أوروبا.. أسئلة بلا إجابة ومحطات لا تنتهي !

السوريون على طريق أوروبا.. أسئلة بلا إجابة ومحطات لا تنتهي !
Whatsapp
Facebook Share

السلطات التركيّة تعتقل السوريين في أزمير، ومنظّماتٌ تركيّةٌ تتضامن

 

(1)

 

محمد همام زيادة

 

قامت السلطات التركية مؤخراً بحملات اعتقالٍ طالت أعداداً كبيرةً من السوريين في مدينة أزمير، التي تعدّ نقطة التجمّع الأخيرة للاجئين قبل الانطلاق نحو اليونان. وتنقل الشرطة المعتقلين إلى مخيّماتٍ جنوبي تركيا. ولا تميّز الشرطة بين سوريٍّ يحوز أوراق إقامةٍ نظاميةٍ، كجواز السفر أو بطاقة آفاد (هويةٌ تمنحها الحكومة للسوريين بتركيا)، وبين من لا يحمل وثائق شخصية.

 

يروي "محمد خليل" لمجلة صوَر: "كنت في زيارةٍ لأخي. وبينما كنت أهمّ بالخروج من أحد المطاعم، حيث كنا نتناول الغداء، دخل عنصرٌ من الجندرما وسألني (سوري؟). أجبته بنعم، فاقتادني بعدها إلى باصٍ مليءٍ بالسوريين".

 

 

ويتابع محمد: "الاعتقالات عشوائية. ألقوا القبض عليّ لمجرّد أني سوريّ، علماً أنه لا علاقة لي بالتهريب، فأنا أسكن وأعمل مع عائلتي في مدينة مرسين".

يروي "عمران اللادقاني"، وهو أحد الناشطين المتابعين للظاهرة: "يُنقل المحتجزون إلى مركزٍ تابعٍ للشرطة، وعندما يتمّ تجميع عددٍ كبيرٍ منهم يُنقلون إلى مخيّماتٍ في ماردين أو أضنة. منذ عدّة أيامٍ تمّ نقل 400 سوريٍّ، منهم أطفالٌ ونساءٌ وكبارٌ في السنّ".

 

ويوزَّع المحتجَزون على مخيّماتٍ عشوائيةٍ، بعضها تتوافر فيه شروطٌ جيدةٌ للحياة، كمخيّم العثمانية، وأخرى تفتقر إلى أبسط الشروط الصحية، كمخيّمات ماردين.

 

 

"أم عمر" امرأةٌ أربعينيةٌ تمّ نقلها إلى مخيّمٍ أنشئ حديثاً بالقرب من العثمانية، تقول لصوَر: "وصلنا بعد رحلةٍ طويلةٍ استغرقت حوالي 12 ساعة. لم نكن نعرف إلى أين وجهتنا. الرحلة شاقّةٌ ولم يقدّموا لنا خلالها أيّ وجبة طعام، والشرطة التركية تعاملنا معاملةً في غاية القسوة".

 

وتتابع "أم عمر": "المخيّم أشبه بسجنٍ كبير. وزّعونا على كرفانات. الرعاية الطبية سيئة، توفي بالأمس رجلٌ مصابٌ بمرضٍ في الكبد نتيجة انعدام العلاج".

"جمال"، وهو شابٌّ تمّ ترحيله إلى المخيّم ذاته، يشبّهه بالمعتقل الكبير. ويقول: "لا يُسمح بالدخول والخروج. حاولتُ الهرب عدّة مرّاتٍ دون جدوى. هناك طريقٌ وحيدٌ يوصلنا إلى قريةٍ مجاورةٍ تبعد 2 كم، ولكن دوريات الجندرما تصطاد أيّ سوريٍّ يُشاهد هناك وتعيده إلى المخيّم".

 

 

ويتابع "جمال" كلامه: "تقول لنا إدارة المخيّم: من يرغب في الخروج عليه التوقيع على ورقة مغادرةٍ إلى المكان الذي أتى منه. منذ يومين تمّ ترحيل اثني عشر شاباً قادمين من لبنان، وهذا خطرٌ عليهم لأن السلطات اللبنانية ستسلمهم إلى النظام السوريّ، وغالبيتهم من المطلوبين له".

 

يقول أحد الشباب في المخيّم للمجلة: "وصلتُ منذ ثلاثة أسابيع إلى أزمير قادماً من دمشق، بغرض السفر إلى هولندا، وتمّ اعتقالي بعد ثلاثة أيام. لا أعرف متى يحين موعد خروجي من هذا المكان. تلاشى حلمي بالوصول إلى أوربا بسبب حلول الشتاء وخطورة ركوب الزوارق".

 

حملاتٌ تضامنية

 

أثارت الاعتقالات الأخيرة موجة استياءٍ لدى السوريين في تركيا على مواقع التواصل الاجتماعيّ. وطالبوا بضرورة تحسين معاملة اللاجئين الفارّين من سوريا، كما نصحوا السوريين بضرورة الحيطة والحذر والابتعاد عن التجمّع في الساحات العامة والمساجد، وهي أمكنة تمركز المهرّبين في المدينة.

 

 

وينصح "اللادقاني" الشباب الواصلين إلى المدينة بعدم حمل أمتعةٍ كثيرةٍ أو أيّ شيءٍ يدلّ على أنهم ينوون السفر، إضافةً إلى تجنّبهم التمركز في الساحات العامة وقرب المساجد. كما ينصح الراغبين في السفر إلى اليونان بعدم قضاء أكثر من يومٍ في المدينة، تجنّباً للاحتجاز.

 

تحرّكٌ للمجتمع المدنيّ التركيّ

 

نتجت عما يلاقيه السوريون في مدينة أزمير حالة غضبٍ بين منظمات المجتمع المدنيّ التركية، التي سعت إلى المطالبة بإيجاد حلولٍ سريعةٍ لأزمة السوريين في المدينة. ونظّمت 11 منظّمة مجتمعٍ مدنيٍّ محليةً وقفةً، بالقرب من جامع جوراق كابي وسط أزمير، ألقيت فيها كلماتٌ تضامنية. وقال رئيس جمعية "جسر الصداقة بين الشعوب" "جيم ترزي" في كلمته: "توصّل 20 متطوّعاً، أجروا استطلاعاً عن السوريين الذين يصلون إلى المدينة، إلى أن هؤلاء يقيمون في ظروفٍ سيئةٍ جداً، يعانون من الجوع والعطش والأمراض، وبحاجةٍ إلى وجود دوراتٍ للمياه وأماكن للاستحمام"، وأضاف: "يشكّل الأطفال ربع السوريين المنتشرين في الشوارع، يعانون من أمراضٍ تنفسيةٍ ومن القمل والجرب، والكثير من المواليد لم يتلقوا أيّ نوعٍ من اللقاحات. إضافةً إلى انتشار الأمراض المزمنة لدى كبار السنّ، كالضغط والسكري".

 

كما قامت منظّماتٌ في مدنٍ أخرى بنشاطاتٍ تضامنيةٍ، شملت وقفاتٍ احتجاجيةً وحملاتٍ إلكترونيةً طالبت بإعادة العمل بسياسة الأبواب المفتوحة، وبالسماح لأيّ لاجئٍ -مهما كان وضعه- أن يعبر الحدود البحرية، وبوضع حدٍّ للانتهاكات التي يتعرّض لها اللاجئون على الحدود، وبمنحهم حقوقاً مساويةً لحقوق مواطني تركيا. واعتبرت المنظّمات، المشاركةُ في حملةٍ بدأت في العاشر من أيلول بمدينة إسطنبول، أن الوقت قد حان لبدء حملةٍ شعبيةٍ للمطالبة بوضعٍ قانونيٍّ للاجئين وفق المعايير الدولية، وضرورة منحهم حقّ العمل وتحسين حياتهم، بالإضافة إلى حمايتهم من الترحيل والاعتداءات العنصرية.

 

رأي القانون

 

يشكّل الوضع القانونيّ الضبابيّ للاجئين السوريين في تركيا المشكلة الأساسية في الأحداث الأخيرة، فالحكومة التركية لا تعترف بهم كلاجئين وفق القوانين والأعراف الدولية، بل تعدّهم ضيوفاً كما يكرّر مسؤولوها. ورغم المساعدات الملحوظة المقدّمة من تركيا، مقارنةً مع دول الجوار الأخرى، إلا أن طول أمد اللجوء وعدم وجود أفقٍ لحلٍّ سياسيٍّ في سوريا يجعلان وجود تشريعاتٍ قانونيةٍ تحمي اللاجئين من الأولويات التي يتوجّب على القانونيين السوريين الضغط على الأمم المتحدة والحكومة التركية لتطبيقها بحقّ نحو مليوني سوريٍّ في تركيا.

 

يقول المحامي راجح عطا: "إن نقل السوريين من أزمير إلى المخيّمات أمرٌ مخالفٌ للقانون التركيّ. إنهم، في نظر القانون، أشخاصٌ حاولوا الهرب بطرقٍ غير شرعيةٍ. ولذلك يجب أن يتمّ توقيفهم من قبل الشرطة وأن يُحالوا على المحكمة، لا أن يُقادوا إلى المخيّمات".

 

 

ويتابع عطا: "حقوق السوريين تضيع في فوضى السياسة، بعد أن تحوّلت قضية اللاجئين إلى ورقة ضغطٍ سياسيةٍ تمارسها الدول على بعضها. لا أجد تفسيراً لتصرّف الحكومة التركية سوى أنه إهمال، بعد أن شرّعت، بشكلٍ غير علنيٍّ، الهجرة غير الشرعية لإغراق أوربا باللاجئين والضغط عليها للتدخل بشكلٍ أكبر في سوريا".

 

ويطالب عطا الحكومة التركية بتطبيق القوانين الدولية وقوانين حقوق الإنسان على اللاجئين السوريين، الأمر الذي يحفظ كراماتهم وحقوقهم ويعدّ الضامن الحقيقيّ لهم، على حدّ تعبيره.

 

***

 

 

على مرأى من النظام، السوريون يغادرون باتجاه زوارق الموت

 

(2)

 

كمال سروجي

 

تشهد مناطق سيطرة النظام مؤخراً موجة سفر كبيرة باتجاه تركيا كمرحلة أولى تتلوها الهجرة غير الشرعية عبر الجزر اليونانية وصولاً لأوروبا، وتكتظ مكاتب شركة "أجنحة الشام" المنفردة بتسيير الرحلات إلى تركيا والمملوكة من رامي مخلوف ابن خال رأس النظام بشار الأسد، بطوابير من المواطنين الراغبين بالسفر، ونتيجة الضغط المتزايد، ارتفع سعر البطاقة الواحدة خلال أيام ليصل لـ 145 ألف ليرة للبالغين و125 ألفاً للأطفال.

 

 

يقول الناشط "عمران الدمشقي" لصور: "وصل طول الطابور يوم أمس أمام مكتب الشركة في منطقة المزة بدمشق لحوالي مئة متر، ولا يوجد حجوزات لغاية منتصف تشرين الأول، سمعت من أحد الواقفين أن هناك سمساراً يتقاضى 50 ألف لقاء تأمين موعد سفر قريب".

 

ويضيف "عمران": "جميع المنتظرين يرغبون بالسفر بأسرع وقت، قبل اشتداد الشتاء وتوقف رحلات التهريب البحرية باتجاه اليونان".

 

على حدود المصنع

 

من لم يسعفه حظه بحجز تذكرة طيران لتركيا، أو لا يملك المال الكافي يقرر السفر براً قاصداً ميناء طرابلس، فقد عادت الحركة لمعبر المصنع الحدودي بعد شبه توقف له استمر لعدة أشهر، حيث اكتظ يوميا بعشرات البولمانات والسيارات، كما انتشرت مؤخراً في مدينتي دمشق واللاذقية شركات تؤمن بولمانات وبواخر وتتعهد الرحلة بشكل كامل.

 

 

يقول "الدمشقي": "سابقاً كان هناك تشديدات أمنية وتدقيق على الشباب، أما الأسابيع الماضية تميزت بتسهيلات من الجمارك والأمن السوري على المعبر وكأن النظام يشجع على خروج أكبر عدد من السوريين من البلد".

 

في طرابلس

 

تشهد منطقة المرفأ في طرابلس نشاطاً ملحوظاً، وتمتلئ يوميا بمئات السوريين الذين يحملون أمتعة خفيفة تدلل على نيتهم السفر بطرق غير شرعية، وزادت الشركات الملاحية من عدد بواخرها المسافرة باتجاه تركيا، حيث يحاول السوريون الواصلين لطرابلس السفر بأسرع وقت تجنباً لتكاليف الإقامة في الفنادق اللبنانية، ويتراوح سعر الرحلة البحرية بين 180-300 دولار حسب درجة السفر، وتستغرق حوالي 18 ساعة.

 

في مرسين

 

بكلماتٍ عربية بسيطة يصيح سائقو سيارات الأجرة الأتراك المنتظرين ليلاً وصول السفن من لبنان: "سوري استنبول سوري أزمير"، فجميع الركاب من السوريين راغبون بالوصول لإسطنبول تمهيداً للسفر لإزمير بعد منع السوريين من دخول أزمير بشكلٍ مباشر.

 

 

يقول "جمال"، وهو لاجئ من مدينة إدلب: "افتتحت بسطة أبيع فيها الوجبات السريعة أمام الميناء، فيومياً يصل ليلاً حوالي 300 سوري، وقد تحول وصولهم لباب رزق لسائقي سيارات الأجرة الأتراك".

 

أسباب متنوعة للسفر

 

تتعدد الأسباب التي تدفع السوريين لترك مناطق سيطرة النظام، ويشكل العامل الاقتصادي وعدم الأمان والهروب من خدمة الجيش أهم العوامل الدافعة لهم.

"سماح" أم لطفلين من منطقة برزة تتحدث لصور قائلة: "لم تعد الحياة آمنة في دمشق، القذائف تتساقط يومياً، والمعارك تقترب شيئا فشيئاً، منذ حوالي الشهر سقطت قذيفة بقربي كادت أن تقتلني، بعنا بيتنا بعشرة آلاف دولار، ستكلفنا الرحلة حوالي 7 آلاف دولار".

 

 

أما الرجل الأربعيني "صلاح الدين" يقول لصور: "الأزمة الاقتصادية خانقة، وراتبي لا يكفي لمدة أسبوع، والشتاء على الأبواب، أمضينا العام الماضي بدون أي وسيلة تدفئة، على الأقل في أوروبا سوف تتوفر لنا أساسيات الحياة، إضافة للمدارس الآمنة لأولادي".

 

ويشكل الشباب الحالمين بمستقبل أفضل النسبة الأكبر من المسافرين،  "سلام" تقول للمجلة: "لم تعد الحياة تطاق في دمشق، لا كهرباء، لا ماء، والخطر يحيط بك بكل لحظة، المرور على حاجز النظام يستغرق نصف ساعة، أصبحنا نسمع اللهجة العراقية واللبنانية يوميا، والحرب تنهش روحنا شيئاً فشيئا، رغم أن عملي كان يعتبر جيداً، وليس لدي مسؤوليات كبيرة، قررت ترك كل شيء والسفر للسويد لأبدأ حياة جديدة بعيداً عن ضجيج الحرب".

 

في حين يقول "محمد" الذي أنهى دراسة طب الأسنان هذا العام: "لم أنتظر أن أستلم شهادة التخرج، تأكدت من نجاحي بجميع مواد السنة الأخيرة، وسافرت فوراً، لا أرغب أن أساق للخدمة الإلزامية ولا أريد أن أقتُل وأُقتل، لذلك قررت الهجرة لألمانيا للدراسة نتيجة صعوبة السفر بشكل نظامي".

 

نزيف سوري

 

 

لا أحد يعرف حجم الأعداد الدقيقة للسوريين الذين يغادرون سوريا يومياً، ولكن الانتشار الكبير للسوريين في مدن أزمير وإسطنبول يعطي مؤشراً خطيراً لها.

"أحمد" بائع متجول في مدينة اسطنبول يقول لمجلة صور "أبيع القهوة يوميا في حدائق منطقتي الفاتح وأكسراي، جميعها مليئة بالسوريين والمهربين، الأحاديث الوحيدة التي أسمعها هي عن المهربين واليونان، حتى بت أحفظها كلها".

 

وتشير تقارير صادرة عن منظمات دولية أن العالم لم يشهد حركة هجرة بهذه الكثافة منذ الحرب العالمية الثانية.

يقول الصحفي "عماد كركص": "هجرة السوريين هي أخطر ما يحصل اليوم، البلد تخسر أبنائها، إن استمر الوضع على ما هو عليه لن يبقى سوى كبار السن ومرتزقة النظام الذين سيستمرون بقتال أبناء بلدهم".

 

ويحذر "كركص" من أن يكون مصير سوريا مماثلاً لمصير لبنان أيام الحرب الأهلية حيث هجرها معظم أبنائها ولم يبقَ سوى أمراء الحرب.

 

 

***

 

 

لماذا يصطحب المهاجرون أطفالهم في رحلة الموت؟

 

لبنى سالم

 

بالرغم من المخاطرة الكبيرة التي تنتظر المهاجرين إلى أوربا خلال رحلة اللجوء، وغرق الآلاف منهم حتى اليوم في البحر بين شواطئ تركيا واليونان، وبالرغم أيضاً من أن المهاجر الحاصل على حقّ اللجوء في إحدى الدول الموقّعة على معاهدة دبلن له الحقّ بلمَّ شمل زوجته وأولاده ممن هم دون الثامنة عشرة؛ لا يزال الكثير من المهاجرين يصطحبون أطفالهم خلال هذه الرحلة، بعضهم كانوا مخيّرين وآخرين كانوا مجبرين.

 

 

يلفت عبد القادر، الذي خاض تجربة ركوب قاربٍ مطاطيٍّ تعرّض للغرق، إلى أن: "احتمال غرق الأطفال حين ينقلب القارب كبيرٌ جداً، لأنهم غير قادرين على السباحة، وهنا يصعب على الأهل إنقاذهم. رأيت هذا بعيني. مكثنا ثماني ساعاتٍ في البحر، غرق الكثير من الأطفال أمام أعين أهاليهم ولم يستطع الأهالي أن يفعلوا شيئاً. بعض الأهل غرقوا بعد أطفالهم ولم يستطيعوا الصمود، ومنهم من تمّ إنقاذه لكن حياته تحوّلت إلى جحيمٍ بعد هذه الصدمة. أنا نفسي لم أستطع نسيان هذه التجربة، فكيف سيستطيع أبٌ أو أمٌّ نسيانها، وهم الذين جاؤوا بأطفالهم إلى هذه المخاطرة؟!".

 

 

تعمل هنادي عبد الكريم على مساعدة اللاجئين في مدينة أزمير التركية، التي تشكّل نقطة انطلاق معظم المهاجرين بالبحر. تقول: "لاحظت مؤخراً أن أكثر من نصف المهاجرين عائلاتٌ كاملةٌ مؤلّفةٌ من أزواجٍ وأطفال. خلال تعاملي معهم أسألهم لماذا قرّروا أن يهاجروا سوياً، ولكلٍّ منهم أسبابه؛ بعضهم لا يملكون خياراً آخر، وآخرون لا يدركون حقاً حجم المخاطرة وما هم مقدمون عليه. من الملاحظ أيضاً أن الكثيرين يميلون إلى تقليد بعضهم، فهم يعتمدون على تجربة أحد معارفهم ويعتقدون أنها ستتكرّر معهم كما هي. الكثيرون أيضاً يردّدون العبارات نفسها التي ترمي بالمسؤولية على مشيئة الله أو على القدر". وتضيف: "للأسف، لا يستطيع هؤلاء الأطفال اتخاذ قرارٍ في هذا الأمر. يخاطر آباؤهم بهم دون علمهم، ويندمون حين يحلّ بهم مكروه. اعتقد أن أحداً منهم لم يضع في حسبانه احتمال أن يفقد ولده غرقاً، فلا شيء يستحقّ هذه التضحية مهما بلغ حجم المعاناة".

 

المال

 

يعدّ العامل الماديّ سبباً رئيساً يدفع الأسر إلى هذه المخاطرة الجماعية، فالكثير منهم لا يملك المال الكافي لتحمّل تكاليف المعيشة ريثما يتمّ لمّ الشمل. باع ياسر منزله في حمص وهاجر مع زوجته وطفلتيه. يقول: "لم أكن أملك أكثر من ثمن المنزل، وهو 7 آلاف دولارٍ، دفعناه كاملاً للمهرّب. فكرت بدايةً أن تعيش زوجتي وطفلتاي في لبنان، لكن تكاليف الحياة مرتفعةٌ جداً وليس لهم مأوىً هناك. قرّرنا أن نهاجر سوياُ ولم نتردّد كثيراً". ويضيف: "لحسن الحظ أننا وصلنا بالسلامة. في البحر انتابني ندمٌ شديدٌ عندما شعرت بقرب الموت. كنت خائفاً عليهم بشدّةٍ وشعرت بمسؤوليةٍ كبيرة. كنت أدعو الله أن يسامحني على ما فعلت. ولو عاد بي الزمن لخضتُ المغامرة وحيداً دونهم".

 

 اليأس

 

يرى العديد من المهاجرين أن نسبة الخطر في البحر ليست أكبر من الخطر الذي كانوا يعيشونه داخل سوريا. تقول كوثر من داريا: "عشنا تحت رحمة البراميل والحصار أكثر من سنةٍ، ذقنا فيها العذاب والذلّ والقهر. قُتل جيراني وأطفالهم، 3 عائلاتٍ من أقربائي ماتوا جميعهم. لم أشعر بالخوف من البحر. ركوب البلم مراهنةٌ على الحياة تحدث يومياً في الغوطة، كنا نراهن القدر كلّ يومٍ على يومٍ جديد. هذا هو الواقع، وإلا ما الذي سيجبرنا على المرّ إلا الأمرّ منه؟!".

 

الأرامل وزوجات المفقودين

 

تضطرّ الكثير من السيدات إلى الهجرة برفقة أطفالهنّ بعد وفاة أزواجهنّ أو اختفائهم. أصالة أمٌّ لثلاثة أطفالٍ، اختفى زوجها منذ ثلاث سنواتٍ في سوريا، وعاشت مع أطفالها ظروفاً قاسيةً في لبنان بعد نزوحهم من سورية خوفاً من اعتقال أطفالها. تقول: "كلّ شيءٍ كان مغلقاً في وجوهنا. صمدنا 3 سنواتٍ على أمل أن يظهر زوجي لكننا فقدنا الأمل. ليس لأطفالي اليوم غيري، ولم أستطع تأمين حياةٍ جيدةٍ لهم في لبنان فقرّرت الهجرة. ليست هناك إمكانيةٌ لتركهم إلى حين لمّ الشمل، فليس لدينا أقارب أو معارف هناك. هاجرنا سويةً. شعرتُ بمسؤوليةٍ كبيرةٍ لكنني لم أكن لأقدم على هذا لو لم تغلق جميع الطرق في وجهي".

 

قيودٌ اجتماعية

 

يجد بعض الأزواج صعوبةً في تقبّل أن تعيش نساؤهم وأطفالهم وحيدين في دولةٍ غريبة. يرى سامر أنه من الصعب أن يترك زوجته وطفله وحيدَين في تركيا، وأن المرأة السورية باتت "مطمعاً" للكثيرين. قال إنه يفضّل أن يخاطروا جميعاً على أن يعيش حياة قلقٍ وهو بعيدٌ عنهما. وأضاف: "لا يمكن للمرأة أن تتدبّر جميع الأمور في حال غياب زوجها وعائلتها. لن أضع زوجتي في هذا الموقف، خاصّةً أن لديها طفلاً وتعيش في بلدٍ غريب. إن حدث أيّ شيءٍ لنا سيكون قضاء الله وقدره".

 

بالمقابل، عبّرت بعض النساء عن أنهنّ لا يرغبن في أن يعيش أزواجهنّ وحيدين في الدول الأوربية التي يعتبرنها "منفتحةً جداً". هدى، التي كانت تعيش مع زوجها وعائلتها في تركيا، رافقته في رحلة اللجوء عبر قوارب الموت مع طفلها ذي الستة أعوام، دون أن تفكر أنها تخاطر به، بالرغم من أنه كان بإمكانها العيش مع عائلتها ريثما تحصل على حقّ لمّ الشمل. تقول: "صراحةً شعرتُ أنني سأغار على زوجي من الألمانيات، خفتُ أن تسرقه إحداهنّ منّي. لا أعتقد أن الرجل العربيّ أهلٌ لثقة زوجته حين يعيش خارج مجتمعه. كان لا بدّ أن آتي معه. بعد رحلتنا المضنية فكرتُ أنه ربما لو انتظرتُ لكان الأمر أسهل، خاصّة أننا اضطررنا إلى البقاء في مركز الاستقبال قرابة 5 أشهرٍ ومرض ولدي لمدّةٍ طويلة".

 

 

وتشير هنادي عبد الكريم إلى أن: "بعض النساء لا ترغبن في تحمّل المسؤولية، والسبب هو موروثاتٌ وتقاليد اجتماعيةٌ لا تسمح للمرأة بالاستقلالية أو تحمّل مسؤولية العيش وحيدةً دون معيل. لذا تجد تلك النساء صعوبةً كبيرةً في أن يعشن وحدهنّ، أو مع أولادهنّ، دون أزواجهنّ. من جانبٍ آخر قد لا يثق الزوج بأن زوجته قادرةٌ على تحمّل هذه المسؤولية. والبعض تجبره التقاليد على عدم ترك زوجته تعيش وحيدةً، خاصّةً في حال عدم وجود عائلتيهما في البلد نفسه. في جميع الحالات تكون النتيجة واحدة... المخاطرة بالأطفال".

 

الكتاب

هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ
هناك حقيقة مثبتة منذ زمن طويل وهي أن المحتوى المقروء لصفحة ما سيلهي القارئ

تابعنا على الفيسبوك
إعلان
حقوق النشر © 2019 جميع الحقوق محفوظة للمجلة، تم التطوير من قبل شركة Boulevard